سجل وزير العدل الإسرائيلي معارضته هذه مراراً وتكراراً خلال مؤتمر صحافي عُقد يوم الثلاثاء الماضي، وفي سياق رده على سؤال ما إذا كانت إسرائيل ستسمح بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية إذا ضغطت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في هذا الإتجاه. وقد لاقى موقفه استحسان جميع الحضور. وكشف جدعون ساعر أمام الحضور أنه تحدث مع رئيس الوزراء نفتالي بينيت عدة مرات حول مسألة إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، “ونحن متفقان على الرأي ذاته وننظر للأمور من المنظور نفسه. لقد قال أحدهم لنا إنه التزام انتخابي. لكن بالنسبة لنا، إنه التزام جيل. لن نتنازل عن هذا”.
ولم يتسن لصحيفة “الواشنطن بوست” الحصول على تعليق من وزارة الخارجية الأميركية حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
وكان وزير الخارجية أنطوني بلينكين كان قد أعلن في أيار/مايو الماضي أن الولايات المتحدة ستعيد فتح قنصلية القدس التي كانت من خلالها تُدير كل تعاملاتها مع الفلسطينيين. لكن المراقبين يقولون إن القضية تمثل معضلة بالنسبة للبيت الأبيض.
منع باسم قانون
وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية قد ترغب في إعادة فتح قنصليتها في القدس، إلا أنها في الوقت نفسه لا تريد أن تصبح القضية “إسفيناً” في السياسة الداخلية الإسرائيلية أو تتسبب بإضعاف حكومة تعتبرها “أكثر اعتدالاً من سابقتها”، وفقا لديفيد ماكوفسكي، أحد كبار المستشارين المعنيين بالمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.
يُذكر أن بينيت كان يترأس حزب “يمينا” اليميني الصغير قبل توليه منصبه من خلال تشكيل حكومة ائتلافية مع أحزاب أكثر وسطية في الانتخابات الإسرائيلية الرابعة خلال العامين الماضيين. وبينيت هو أول رئيس وزراء يعيش في مستوطنة يهودية داخل أراضي الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، وهي مستوطنة مثل كل المستوطنات اليهودية “غير قانونية بموجب القانون الدولي”. كما أنه دأب على تسجيل وتثبيت اعتراضه على إقامة دولة فلسطينية في أكثر من مناسبة.
رون هاسنر: “ليس بالإمكان فتح أبواب القنصلية الأميركية في القدس إلا بموافقة إسرائيل. لا أحد يستطيع تشغيل إشارة مرور أو تعبيد شارع أو حتى توزيع البريد في القدس الشرقية ما لم تسمح إسرائيل بذلك. من غير المعقول أن تستطيع أي جهة أجنبية إقامة مكتب دبلوماسي بدون إذن إسرائيلي”
بدوره، كان نير بركات، عضو الكنيست والمنافس الأقوى لخلافة بنيامين نتنياهو في زعامة حزب “الليكود” اليميني المتطرف، قد اقترح في تموز/ يوليو الماضي مشروع قانون يمنع أي دولة من إنشاء أي بعثة دبلوماسية في القدس يمكن أن تهتم بأي شأن غير الشأن الإسرائيلي.
في هذا الخصوص، أكد رون هاسنر، المتخصص بـ”الصراعات الدولية والدين” في جامعة كاليفورنيا، لصحيفة “واشنطن بوست” أنه “ليس بالإمكان فتح أبواب القنصلية الأميركية في القدس إلا بموافقة إسرائيل. لا أحد يستطيع تشغيل إشارة مرور أو تعبيد شارع أو حتى توزيع البريد في القدس الشرقية ما لم تسمح إسرائيل بذلك. من غير المعقول أن تستطيع أي جهة أجنبية إقامة مكتب دبلوماسي بدون إذن من السلطة الحاكمة. والإسرائيليون هم السلطة الوحيدة”.
وأضاف هاسنر: “بالمقابل، ليس لدى الفلسطينيين أي سيطرة فعلية أو شرعية، ولم يسبق لهم أن كان لديهم مثل هذه السيطرة على الجزء الشرقي من القدس”.
السلام بواسطة القوة!
بعد انتصارها في حرب الأيام الستة عام 1967، أعلنت إسرائيل فرض سيادتها على القدس بعد الاستيلاء على الجزء الشرقي من المدينة المتنازع عليها مع الأردن، وبالتالي السيطرة على البلدة القديمة والأحياء العربية المحيطة بها. حتى يومنا هذا، ينظر معظم المجتمع الدولي إلى القدس الشرقية على أنها أرض محتلة. لكن بالنسبة للفلسطينيين ستكون المدينة في يوم من الأيام عاصمة أمتهم.
في أواخر العام 2017، اعترف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل. هذا الانفصال والخروج عن عقود من السياسة الخارجية الأميركية أدى إلى سلسلة من الأحداث: نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب (حيث تقع جميع السفارات تقريباً) إلى القدس في عام 2018، وتم دمج القنصلية هناك التي عالجت الشؤون الفلسطينية لفترة طويلة في السفارة الجديدة.
هذا الأسبوع فقط، اجتمعت الشخصيات التي ساهمت في إنفاذ قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس للاحتفال بتأسيس “مركز فريدمان للسلام بواسطة القوة”، الذي سُمي على اسم سفير ترامب في إسرائيل، ديفيد فريدمان. فالأخير كان قد عمل جنباً إلى جنب مع كبير مستشاري البيت الأبيض آنذاك جاريد كوشنر ووزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو، وساعد كثيراً في التوسط ومن ثم التوصل إلى “اتفاقات أبراهام” التي أدت إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية (الإمارات والبحرين والمغرب والسودان).
إن نقل السفارة، الذي استلزم في ذلك الوقت تعليق لوحة على الحائط في القنصلية في القدس، لهو حدث يحمل أهمية رمزية عميقة. لقد امتنعت الإدارات الرئاسية الأميركية السابقة عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل حتى يمكن أن تكون جزءاً من اتفاق نهائي لحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين (…).
يُذكر أن أول قنصل أميركي في القدس كان قد تم تعيينه من قبل الرئيس جون تايلر في عام 1844، وتم إنشاء بعثة دائمة بعد عقد من الزمان. في السنوات الـ170 التي تلت ذلك، أصبح يُنظر إلى القنصلية من قبل الفلسطينيين كقناة مستقلة للتواصل مع وزارة الخارجية الأميركية.
ولكن، كما أشار ماكوفسكي، “غالباً ما تطغى رمزية القدس على الاعتبارات الأخرى”.
(*) الترجمة نقلاً عن “الواشنطن بوست”