إستعادة صلاحيات الجامعة اللبنانية.. أولاً

في إنتخابات رابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية يوم السبت في 27 شباط/ فبراير 2021، تمكنت أحزاب السلطة في لبنان من الفوز على لائحة المستقلين.

هل كانت هذه النتيجة مفاجئة، وما السبب الذي يدعو الاستاذ الجامعي الى التخلي عن حقوقه فقط إرضاء لأحزاب السلطة الحاكمة؟ ولماذا لم تحذو الجامعة اللبنانية حذو الجامعات الخاصة؟ لماذا لم تنتفض حتى الآن ضد السلطة؟

يبلغ عدد المندوبين الإجمالي إلى إنتخابات رابطة الأساتذة المتفرغين 159 مندوباً، إقترع منهم 146 مندوباً، وقد حقق المستقلون أرقاما تتراوح بين 36 صوتاً و58 صوتاً، علما أن نسبة المندوبين الملتزمين باللائحة المستقلة هو 32 مندوباً، أي أن لائحة المستقلين نجحت بإحداث خروقات في لائحة السلطة بشكل واضح. في المحصلة، فازت لائحة السلطة بإثني عشر مقعدا، بالإضافة إلى ثلاثة مقاعد من لائحة المستقلين، ساعدت احزاب السلطة بوصولهم الى الهيئة التنفيذية، بحجة تأمين (الميثاقية).

هذه المعركة التي خاضها المندوبون هي الأولى من نوعها منذ إنتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، التي لفحت رياحها قيادة الرابطة السابقة. أما أسباب خسارة لائحة المستقلين، فهي متعددة لكن أبرزها من وجهة نظري هي الآتية:

1- ولاء الاستاذ الجامعي الذي عُيّن بواسطة الاحزاب الطائفية.

2- يسري ذلك على الاستاذ المتعاقد الذي يطمح بالتفرغ، الاستاذ المتفرغ الذي يطمح بالملاك، كل أستاذ يطمح إلى منصب معين (رئيس الجامعة، عميد كلية، مدير كلية، رئيس قسم، الخ) ممره الإلزامي للارتقاء الوظيفي، والاستفادة من مخصصاتها (كلجان الامتحانات، مناقشة الاطاريح و المحافظة على مواد الاختصاص…) عبر تقديم أوراق إعتماده إلى الأحزاب الطائفية الممسكة بقرار الجامعة اللبنانية.

3- هناك أساتذة من الفئة التي تهرب ببساطة من وجع الرأس، فتنكفىء أو تصوت حسب السوق الحزبي والطائفي.

كل ذلك يؤدي الى نتيجة واحدة هي التي أفضت إليها نتائج الإنتخابات.

السلطات السياسية المتعاقبة (الحكومات) كانت مدركة للمعنى الحقيقي لمصادرة صلاحيات الجامعة اللبنانية أي مصادرة قرار اهلها، وذلك عندما وضعت يدها على مصدر الارتقاء المعيشي والاجتماعي للاستاذ الجامعي، بحيث جعلته دمية مطواعة لها ولقراراتها، حتى ولو كانت لغير صالحه

هذا الواقع المرير يحيلنا إلى قضية أساسية لا يجوز تجاهلها بل ينبغي أن تكون أولوية.

لقد نجحت أحزاب السلطة في وضع يدها على كل مرفق من مرافق الجامعة اللبنانية، من رئيسها الى أصغر موظف فيها. ممنوع التعيين إلا بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، اي عن السلطة التنفيذية التي تحولت منذ 30 سنة إلى إئتلاف حزبي مطعم أحياناً ببعض التكنوقراط الذي بات يشوه صورة هذه الفئة من الوزراء، لأنهم يأتون أيضا من خلال الممر الحزبي الطائفي نفسه.

في سنة 1996، صودرت صلاحيات الجامعة اللبنانية، لصالح مجلس الوزراء، وبدأت معاناة هذه الجامعة وأهلها، بدءاً بالاستاذ المتعاقد بالساعة، حيث عليه التوقيع على عقد يبرىء الجامعة من اية مسؤولية مالية في حال لم تدفع الدولة مستحقات هذا الاستاذ، لقاء ساعاته التعليمية خلال سنة كاملة، ثم تعيّن الجامعة محامياً يطالب بإجراء المصالحة، وهي “تسوية” إبتدعتها هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل، قبل الموافقة على صرف النفقات من ديوان المحاسبة، مما يؤخر دفع المستحقات الى سنتين واكثر، بدل دفعها عند تنفيذها في نهاية العام. كما يتم حسم اجر المحامي من مستحقات الاستاذ طبعا، مع العلم ان كل ذلك يتكرر سنويا بما ان العقد لا يكون الا لسنة واحدة!

جرت العادة قبل سنة 1996، أن يتم انتقال الاستاذ المتعاقد بالساعة ـ بعد استيفاء الشروط ـ إلى التفرغ  تلقائيا بقرار يصدر عن مجلس الجامعة، اي بعقد يتجدد سنويا، ويحصل الاستاذ بذلك على معاش شهري ثابت، ويستفيد بالتالي من صندوق التعاضد وتقديماته، فينعم ببعض الاستقرار المعيشي، في انتظار دخوله الى ملاك الجامعة بعد سنتين من التفرغ وفق قانون الجامعة، او عند تقاعده حيث يصدر مرسوم خاص من مجلس الوزراء لادخاله الملاك الجامعي، حيث يستقر بشكل نهائي و يزداد عطاءه الأكاديمي، ويكون في الوقت نفسه مطمئناً إلى حصوله على معاش تقاعدي وتأمين صحي.

لقد خسر الاساذة الجامعيون كل ما ناضل لأجله اقرانهم منذ تأسيس هذا الصرح الأكاديمي، عندما تخلف مجلس الوزراء عن ادخال ستين استاذاً   – تقاعدوا – الى الملاك، بعد ان خدموا سبع سنوات متفرغين، واكثر من عشرين سنة تعاقد بالساعة، وذلك بحجة الميثاقية – اي التوازن الطائفي.

كل ذلك يؤكد على ان السلطات السياسية المتعاقبة (الحكومات) كانت مدركة للمعنى الحقيقي لمصادرة صلاحيات الجامعة اللبنانية أي مصادرة قرار اهلها، وذلك عندما وضعت يدها على مصدر الارتقاء المعيشي والاجتماعي للاستاذ الجامعي، بحيث جعلته دمية مطواعة لها ولقراراتها، حتى ولو كانت لغير صالحه.

امام هذا الواقع المرير، سنكون اساتذة وموظفين وطلاباً على موعد سنوي متكرر مع الاضرابات المحقة لتحصيل الحقوق، اذا لم نجعل مهمتنا العاجلة هي الامساك بقرار الجامعة واسترجاع صلاحياتها، وبالتالي تكريس المعايير العلمية والكفاءة، بدلاً من المحاصصة الطائفية.

إقرأ على موقع 180  "العجين الإسرائيلي" و"الملح الروسي".. لا يتقاتلان!

Print Friendly, PDF & Email
فدا حطيط

أستاذة جامعية، لبنان

Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  طلال سلمان.. فلاحٌ زرع أقلاماً في صحراء الصحافة والسياسة