في محاولة جديدة لتحريك المياه الراكدة في مفاوضات فيينا بشأن الإتفاق النووي الإيراني لإعادته إلى مساره، زار إنريكي مورا، نائب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، طهران هذا الأسبوع ولمدة أربعة أيام.
“الرصاصة الأخيرة”
منذ أن رفضت إيران الدخول في محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة، كان مورا الوسيط الرئيسي؛ منذ ما يقرب من عام؛ في جهود إحياء الصفقة، المعروفة رسمياً باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). ووفقاً لمنسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، فإن جهود مورا الأخيرة قد تكون “الرصاصة الأخيرة” لكسر الجمود.
لا تزال الخيارات، أو التنازلات، التي قدمها مورا في طهران غير معروفة، ومن المرجح أنه؛ خلال اجتماعه مع كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني؛ سلط الضوء على مكاسب إيران من المحادثات السابقة.
فبموجب “خطة العمل الشاملة المشتركة” (أو إتفاق 2015)؛ التي وقعت عليها إيران مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا؛ تم إعفاء طهران من العقوبات مقابل بعض الضوابط على برنامجها النووي. ومع ذلك، وجد الرئيس السابق دونالد ترامب أن الضوابط المفروضة على إيران غير كافية، وعليه انسحب من الإتفاق في عام 2018.
نائب رئيس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي زار طهران لأربعة أيام لإحياء محادثات فيينا.. لكن هناك مؤشرات على أن إيران تستعد لخيارات احترازية
وعندما تسلم رئاسة البيت الأبيض، جعل جو بايدن إعادة “خطة العمل الشاملة المشتركة” إلى مسارها الصحيح من ضمن أولوياته. وعلى هذا الأساس ظلَّت المحادثات في هذا الاتجاه مستمرة في فيينا منذ نيسان/أبريل 2021. لكن، ولسوء الحظ، لا تزال بعض القضايا الرئيسية من دون حل. وإذا لم يتم إحياء “الصفقة”، فقد تضطر إيران إلى مواجهة المزيد العقوبات من قبل الغرب.
تتمحور نقطة الخلاف الرئيسية بين طهران وواشنطن حول تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية. بالإضافة إلى ذلك، تطالب إيران بضمانات بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من الإتفاقية مرة أخرى، كما تطالب بمزايا اقتصادية كافية من استئناف “خطة العمل الشاملة المشتركة”.
التوجه شرقاً
توقفت محادثات فيينا بعد 11 آذار/مارس، عندما طالبت روسيا بضمانات بأن العقوبات الغربية المفروضة عليها جراء حربها في أوكرانيا لن تؤثر على تجارتها مع إيران. وبمجرد التعامل مع هذا الأمر، أصبحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) أكثر توتراً وقلقاً بشأن المواد المشعة التي عُثر عليها في العديد من المواقع النووية غير المعلنة في إيران.
وفي بعض الأحيان، أدَّت هذه الخلافات إلى توقف المحادثات تماماً، واضطر مورا لزيارة طهران حتى أواخر آذار/مارس. لكن زيارته الأخيرة جاءت بناء على دعوة من الجانب الإيراني. وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده قد صرَّح بأن “إطالة فترة توقف المفاوضات ليست في مصلحة أحد”.
إيران لديها الكثير من القضايا والهواجس على المحك. فإذا فشلت محادثات فيينا فقد تضطر إلى مواجهة المزيد من العقوبات التي من شأنها أن تجعل الانتعاش الاقتصادي في البلاد أكثر صعوبة. لكن طهران في الوقت نفسه بدأت تُظهر أن لديها خيارات أخرى.
ففي إشارة إلى الغرب مؤخراً، وقبل يوم واحد فقط من وصول مورا إلى طهران، أعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تنفيذ إصلاحات اقتصادية كبيرة وجوهرية على افتراض أن العقوبات الأميركية لا تزال سارية. ثم اتخذت طهران خطوة أخرى نحو بكين ورفعت مستوى العلاقات العسكرية قبل حوالي 10 أيام من زيارة مورا.
في 27 نيسان/أبريل، زار وزير الدفاع الصيني، الجنرال ويو فنغ طهران حيث إلتقى قائد الجيش الإيراني اللواء محمد باقري. واتفق الجانبان على تكثيف التعاون العسكري، ومواصلة مناقشة العلاقات الإستراتيجية والدفاعية والأمنية المشتركة.
كما إلتقى ويو الرئيس الإيراني، وأبلغه أن جيش التحرير الشعبي الصيني على استعداد “للإستفادة من آليات التعاون إلى ابعد الحدود، ودفع التعاون العملي بين البلدين إلى الأمام، ورفع مستوى العلاقات العسكرية إلى أعلى المستويات”، وفقاً لصحيفة PLA Daily.
وبالنظر إلى توقيت لقاءات ويو، تكهن البعض بأن هذا التحديث في العلاقات العسكرية الصينية-الإيرانية قد يكون له صلة بالمحادثات غير المثمرة في فيينا.
وفي هذا الخصوص، قال دبلوماسي أوروبي في إسلام أباد؛ كان قد عمل سابقاً في طهران؛ لـ “المونيتور” أنه “يجب قراءة زيارة وزير الدفاع الصيني واجتماعاته مع المسؤولين الإيرانيين في سياق عدم اليقين حول السيناريو الإقليمي المعقد، ولا سيما مصير محادثات الإتفاق النووي الإيراني، والمحادثات الجارية مع الرياض، والعلاقات مع دول الخليج العربي، وآفاق الصراع في اليمن”.
