بلغ عدد المقترعين من المغتربين اللبنانيين في الخارج حوالي الـ 142 ألف مقترع، وذلك من أصل إجمالي 225 ألفاً من المغتربين المسجلين في السفارات والقنصليات اللبنانية في الخارج، وبذلك تكون نسبة الاقتراع بين المغتربين قد وصلت إلى حوالي 63%، وتعتبر هذه النسبة مؤثّرة، وإن لم تكن مقررة أو حاسمة، حيث تشكّل أكثر من 8% من عدد المقترعين داخل لبنان.
ووفق النتائج الرسمية التي أصدرتها وزارة الداخلية اللبنانية، حلت لوائح التغيير في المرتبة الأولى في أقلام المغتربين في معظم الدوائر، وحازت في بعض الأقلام على نسب فاقت 70% من المقترعين بمواجهة كل اللوائح الأخرى، وخاصة في دبي في دولة الامارات، حيث توجد نسبة كبيرة من المهاجرين الشباب، ومعظمهم من حديثي الهجرة (غداة 17 تشرين وإنفجار مرفأ بيروت).
واذا أخذنا نموذج دائرة جبل لبنان الثانية (المتن الشمالي) التي رسبت فيها لائحة “نحو الدولة” بفارق 88 صوتاً عن الحاصل، لرأينا نتيجة مغايرة تماماً في فرز أقلام الخارج. وبمحاكاة بسيطة لأصوات المغتربين وحدهم، إذا ما أخذنا بها من دون أقلام المقيمين على سبيل المثال الافتراضي، نجد أن لائحة “نحو الدولة” التي ترشح فيها الاعلامي جاد غصن نالت عدداً من الأصوات يعادل 3 حواصل انتخابية مقابل حاصلين لكل من لائحة القوات اللبنانية (“متن الحرية”) ولائحة الكتائب (“متن التغيير”) وحاصل واحد للتيار الوطني الحر وحلفائه (“كنا ورح نبقى”)، مقابل خروج كل اللوائح الأخرى من المنافسة بما فيها لائحة تحالف آل المر وحزب الطاشناق والحزب السوري القومي الإجتماعي (“معاً أقوى”) التي لن تنال أي حاصل انتخابي، وفق المعيار الإغترابي.
اقترع في المتن الشمالي 9397 مواطناً في الاغتراب ليبلغ الحاصل الاغترابي (93978=1175 صوتاً). وبعد إلغاء أصوات اللوائح التي لم تنل الحاصل يصبح العدد المعمول به 8954 صوتاً، نالت فيها “نحو الدولة” (جاد غصن) المرتبة الأولى مع 2929 صوتاً لتليها اللوائح الأخرى الواردة في الجدول الآتي:
وعليه، ولتحديد أسماء الفائزين، تصبح الخطوة التالية هي ترتيب المرشحين من اللوائح التي نالت الحاصل الانتخابي، بحسب نسبة أصواتهم التفضيلية المئوية من الأعلى إلى الأدنى، مع الأخذ بالاعتبار استيفاء اللائحة لعدد مقاعدها حصراً، واستيفاء عدد المقاعد المخصصة لكل مذهب، بحسب ما ينصّ عليه قانون الانتخابات ليصبح الناجحون المفترضون على الشكل التالي في الجدول أدناه.
بمحاكاة بسيطة لأصوات المغتربين وحدهم، نجد أن لائحة “نحو الدولة” التي ترشح فيها الاعلامي جاد غصن نالت عدداً من الأصوات يعادل 3 حواصل انتخابية مقابل حاصلين لكل من لائحة القوات اللبنانية ولائحة الكتائب وحاصل واحد للتيار الوطني الحر وحلفائه
وللمفارقة، وبحسب توزع المقاعد المذهبية، تحصل لائحة “نحو الدولة” على مقعد ماروني (جاد غصن) ومقعد أرثوذكسي (شادن معلوف) ومقعد أرمني (لا تضم اللائحة مرشحاً أرمنياً). لذلك تخسر اللائحة مقعدها الثالث المفترض لعدم ضمها مرشحاً عنه برغم حصولها على 3 حواصل، فيذهب المقعد المذكور بحسب المادة 52 من قانون الانتخابات إلى أعلى أرمني في ترتيب الأصوات التفضيلية في الدائرة الصغرى، فيفوز افتراضياً المرشح الأرمني على لائحة “معاً أقوى”، أي أغوب بقرادونيان برغم عدم استحقاق لائحته لذلك بفعل شغور المقعد. ولعلّ هذه المحاكاة تعطي أيضاً مؤشراً على أهمية استكمال اللوائح بترشيحات تغطي كلّ التوزيع المذهبي في الدائرة كي لا تخسر اللائحة مقعداً مستحقاً.
لقد شكّلت لائحة “نحو الدولة” حالة استثنائية، فكادت أو ربما استطاعت خرق لوائح قوى السلطة في واحدة من أعقد الدوائر الانتخابية على مستوى لبنان، إذ شكّلت قطبية قوية بمواجهة الكتائب في معقلها المحلي، والقوات اللبنانية الصاعدة في الانتخابات الأخيرة، والتيار الوطني الحر برموزه المتنيين، وزعامة آل المرّ التقليدية المحلية وحزب الطاشناق المتجذّر في ساحل المتن والحزب القومي المتجذر في أعالي المتن. وكانت نتائجها الأميز فعلياً في الخارج حيث حلت اللائحة أولى بين اللوائح، وحلّ جاد غصن أولاً في الأصوات التفضيلية، ليقرع جرس انذار مدوٍ في مواجهة الجميع.
وفي هذا السياق، لا تشكّل أصوات مغتربي المتن الشمالي استثناءاً، بل تكمّل القاعدة الوطنية العامة التي عكستها أصوات اللبنانيين المهجّرين إلى أصقاع الأرض عندما قالوا “لا” مطنطنة لقوى السلطة، وصبوا ثقةً واسعةً للوائح التغيير على اختلاف مكوناتها وأسمائها ودوائرها وبرامجها.