البابا لا يضع يده بيد مسؤولين لبنانيين يُفقِرون شعبهم

يصل وزير خارجية ​الفاتيكان ​المطران بول ريتشارد غالاغر في 1 شباط/ فبراير الى لبنان في زيارة رسمية يلتقي خلالها كبار المسؤولين الزمنيين والروحيين كما يزور احد مخيمات النازحين السوريين للاطلاع على اوضاعهم وتأكيد ضرورة عودتهم إلى ديارهم في أقرب فرصة ممكنة.

تأتي زيارة غالاغر غداة خطاب الحبر الاعظم البابا فرنسيس الطويل امام السلك الدبلوماسي المعتمد لدى حاضرة الفاتيكان في 10 كانون الثاني/يناير (وهو تقليد درّجه البابا بولس السادس) وإستعرض فيه اهم انجازات الكرسي الرسولي في السنة المنصرمة واهم ما ينوي القيام به في السنة الجديدة.

مع البابا يوحنا بولس الثاني، صار الخطاب السنوي يشكل محطة مهمة في العلاقات الدولية، اذ ان 26 خطاباً أدرجت في خانة “المراجع” في العلاقات الدولية، نظراً لإسهاماتها في إحداث تحولات جيوبوليتيكية دولياً.

كان خطاب البابا فرنسيس الأخير هو الاطول في حبريته (50 دقيقة) وجاء تحت عنوان “شفاء العالم ما بعد الجائحة.. والعلاقات الدولية”، واول نقطة تطرق إليها دولياً هي لبنان مُنطلقاً من اليوم الذي خصّصه للبنان في 1 تموز/يوليو 2021، لكن الملفت للإنتباه انه للمرة الأولى في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين لبنان والفاتيكان (منذ العام 1947)، لا يأتي البابا على ذكر لا السلطات المدنية ولا السلطات الروحية اللبنانية، انما قرر أن يتوجه مباشرة الى الشعب اللبناني، وبعبارات وجدانية خالصة وليس على طريقة العبارات التقليدية المقتضبة التي خاطب بها شعوباً أخرى. باللغة الدبلوماسية، يعني عدم ذكر هذه السلطات في لبنان، عدم اعترافه بها وهذا امر في غاية الخطورة، ويجب اخذه على محمل الجد.

والجدير ذكره أنه خلال زيارة البابا فرنسيس الى قبرص في الثاني من كانون الأول/ديسمبر 2021، اقتربت منه شخصية كنسية وخاطبته بالآتي: “قداستكم أصبحتم على بعد اميال من لبنان.. لماذا لا تزورونه”، وكان جواب البابا “كيف ازور لبنان وأضع يدي بيد مسؤولين يُفقِرون شعبهم ولا يبحثون عن حل لأزماته”.

كلام البابا في روما تردد صداه مع الخطاب القاسي الذي ألقاه السفير البابوي لدى لبنان المطران جوزيف سبيتيري الذي تحدث باسم السلك الدبلوماسي العربي والدولي في لقاء معايدة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. ودرجت العادة أن يحاذر عميد السلك الدبلوماسي الخوض في مواضيع محلية تفصيلية، بل يكتفي بالعموميات (توطيد العلاقات الدبلوماسية والسلام والتعاون بين الدول والشعوب إلخ..)، وغالباً ما كان يتضمن خطاب السفير البابوي مقطعا من أقوال البابا حول لبنان، ويرد عليه رئيس الجمهورية مُوجهاً التحية للبابا، وتكون كلمة السفير البابوي مقتضبة ومحبوكة ولا تحتمل أي تأويل من اي نوع كان.

