

أبدى طرفا المفاوضات على صعيد الخطاب الرسمي والتصريحات «الإيحائية» اهتمامًا بالتوصل إلى اتفاق. عاملان يشكلان حاليًا عنصر ضغط للدفع نحو التوصل إلى اتفاق:
أولهما، عامل الوقت إذ سينتهي العمل بالقرار الأممي 2231، الذي كان أساس التوصل إلى الاتفاق عام 2015 (اتفاق 5 زائد 1) والذي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخروج منه عام 2018، وذلك في تشرين الأول/أكتوبر القادم، الأمر الذي يعني العودة إلى تفعيل سياسة العقوبات عبر ما يعرف بآلية «سناب باك»، الأمر الذي يعيد هذا الملف الاستراتيجي من جديد إلى المربع الأول. والملاحظ أن موقف الثلاثي الأوروبي (الفرنسي البريطاني الألماني) في الاتفاق صار متوافقًا مع الموقف الأمريكي العائد للتفاوض مع إدارة ترامب الثانية.
ثانيهما، تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي قُدّم إلى اجتماع مجلس المحافظين للوكالة الذي بدأ أعماله وأشار إلى الازدياد الكبير في مخزون اليورانيوم عالي التخصيب (فوق ستين بالمائة) والذي يُقرّب إيران زمنيًا من الوصول إلى ما يعرف بالعتبة النووية؛ الأمر الذي يعني امتلاك قدرة إنتاج رؤوس نووية في إطار زمني محدود أو ما يعرف بـ«الخيار الياباني» تاريخيًا، أي قدرة الدخول إلى النادي النووي إذا ما أرادت ذلك، وهذا الأمر يُعتبر بمثابة خط أحمر للقوى الغربية المعنية بشكل خاص.
الاقتراح الأمريكي بإنشاء اتحاد إقليمي لتخصيب اليورانيوم (يضم إيران ودولًا خليجية أخرى) كحل عملي لوقف التصعيد والانسداد الحاصل في المفاوضات لم تعارضه إيران إذا ما أقيم على الأراضي الإيرانية، الأمر الذي ترفضه بالطبع الولايات المتحدة.
الملف النووي الإيراني يؤثر في مساره بالأوضاع الإقليمية ولكنه أيضًا شديد التأثر بتطور هذه الأوضاع في ظل لعبة التنافس والتفاهم على إعادة ترتيب الإقليم الشرق أوسطي
هناك أيضًا «إيحاء» غير رسمي لتسهيل القبول بالحل المشار إليه من طرف واشنطن يقضي بالقبول باستمرار إيران بتخصيب اليورانيوم على المستوى المنخفض المقبول (3.6 بالمائة تقريبًا) وذلك لأهداف مدنية، لفترة زمنية محدودة قبل تفعيل المقترح الأمريكي المشار إليه سابقًا، وهو ما ترفضه إيران بشدة باعتبار أنها دولة عضو في معاهدة حظر الانتشار النووي ولها بالتالي الحق بالتخصيب تحت سقف معين على أراضيها.
المقترح الأمريكي يستند أيضًا إلى «النموذج الليبي» عندما وافقت ليبيا تحت الضغوطات الغربية، في عام 2003، على تفكيك كافة البنى والتجهيزات التي تسمح بولوج باب المسار النووي.
ومن نافل القول إن الحالة الليبية تختلف كليًا عن الحالة الإيرانية الأمر الذي يعني الاستبعاد الكلي لهذا الخيار الذي تجرى الإشارة إليه بين الحين والآخر.
من السيناريوهات الممكنة أيضًا الدخول في لعبة شراء الوقت عند الطرفين المعنيين واحتواء الاختلاف والتوتر الذي من الممكن أن ينتج عن عدم التوصل إلى اتفاق. إنها سياسة تقوم على منطق «إبقاء المفتاح في الباب» في ظل تعثر المفاوضات من جهة وفي ظل التغييرات الإقليمية المتسارعة والمفتوحة على احتمالات عديدة (من الحرب الإسرائيلية المفتوحة في الزمان والمكان إلى مسار التغيير الكبير في سوريا والذي أمامه العديد من التحديات) من جهة ثانية.
الملف النووي الإيراني يؤثر في مساره بالأوضاع الإقليمية ولكنه أيضًا شديد التأثر بتطور هذه الأوضاع في ظل لعبة التنافس والتفاهم على إعادة ترتيب الإقليم الشرق أوسطي.
على صعيد آخر، ما زال الموقف الإسرائيلي الذي يُهدّد باللجوء إلى العمل العسكري ضد إيران دون أن يعني ذلك بالضرورة، فيما لو تم، النجاح في حرمان إيران كليًا من خيار التخصيب النووي أيا كان مستواه وحتى في حده الأدنى، غير أن الموقف الإسرائيلي ما زال يخضع للخط الأحمر الأمريكي المستمر في التفاوض برغم التعثر الحاصل، دون أن يعني ذلك إسقاطه كليًا إذا ما اقتنعت واشنطن بالانسداد الكلي لأفق التفاوض.
أيٌ من الخيارات المشار إليها هو الذي سيتحول إلى واقع سيتأثر دون شك كما أشرنا بمسارات التغييرات الإقليمية والتوازنات التي تنتج عنها، ولكنه سيؤثر بشكل كبير بمنحى هذه التغييرات وبالتالي في نشوء نظام إقليمي جديد.
(*) بالتزامن مع “الشروق“