السعودية تُفشل تحقيقاً أممياً حول اليمن بـ”الحوافز والتهديدات”!

استخدمت السعودية "حوافز وتهديدات" كجزء من حملة ضغط لوقف تحقيق دولي تجريه الأمم المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها ويرتكبها جميع أطراف النزاع في اليمن، وذلك وفقاً لمصادر مطلعة تحدثت إلى الصحافية الإستقصائية في صحيفة "الغارديان" البريطانية، ستيفاني كيرشغيسنر.

نجحت الجهود السعودية؛ في نهاية المطاف؛ عندما صوّت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ضد تمديد فترة التحقيق المُستقل في جرائم الحرب اليمنية. ويمثل هذا التصويت الهزيمة الأولى من نوعها لقرارات من هذا النوع في جنيف منذ 15 عاماً.

مسؤولون سياسيون وناشطون ومصادر دبلوماسية؛ على صلة بالتحقيق وبحملة الضغط التي أفشلت التصويت؛ وأثناء حديثهم إلى صحيفة “الغارديان”، وصفوا ما جرى بـ”حملة خفية” قادتها السعودية للضغط والتأثير على الجهات المعنية والمسؤولة، من أجل ضمان فشل التحقيق ووقف ما يترتب عليه من إجراءات قبل صدورها.

في إحدى الحالات، يُزعم أن الرياض حذرت إندونيسيا؛ أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان في العالم؛ من أنها قد تتسبب بعقبات أمام سفر الإندونيسيين إلى مكة إذا لم يصوت المسؤولون الإندونيسيون ضد قرار 7 تشرين الأول/أكتوبر2021 في جنيف.

وفي حالة أخرى، أعلنت دولة توغو الأفريقية؛ وقت التصويت؛ أنها ستفتح سفارة جديدة في الرياض، وأنها ستتلقى دعماً مالياً من المملكة لدعم أنشطة خاصة بمكافحة الإرهاب.

يُذكر أنه في العام 2020 امتنعت كلٌ من إندونيسيا وتوغو عن التصويت، لكن هذا العام، كلاهما صوت ضد إجراء تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع في اليمن.

قال أحد المسؤولين لصحيفة “غارديان”: “هذا النوع من التأرجح من 12 “لا” عام 2020 إلى 21 “لا” في تشرين الأول/أكتوبر الماضي أمرٌ مفاجئٌ جداً، لا يمكنك تصديق ما حدث بالفعل، على الرغم من حدوثه”

القرار سقط يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر بأغلبية بسيطة (21-18) مع امتناع سبع دول عن التصويت. وفي عام 2020، كان قد تم تمرير القرار بأغلبية 22 صوتاً مقابل 12، مع امتناع 12 عضواً عن التصويت.

وقال أحد المسؤولين لصحيفة “غارديان”: “هذا النوع من التأرجح من 12 “لا” عام 2020 إلى 21 “لا” في تشرين الأول/أكتوبر الماضي أمرٌ مفاجئٌ جداً، لا يمكنك تصديق ما حدث بالفعل، على الرغم من حدوثه”.

مهزلة حقيقية

جون فيشر، مدير منظمة “هيومن رايتس ووتش” في جنيف قال: “لقد كان تصويتاً صعباً للغاية. نحن نتفهم أن السعودية وحلفاءها في التحالف وداخل اليمن كانوا يعملون على مستوى عالٍ لبعض الوقت لإقناع الجهات الرسمية في العواصم؛ من خلال مزيج من التهديدات والحوافز؛ على التصويت من أجل إفشال وإنهاء آلية المراقبة الدولية هذه”.

وأضاف فيشر: “فقدان التفويض بإجراء تحقيق أممي في الانتهاكات المرتكبة في اليمن يُشكل ضربة كبيرة لمبدأ المحاسبة في اليمن وغيرها، وضربة لمصداقية مجلس حقوق الإنسان ككل. إن هزيمة التفويض من قبل أحد أطراف النزاع دون سبب يُذكر سوى التهرب من التحقيق في الجرائم الدولية يُعد مهزلة حقيقية”.

ولم يرد ممثلو السفارتين الإندونيسية والسعودية في واشنطن ووزارة الخارجية في توغو على طلب “الغارديان” للتعليق.

يُذكر أن مجلس حقوق الإنسان كان قد صوّت لأول مرة على تشكيل فريق من الخبراء للتحقيق في الانتهاكات المحتملة للقانون الإنساني وحقوق الإنسان في اليمن في عام 2017.

بدأ النزاع الدائر اليوم في اليمن في عام 2015، عندما شن تحالف تقوده السعودية حملة عسكرية ضد الحوثيين. يومها قال “التحالف” إنه يتدخل في اليمن نيابة عن الحكومة اليمنية المُعترف بها دولياً. وقد استخدم أسلحة ثقيلة تم شراؤها من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وتقول جماعات ناشطة إن أكثر من 100 ألف شخص قتلوا؛ حتى الآن؛ في هذا الصراع ونزح أكثر من 4 ملايين آخرين.

السعودية، وهي ليست عضواً يحق له التصويت في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وضعت كل جهدها لإفشال التحقيق منذ البداية.

فالخبراء؛ المعروفون باسم “فريق الخبراء البارزين المعني باليمن” (GEE)؛ لم يُمنحوا إذناً بالسفر إلى اليمن، لكنهم مع ذلك واصلوا تكثيف تقاريرهم طوال سنوات النزاع، وكان كل تقرير في كل مرة أكثر “إدانة” من سابقه، بحسب أحد النشطاء المقربين من القضية.

وفريق (GEE) يمثل الآلية الدولية الوحيدة المكلّفة منذ العام 2017 بالتحقيق في الانتهاكات والتجاوزات التي ترتكبها جميع أطراف النزاع اليمني.