بهذه الخطوة، قد تحاول طهران التأثير على القوى الغربية لتكون أكثر إستيعاباً وتكيفاً مع الثغرات التي تحول دون حدوث اختراق في “خطة العمل الشاملة المشتركة”.
ومع ذلك، تقول سينا أزودي، من المجلس الأطلسي في واشنطن، لـ”المونيتور” إن “الإيرانيين لم يكشفوا الكثير عن الموضوع، ولكن يبدو أنه يجب النظر إلى زيارة ويو في الغالب في سياق العلاقات الثنائية بين طهران وبكين، وبشكل أكثر تحديداً الإتفاق الذي يمتد لـ25 عاماً بين البلدين”.
وبعد الانتهاء من الشراكة الإستراتيجية الشاملة، التي استمرت 25 عاماً بين الصين وإيران العام الماضي، يُعتبر ويو أكبر مسؤول صيني يزور إيران. تم الإعلان عن تنفيذ الشراكة في شهر كانون الثاني/يناير لكن التفاصيل لا تزال غامضة.
علاوة على ذلك، تغير الوضع الإقليمي كثيراً حيث غادرت القوات الأميركية أفغانستان وسيطرت حركة “طالبان” على الحكم. وقال ويو إن زيارته لطهران كانت “مهمة على خلفية الوضع الدولي المضطرب الحالي وتظهر أهمية العلاقات الصينية الإيرانية”.
إن رفع مستوى العلاقات العسكرية الصينية- الإيرانية يمكن أن يساعد طهران أيضاً في التعامل مع “طالبان”، التي تعول كثيراً على الاستثمارات الصينية بسبب حالة الركود في الاقتصاد الأفغاني. كما اتفق الجانبان على تعزيز الاتصالات الإستراتيجية على أعلى مستوى لكلا الجيشين إلى جانب التدريبات المشتركة.
وتأكيداً، صرح قائد الجيش الإيراني (باقري) لوسائل الإعلام قائلاً: “اتفقنا على توسيع التعاون الثنائي في التدريبات العسكرية المشتركة، وتبادل الإستراتيجيات، وقضايا التدريب وغيرها من المجالات المشتركة بين القوات المسلحة في البلدين حتى نتمكن من توفير أمن أفضل لأراضي البلدين”.
التحرر من ضغط الغرب
في غضون ذلك، قد تحصل إيران أيضاً على أسلحة ومعدات صينية. وبحسب أزودي (من المجلس الأطلسي)، فإن “إيران أيضاً مهتمة جداً بتوسيع تعاونها العسكري والحصول على المعدات العسكرية الصينية، وخاصة الطائرات المقاتلة. لذلك، هناك فرصة جيدة لمناقشة هذه القضايا أيضاً”.
وأشار دبلوماسي مطلع، تحدث إلى “المونيتور” شريطة عدم كشف هويته، إلى أن “هذا يشمل العنصر العسكري، كما أكد اجتماع الوزير ويو مع اللواء باقري، فقد طوَّر البلدان، وفقاً للرواية الإيرانية، قدراتهما المحلية الخاصة. والتي يمكن تطويرها بشكل أكبر في السعي لتحقيق أهداف مشتركة”.
وأشار الدبلوماسي إلى أن “بعض وسائل الإعلام في إيران تحدثت عن الاجتماع مع باقري، مذكّرة بقرار مجلس الأمن رقم 2231 ورفع حظر الأسلحة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2020، ويمكن اعتبار ذلك محاولة من قبل طهران لإيصال رسالة إلى الغرب، في سياق المحادثات النووية، أن لديها أوراقاً أخرى قوية لتلعبها”.
أخيراً، ومع وجود أمل أقل بشأن استئناف محادثات الإتفاق النووي الإيراني، تبدو طهران أيضاً مستعدة “للتوجه شرقاً” أكثر مما كانت في أي وقت مضى. وكما علَّقت آزودي قائلة: “بشكل عام، تكتسب إستراتيجية التوجه شرقاً مزيداً من الزخم في إيران، حيث يبدو أن الإيرانيين ينظرون إلى الكتلة الشرقية الناشئة على أنها موازنة للغرب؛ الذي يرونه معارضاً لإيران بطبيعته”.
وبخصوص هذا التغيير في موقف إيران، قال الدبلوماسي: “في الوقت الحالي، عندما تعتبر طهران نفسها تحت ضغط من الغرب، وتواجه إنهياراً محتملاً لمحادثات فيينا، مع تلاشي السوق الأوروبية الموعودة، تصبح الورقة الشرقية واقعية أكثر فأكثر”.
وأضاف أنه “من وجهة نظر عامة، يجدر بنا أن نتذكر أن خيار التوجه شرقاً في طهران لطالما اعتبرته الدائرة المقربة من القائد الأعلى علي خامنئي بديلاً واقعياً، وإن لم يكن البديل المفضل، لا سيما عندما يتعلق الأمر بإقامة علاقات اقتصادية وسياسية قابلة للحياة ومُستدامة مع حقائق اقتصادية قوية أخرى”.
(*) الترجمة نقلاً عن “المونيتور“. سابينا صديقي، صحافية متخصصة بالشؤون الخارجية وبمبادرة “الحزام والطريق والشرق الأوسط وجنوب آسيا”.