فلسطينك يا سماح كانت دينك الدائم. فلماذا أخذتها معك وحرمتنا من ميراثك السخي؟ صدّقني، إن السماء ليست بحاجة إليك أبداً. موتك كان خطأ فادحاً. لقد حرمتنا عنادك وثباتك ومواقفك. مكانك هنا. وليس في أي مكان آخر.
لا أريد أن تصبح ذكرى، فيصبح الزمن ظلالاً وسكوناً، كمياه راكدة. أريد أن نتفيأ قامتك الباسقة.. يوم كنا نيأس، واليأس حق مقدس، كنت ترفع راية التحدي والمستقبل. لم تُهزم أبداً. عجباً، وسط جموع الراكعين على جباههم، كنت تنظر إلى الأفق البعيد، وترسم الطريق، وللطريق عنوان: “من فلسطين، والى فلسطين نعود”.. ها انتذا عائد اليها، بعد يقظتك الأخيرة.
أحياناً أقول: حسنا فعلت يا سماح. أحاول أن أخفف من جرعات اليأس، عبر استعادة جرأتك وتحديك للانحطاط. انت الآن في مكان راحة ابدية.. حسناً فعلت يا سماح، لأن أمتك العربية تسير إلى نحبها ولا رجاء. الدم العربي مسفوك بأيدٍ عربية. أميركا ترعى شياطينها فينا. “إسرائيل” شقيق أصيل. الدين، سيوف حاقدة ورماح في الصدور، أمة عن بكرة تاريخها، تدب مسرعة لتطبيع مجزٍ ومخزٍ.. حسناً فعلت يا سماح. لن ترى أمة مهزومة تشتري هزائمها بالنفط والدم وتلافيف الدين.
سيفوتك مشهد الزواج الديني، برعاية الحاخامات، الذين كتبوا سفر الإبادات.. حسنا فعلت يا سماح، لا عرب بعد اليوم في دنيا العرب. عفواً، في جحيم العرب.
إطمئن يا صديقي ويا أخي سماح. أمتك التي آمنت بها بألف خير. انها مؤمنة ايماناً راسخاً، بقواها المناوئة لجموع المطبعين. المطيعين. وتعرف “أن القوة هي القول الفصل”.. وأننا لعائدون
أسألك، كيف لم تيأس؟ من أنت لتظل عاصياً كل هذا الزمن السافل؟ من أنت لتقف حاجزاً ردعياً للتطبيع. أنهكتنا بمواقفك. تصيّدت المتعاملين مع “إسرائيل” والمُطبعين، من المثقفين، العرب والاجانب. رصدتهم فرداً فرداً. شهّرت بهم، غير آبه، بـ”مثقفي” حضارة النفط القذرة الذين اتهموك بما هم فيه. أنت، كنت الحارس الثقافي، الذي لا يسامح أبداً، كتَّاباً وفنانين وسينمائيين. قلت فيهم ما يجب. هؤلاء مرتكبون. والارتكاب الثقافي أشد وبالاً من الارتكاب السياسي.. الثقافة، يلزم أن تكون، كامرأة قيصر.. فيا مثقفي الردة، اخجلوا قليلاً. فقط من اجل سمعتكم الثقافية. لا تكونوا كغرب يتشدق بالحرية والعدالة والمساواة، ويُعلّي كثيراً من شأن كتَّابه وعباقرته، ومع ذلك، فهو يخدم عند “إسرائيل”، ولا يتجرأ على مساءلتها، لا ادانتها، ويغدق الاموال والسلاح والاعلام عليها، فيما هو يرى غزة تشتعل وتدمر وتقتل.. ويضع الغرب شهداء فلسطين في خانة الإرهاب.. كفى يا حملة الأقلام ورواد الفكر ومروجي الإبداع. قليلاً من الصمت فقط، لا أكثر.
ارتحت الآن يا سماح. مَنْ بعدَك سيقف في مواقعك؟ قلة قليلة. من المحيط الذي ترسمل بـ”الإسرائيلي”، إلى الخليج الذي يزحف برمته تقريباً، ليقيم “السلم العتيد”، الذي يرسو على أقدام اميركا، ويجثو على مؤخرة “إسرائيل”، قاطرة الاستسلام المبارك، من دول شريرة تُجيد كتمان الاضطهاد والاقتلاع.
أما سمعت يا سماح من قبل، أنك تحارب طواحين الهواء؟ قليل من الخجل يا حملة الأقلام المُذهبة: إذا كان في هذه البقعة من أمل حقيقي ومخدوم بالدم والعرق والقوة، وإذا كان هناك من كعبة لنا، فان فلسطين، ومن تبقى من عرب اصلاء، يراهنون على القيامة بعد هذه الجلجلة.
صعبٌ أن تموت فلسطين. قليلٌ من السياسة هنا. سماح يسمح لنا بأن نتفيأ، بما يوحيه الواقع وما تحدثنا عنه الوقائع. اميركا تتحسر عن العرب وتصطف مع “إسرائيل”. اسراب الدول المطبعة تُطبّع، إما خوفاً او إغراءً. حروب خاسرة يخوضها عرب الردة في معظم الكيانات المهتزة. “إسرائيل” لم تعد تخاف عربياً من أعراب البادية والصحراء والنفط. “إسرائيل” خائفة من المقاومة، ومن الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وفي الداخل ايضاً. “إسرائيل” سقطت في غزة. لا تجرؤ على لبنان، وتتهدد إيران، وإيران مستعدة.
إذاً ماذا؟
إطمئن يا صديقي ويا أخي سماح. أمتك التي آمنت بها بألف خير. انها مؤمنة ايماناً راسخاً، بقواها المناوئة لجموع المطبعين. المطيعين. وتعرف “أن القوة هي القول الفصل”.. وأننا لعائدون.
أما بعد،
مُوجعٌ فقدك يا سماح. ومع ذلك، أودعك بابتسامة دامعة. ونطلب منك أن لا تصمت هناك، حيث أنت. تأكد، انت باق معنا. لن يحجبك النسيان ابداً. حزننا عليك يحيينا.