اقتصاد تركيا ينزلق.. والمناخ السلطوي يتصاعد!

Avatar18018/04/2022
 يتقدم العنوان الإقتصادي على ما عداه في سياق الإستعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في يونيو/ حزيران 2023، والتي يأمل رجب طيب أردوغان أن تكون مناسبة لتجديد ولايته، علما أنه عُيّن رئيساً للوزراء للمرة الأولى عام 2003. هذه المناخات يعكسها الصحفي والمصور لوران بربينيان إيبان في تقرير نشره "أوريان 21" بالفرنسية وترجمه الزميل حميد العربي إلى العربية.

“كيف تريدني أن أتدبر أمري؟ لم يعد الناس قادرون على دفع فواتيرهم، وبالتالي ليسوا مستعدين للسفر والتفرّغ بالسياحة”. برهان، 47 عامًا، تاجر في بلدة ماردين الصغيرة، الواقعة في جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية، والقريبة جدًا من الحدود السورية. يتكلم الرجل بإسهاب، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحديث عن ظروفه المعيشية، ويشرح: “الجميع متأثرون بشدة. أصبحنا مضطرين للقيام بخيارات حتى فيما يخص الطعام. وكلما مرّت الأشهر، كلما زاد وضعنا صعوبة”.

هذه البلدة الصغيرة، المنحوتة على جانب التلة والتي تستقطب عادة العديد من السياح، تتأثر بشكل خاص بالأزمة. تكفي نظرة سريعة إلى ارتفاع أسعار المواد الضرورية الأساسية لفهم الصعوبات التي يواجهها السكان، إذ ارتفع سعر الخبز بنسبة أكثر من 54٪، والنفط بنسبة 80٪، والكهرباء بنسبة 120٪ والغاز الطبيعي بنسبة 25٪، حسب البيانات الرسمية المنشورة في يناير/كانون الثاني. ما دفع أغلب السكان إلى تقليص النفقات غير الضرورية بشكل كبير.

طبعاً، الأسر الأكثر تواضعًا هي الأكثر تضررًا. وإذا كانت الزيادة الملفتة في الحد الأدنى للأجور والتي أقرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بداية العام قد لقيت استحسانًا -إذ ارتفعت من 2825 إلى 4250 ليرة تركية (حوالي 290 دولارا) – فإن هذا الإجراء لم يكن كافيًا ليحدث تحسنا ملحوظا في مستوى المعيشة لسكان منهكين. في الأثناء، تؤثر الأزمة على جميع قطاعات المجتمع. في ديار بكر، على بعد حوالي 50 كيلومترًا من ماردين، تقول شابة أنها اضطرت إلى تأجيل زواجها إلى أجل غير مسمى لعدم قدرتها على تمويله. ويؤكّد صاحب متجر ملابس أنه حجم مبيعاته انخفض إلى النصف منذ عام 2018، وهو خائف جداً من المستقبل.

إذا كانت المناطق الجنوبية الشرقية – وهي الأكثر فقراً- قد تضررت بشدة، فإن كل المناطق التركية تواجه وضعاً محفوفاً بالمخاطر. فقد اضطر محمد، وهو شاب ثلاثيني، إلى مغادرة أنقرة بعد أن فقد وظيفته: “لم أعد قادرًا على دفع الإيجار، واضطررت إلى العودة للعيش مع والدي”. ويضيف محبطًا: “منذ ذلك الحين، أصبح من المستحيل العثور على وظيفة جديدة” (…).

كيف يمكن أن يتدهور الوضع بهذه السرعة؟ يجيب دينيز أونال، الاقتصادي في مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية: “إذا أردنا تحديد تاريخ انطلاق هذه الأزمة، فقد تكون مع الزيادة في الضرائب على الصلب والألمنيوم التركي التي قررها دونالد ترامب في عام 2018، احتجاجا على احتجاز القس الإنجيلي برونسون في تركيا. لقد أدى ذلك في الواقع إلى انخفاض حاد في قيمة الليرة التركية. وكنا آنذاك في سياق غير محايد، بعد فترة وجيزة من إضفاء الطابع الرئاسي على النظام”.

بالفعل، دخلت تركيا منذ محاولة الانقلاب سنة 2016 في حالة استثناء، وهي فترة تميزت بتقييد الحريات، ولكن أيضًا بوضع سلطات الضبط المستقلة تحت الوصاية. وقد تم تثبيت هذا الوضع في 2017 من خلال استفتاء يسمح بتعديل الدستور وإضفاء الطابع الرئاسي على النظام السياسي. وهكذا بدأ الاقتصاد التركي في الانزلاق نحو الجحيم في مناخ يتميز بسلطوية متزايدة في الداخل، واضطرابات على المستوى الدولي (…).