في عام 2020، أوصى  أعضاء “الفريق”، ولأول مرة، بأن يُركز المجتمع الدولي اهتمامه على المساءلة عن جرائم الحرب المُرتكبة. وقدم الفريق خمس توصيات، من بينها توصية بأن يحيل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القضية إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.

وقال أحد الأشخاص الذين تابعوا الأمر للصحيفة: “أعتقد أن هذا ما كان يجب أن يحدث. كان يجب الضغط على الزناد في تلك اللحظة التي أدرك الجميع أن التحالف السعودي هذا ذهب بعيداً جداً”.

الجدير ذكره هنا أن منظمة العفو الدولية (“أمنستي”) كانت حذرت في تشرين الأول/أكتوبر بأن الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان تواجه اختباراً رئيسياً، عندما كان من المقرر أن تصوت على تجديد ولاية فريق الخبراء البارزين المعني باليمن. وخلال الأسبوع الماضي، كثّفت السعودية وشركاء التحالف الضغط على أعضاء مجلس حقوق الإنسان لإنهاء ولاية فريق الخبراء البارزين في وقت لاحق.

إقرأ على موقع 180  إتفاق بكين.. بديل سوريا عن تركيا

تكتيكات عدوانية

يبدو أن الدول التي أيدت إجراء التحقيق، الذي قادته هولندا، فوجئت بالتكتيكات العدوانية للسعوديين.

فخلال المفاوضات، لم تُثر أي دولة من الدول التي ستغير التصويت لاحقاً أي اعتراضات على القرار، والذي يختلف عن نسخة 2020 بطريقة جوهرية واحدة فقط: لقد سعت إلى تمديد التفويض بإجراء التحقيق إلى عامين بدلاً من عام واحد.

بحسب أحد المطلعين والمقربين من القضية فإن “فوز السعوديين في هذه المعركة، على حساب الشعب اليمني، أمرٌ مروعٌ. لكنها أيضاً حالة نموذجية لدول أخرى مثل روسيا والصين لنسف أي تحقيق آخر. لقد أُصيب الجميع بصدمة حقاً”

وقالت المصادر إن “أجراس الإنذار” بدأت تدق لمؤيدي هذا الإجراء قبل حوالي أسبوع من التصويت. عندما أدركوا أن حملة الضغط التي تقودها السعودية “كانت مختلفة تماماً عن السنوات السابقة”. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن السعودية قد انخرطت في اتصالات وتنسيق ثنائي مع صانعي السياسات في عدة عواصم حول العالم.

قال أحد الأشخاص المطلعين على الأمر: “يمكنك أن ترى أن كل شيء قد يتغير، وكان ذلك بمثابة صدمة”. عادة، تُعرف مواقع التصويت قبل أيام من إجراء العملية. لكن في تشرين الأول/أكتوبر، قاومت الدول الأعضاء مشاركة موقفها النهائي، وهو ما اعتبره المؤيدون علامة مقلقة عن تعرض بعض الدول لضغوط شديدة.

وقرر مؤيدو القرار المضي قدماً في التصويت برغم أن نتيجته كانت غير مؤكدة.

وبحسب أحد المطلعين والمقربين من القضية فإن “فوز السعوديين في هذه المعركة، على حساب الشعب اليمني، أمرٌ مروعٌ. لكنها أيضاً حالة نموذجية لدول أخرى مثل روسيا والصين لنسف أي تحقيق آخر. لقد أُصيب الجميع بصدمة حقاً. مسألة التحقيق والتدقيق يجب أن تطبق على أعضاء المجلس في الأمم المتحدة الذين لا يستطيعون تحمل الضغط”.

الجدير ذكره هنا أن أعضاء مجلس حقوق الإنسان يخدمون في مواقعهم لمدة ثلاث سنوات. من بين الدول التي خدمت خلال عامي 2020 و2021، أربع دول غيرت أصواتها من “الامتناع عن التصويت” إلى “لا” بشأن اليمن. وهذه الدول هي: إندونيسيا وبنغلاديش والسنغال وتوغو.

التصويت حصل عندما كان وزير خارجية توغو في زيارة رسمية للسعودية، وتزامن ذلك مع الإعلان عن افتتاح سفارة جديدة للتوغو في الرياض، كما أعلنت توغو أنها ستتلقى تمويلاً لمكافحة الإرهاب من “المركز الدولي لمكافحة الفكر المتطرف”، ومقره السعودية.

في حالة إندونيسيا، من المفهوم أن الرياض أبلغت بأن شهادات التطعيم الإندونيسية ضد فيروس كورونا قد لا يتم الاعتراف بها للإندونيسيين الذين يسافرون إلى مكة إذا لم تعلن جاكرتا رفضها لإجراء تحقيق أممي في اليمن. وبحسب أحد المراقبين، فإن التهديد المزعوم أظهر أن السعوديين على استعداد لـ “استغلال” وصول الحجاج الإندونيسيين إلى الأماكن المقدسة.

بعد أسبوع من التصويت، دعت الإمارات، حليف السعودية في الصراع اليمني، السنغال لتوقيع مذكرة تفاهم لإنشاء مجلس أعمال إماراتي سنغالي مشترك. وكان الهدف من المجلس أن تقوم غرفة التجارة الإماراتية “بتعزيز التعاون” بين “البلدين الصديقين”.

“الغارديان” حاولت الإتصالات بجهات معنية في الإمارات للحصول على تعليق حول الموضوع، غير أن أحدا لم يتجاوب مع الصحيفة حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

(*) الترجمة عن “الغارديان” بتصرف.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  عامية 2021.. وآفاق التغيير