نصيحة الجار.. في موسم الإنتخابات

لا بدّ من القول إن الحبال التي نلفها حول أعناقنا لا بدّ أن نتحرّر منها إذا خرج كل واحد منا من المعازل الطائفية والمذهبية إلى رحاب المواطنة، ولكن ذلك يتطلب منا خوض حرب تحرّر ذواتنا من نير عبودية الفاسدين والمفسدين والضالين جميعاً.

اليكم هذه القصة أولاً:

قصد فلّاح جاره القريب وطلب منه حبلاً لكي يربط حماره الذي اشتراه منذ مدة أمام البيت.

أجابه الجار بأنه لا يملك حبلاً ولكن أعطاه نصيحة رائعة وقال له:

“يمكنك أن تقوم بنفس الحركات حول عنق الحمار وان تتظاهر بأنك تربطه ولن يبرح مكانه بعد ذلك ابدا”.

عمل الفلّاح بنصيحة الجار.. وفي صباح الغد وجد الفلاح حماره في مكانه تماماً دون اية مخالفة او محاولة لتخطّي حدود الحظيرة او المربط، فربَّت الفلاح على ظهر حماره.. وأراد الذهاب به للحقل لفلاحة الأرض.. ولكن الحمار رفض التزحزح من مكانه!

حاول الرجل بكل قوته أن يحرّك الحمار من مكانه ولكن دون جدوى.. حتى أصاب الفلّاح اليأس من إمكان زحزحة حماره من مكانه.

عاد الفلاح إلى الجار يطلب النصيحة والنجدة مجدداً.. سأله الجار: “هل تظاهرت للحمار بأنك تحلّ رباطه”؟

فردّ عليه الفلاح باستغراب: “ليس هناك رباط”.

أجابه جاره: “هذا بالنسبة إليك أما بالنسبة إلى الحمار فالحبل موجود”.

عاد الرجل بسرعة الى منزله وتظاهر بأنه يفك الحبل الوهمي الموجود حول عنق الحمار.. فتحرّك الحمار من دون أدنى مقاومة نحو الحقل!

أي أمة تتوارث أجيالها الحديث عن الضعف والتخلف والخوف والفقر والظلم والفساد وما الى ذلك ستبقى متأخرة حتى تفكّ حبلها الوهمي. ستبقى أسيرة الحبال ما لم تبادر بسرعة الى كسر نير العبودية والتبعيّة وتأليه الزعيم مهما كلّف ذلك من تضحيات

ما هي العبرة من هذه القصة؟

لا تسخروا من هذا الحمار.. فالناس أيضاً وللأسف الشديد هم أسرى عادات أو قناعات او معتقدات وايديولوجيات مُعلّبة ووهمية تقيّدهم وتمنعهم من التحرر والتقدّم وحتى من التفكير بأقل البديهيات التي عادة ما تمسّ مرؤسيهم وقادتهم أو أكباش طوائفهم.. وما عليهم في طريق تحرّرهم الطويل إلا أن يكتشفوا ويقطعوا بسرعة الحبل الخفي الذي يلتفّ حول عقولهم واعناقهم ويبتزّهم في لقمة عيشهم ويمنعهم من التقدّم للأمام ولا بد من كسر الطوق الذي يأسرهم بوصاية او رعاية او بركة او حتى دهاء وحنكة وحتى ظلم وإستبداد هذا الزعيم او هذا السياسي او البيك او المير او زعيم اي ميليشيا في لبنان.

تراهم ينقادون خلفه دون اي تفكير منذ اكثر من ٣٠ عاماً لأنه سحرهم ولفّ حباله على رقابهم وخدّرهم بوسائل متعددة منذ ذلك الوقت. حتى أنهم تعوّدوا على ذلك وادمنوا عليه واصبحوا لا يقدرون ان ينسوا هذا الطوق الوهمي المفروض عليهم ولو لدقائق. هم لا يستطيعون إجراء اي تغيير وليس لديهم اية معارضة لذلك وتراهم ينقادون لكل ما يأمرهم به وفي كل وقت دون اي كلل او ملل لأنهم ما عادوا يستطيعون العيش من دون هذه الحبال الوهمية لأنها اصبحت جزءًا من معتقداتهم المقدّسة واصبحوا في الواقع هم ايضاً مثل جحا الذي كذّب وكذّب وكذّب فأصبح يعتقد ان كذبته اصبحت حقيقة.

ولذلك لا بد من القول ان أي أمة تتوارث أجيالها الحديث عن الضعف والتخلف والخوف والفقر والظلم والفساد وما الى ذلك ستبقى متأخرة حتى تفكّ حبلها الوهمي. ستبقى أسيرة الحبال ما لم تبادر بسرعة الى كسر نير العبودية والتبعيّة وتأليه الزعيم مهما كلّف ذلك من تضحيات.

لقد صدق الشاعر التونسي الكبير ابو القاسم الشابي حين قال:

إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ/ فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ

ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي/ ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ

وقتها ووقتها فقط نستطيع ان ننهض جميعاً وان نمضي من جديد الى الأمام وان نصل الى النهوض والازدهار!

هل سننزع الحبال المزروعة حول اعناقنا في موسم الإنتخابات النيابية المقبلة؟

لننتظر مع المنتظرين ولنراقب مع المراقبين ولكننا ولكي نمهّد الى ذلك التغيير الذي لا بدّ آت، نُذكّر علّ الذكرى تنفع مع البعض من اولي الألباب وكلنا امل ان تتكاثر اعدادهم في بلادنا.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  الشعر قاصر.. والبحر قصير
د. طلال حمود

رئيس ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وجمعية ودائعنا حقّنا

Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  المستقبل السوري.. على وقع مشهد إقليمي متغير