ومن ثمة، ابتعدت الحوكمة الاقتصادية عن الإطار العقلاني باتباع أوامر الرئيس التركي الذي تحوّل إلى “كبير اقتصاديي” البلاد. فعلى سبيل المثال، أصبح البنك المركزي التركي يمتثل بشكل مباشر إلى تعليماته وحده. وتماشيا مع الإرادة الرئاسية، أدى إبقاء سعر الفائدة الرئيسي للبنك المركزي التركي أقل من معدل التضخم بكثير، قصد تعزيز النمو من خلال قروض تمنحها البنوك العمومية، إلى توسيع عجز الحساب الجاري والعام الممولين بالمديونية. وعادت البلاد إلى الحلقة المفرغة (تضخم ـ انخفاض قيمة الليرة ـ استدانة) التي خرجت منها في بداية السنوات الألفين، ولم تتمكن أي من الخطوات المتخذة منذ ذلك الحين في إيقافها. ونتيجة لذلك، أصبح المستثمرون الأجانب يتردّدون أكثر فأكثر في القدوم إلى تركيا، بينما يواصل انخفاض قيمة العملة تشجيع دولرة الاقتصاد.

وعلى مسافة أكثر من سنة عن تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في يونيو/ حزيران 2023 ها هو الوضع يتحول إلى صداع للرئيس التركي، الذي تُعتبر قاعدته الانتخابية شديدة التأثر بالصحة الاقتصادية للبلاد. في هذا السياق، تصاعدت التوترات. وكان الـ3,6 مليون لاجئ سوري هم أول من تعرض للمناخ القومي المتطرف السائد. ففي أغسطس/آب 2021، قام مئات الرجال المدججين بالعصي في أنقرة بنهب متاجر يديرها لاجئون، وقد رأى فيهم المعتدون سببا للأزمة. وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني، تم بمدينة إزمير حرق ثلاثة عمال سوريين أحياء من قبل شبه عسكري سابق، بينما كانوا نائمين في مكان عملهم. وعوض الدعوة إلى الهدوء، أعلنت السلطة برنامج العودة “الطوعية” للاجئين (…).

إقرأ على موقع 180  فيصل جلول: بايدن قد يرسي قواعد لعبة جديدة في المنطقة

كما يجد حزب أردوغان – العدالة والتنمية – نفسه تحت ضغوط مستمرة لبعض أحزاب المعارضة، وعلى الخصوص حزب الشعب الجمهوري (الكمالي) وحزب الخير (قومي علماني)، اللذان يلومانه لأنه سمح للكثير من اللاجئين بالاستقرار في البلاد. ويبدو أن أردوغان، الذي يواجه خطاباً إما يمينيا أكثر أو يساريا أكثر من خطابه، يرغب في تغيير سياسته في ملف الهجرة، حتى لا تتآكل قاعدته الانتخابية أكثر.

خلف الكواليس، يخشى الحزب الكردي -الذي أنهكه سجنُ ما لا يقل عن خمسة آلاف من اعضائه- أن يؤدي هذا الإجراء إلى حظره قبيل أسابيع قليلة فقط من الانتخابات المقبلة، كي لا يتمكن من إعادة تنظيم نفسه في الوقت المناسب. ويعد هذا رهاناً أساسياً بالنسبة لأردوغان، فحزب العدالة والتنمية هو القوة السياسية الثانية في العديد من المدن ذات الغالبية الكردية، وبما أن أغلب ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي لا ينوون التصويت لأي حزب آخر، فهذا يعني أن الرئيس التركي سيفوز بالتالي بهذه المناطق.

لقد فهم أنصار حزب الشعوب الديمقراطي الرهان بوضوح. ففي 21 مارس/آذار، بمناسبة رأس السنة الكردية الجديدة (نوروز)، تجمع أكثر من مليون شخص بديار بكر. وقد تحول هذا الحفل التقليدي إلى مظاهرة لدعم حزب الشعوب الديمقراطي، ولم تفوّت القيادات البارزة في الحزب الفرصة لانتقاد الطابع التسلطي للرئيس التركي وغرقه الاقتصادي. لكن للمرة الأولى منذ سنوات، هاجمت قوات الأمن المشاركين، سواء كانوا في المظاهرة أو خارجها. ويعد ذلك مؤشرا على تصاعد التوترات على رأس الدولة.

لكن رد فعل الرئيس أردوغان على المستوى الدولي أكثر إثارة، فهو يسعى في نفس الوقت إلى تحسين علاقته بإسرائيل ومصر والإمارات. وقد قام بأول زيارة رسمية له منذ عشر سنوات إلى أبو ظبي، في رحلة دامت يومين وتميزت بالتوقيع على 13 اتفاقية تعاون ومذكرات تفاهم. ودائما قصد جذب رؤوس أموال بلدان الخليج، قررت تركيا “طي” ملف اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي “ونقله” إلى السعودية. وقد اصطحبت هذا التحول إرادة تقرب من الاتحاد الأوروبي بعد سنوات من الجفاء. ينمّ هذا النشاط الدبلوماسي عن حاجة مستعجلة للتمويل، إذ أصبحت الآن احتياطات الصرف التي تم هدرها سلبية” (…).

(*) النص كاملاً على موقع “أوريان 21“.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  السعودية زعيمة "G20".. وأسيرة اتهامات التسلح والتجسس