خلال زيارة البابا فرنسيس الى قبرص اقتربت منه شخصية كنسية وخاطبته بالآتي: “قداستكم أصبحتم على بعد اميال من لبنان.. لماذا لا تزورونه”، وكان جواب البابا “كيف ازور لبنان وأضع يدي بيد مسؤولين يُفقِرون شعبهم ولا يبحثون عن حل لأزماته”

ولعل ميزة خطاب سبيتيري هذه السنة أنه كان خطابه طويلاً وقاسياً وتفصيلياً راسماً ما يمكن تسميتها بـ”خريطة طريق ينتظرها المجتمع الدولي من لبنان”، والتي جاءت زيارة وزير الخارجية الكويتي بصفته الكويتية والخليجية والعربية والدولية للتأكيد على هذه المبادرة، برغم ما تضمنته من بنود لا قدرة للبنان على تنفيذها.

ماذا لو لم يلتزم لبنان بهذه الخريطة، كيف سيتصرف المجتمع الدولي؟

هناك امتعاض في الفاتيكان من لبنان يزداد مع الوقت، لان المسؤولين السياسيين لم يظهروا حتى الان انهم على قدر المسؤولية  في معالجة “الازمات المفتعلة”، كما أن سلوك السياسيين “سيجعل من لبنان وطنا لغير اللبنانيين مسيحيين ومسلمين”، بحيث انه سيتكرّس وجود النازحين السوريين وتُحل ازمة الشرق الاوسط تباعا على حسابه بتوطين اللاجئين الفلسطينيين، فيصبح لبنان وطن لجوء وقد غادره اهله او ابتعدوا عنه قسرا.

هذه النقطة المركزية التي سيبحثها غالاغر مع المسؤولين اللبنانيين “وسيكون قاسيا في افهامهم ثلاثة امور”:

أولاً؛ لبنان بالنسبة للبابا فرنسيس اكثر من رسالة لان الاساس فيه هو العيش المسيحي الاسلامي الذي يشكل مستقبل العلاقات الدولية.

ثانياً؛ يأمل الكرسي الرسولي في أن يساهم بدبلوماسيته الهادئة بتفكيك العقد القائمة في المنطقة، سواء بين ايران والغرب أو بين ايران ودول الخليج.

ثالثاً؛ يخشى الفاتيكان أن يفقد لبنان دوره التاريخي كمساحة لقاء اسلامي ـ مسيحي واسلامي ـ اسلامي.

وثمة رهان فاتيكاني على دور جميع الطوائف الإسلامية. فالعلاقة بين الدروز وحاضرة الفاتيكان بدأت رسميا سنة 1608 ايام البابا بيوس الخامس وعلي باشا جنبلاط، وتواصلت في زمن الأمير فخر الدين وتوّجت مع البابا بيوس السابع ورسائله التي بدأها في 15 شباط/فبراير 1817 الى بشير جنبلاط، ومن حينه استمرت العلاقة وطيدة، بحيث كان لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط موقع مهم على ايام حبرية البابا يوحنا بولس الثاني. وهناك رهان أيضاً على المكون الشيعي كون اول مبادرة قام بها الامام السيد موسى الصدر في ستينيات القرن الماضي، واستكملت عبر المكون السني من خلال زيارات الرئيس صائب سلام ورؤساء الحكومات المتعاقبين وآخرهم نجيب ميقاتي، “الامر الذي جعل الفاتيكان يؤمن بأن المسيحيين والمسلمين في لبنان هم ضمانة لبعضهم البعض”.

إقرأ على موقع 180  في 4 آب.. نجا مَن مات ومات مَن نجا!

زد على ذلك أن المسيحيين اللبنانيين لا تربطهم فقط علاقات بالكرسي الرسولي الكاثوليكي بل هناك علاقة وطيدة بروسيا الارثوذكسية كما بباقي الكنائس وصولاً الى العالم البروتستانتي في الغرب، وتالياً، المسيحيون والمسلمون في لبنان قادرون على لعب دور تاريخي في الحوار والتواصل بين الشرق والغرب.

Print Friendly, PDF & Email
داود رمال

صحافي لبناني

Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  معنى المشروع القومى: السد العالى مجدداً