للعلم والخبر، قانون الاحزاب الحالي في لبنان مبني على أساس قانون الجمعيات العثماني، وهو قانون جعل الأحزاب في لبنان، بغالبيتها، مبنية حسب الإنقسام الطائفي القائم. واذا كان هناك إجماع اليوم على أن المشكلة الجوهرية في لبنان هي الطائفية والنظام الطائفي الذي يُكبل البلد ويمنع أي خطوة إصلاحية أو تطويرية فيه، فقانون الأحزاب القائم يخدم هذا الواقع ويعزز هذه المشكلة عبر تكريس قيام أحزاب تعكس الواقع الطائفي وتُثبته وتُؤبده!.
وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ التقدمي الإشتراكي والديمقراطي اللبناني والتوحيد العربي للدروز؛ حزب الله وحركة أمل للشيعة؛ الوطني الحر والقوات والكتائب والمردة للمسيحيين؛ المستقبل والعزم والإتحاد والأحباش والجماعة للسنة.. وعليه، فغالبية الأحزاب طائفية المنشأ، بإستثناء أحزاب قليلة، أبرزها الحزب السوري القومي الإجتماعي والحزب الشيوعي اللبناني وبعض الأحزاب القليلة الأخرى التاريخية أو بعض المجموعات التي نشأت في السنوات الأخيرة تزامناً مع الحراك الشعبي الذي شهده لبنان.
بالتالي، اذا كان المطلوب أن ننتقل من الحياة الطائفية الراهنة إلى الحياة الوطنية، فلا بد من تغيير قانون الأحزاب القائم.
ليست المشكلة الوحيدة في هذا القانون أنه يُكرّس اللون الطائفي أو المذهبي للأحزاب، بل إن مشكلاته تتعدى ذلك لتشمل الشقين الإجتماعي والإقتصادي:
فإجتماعياً، وسط هذا القانون وهذا الواقع تنتقل الولاءات الطائفية للناس والمجتمع من الدولة إلى الأحزاب التي تمثل هذه الطائفة أو ذلك المذهب.. وإقتصادياً، تجهد الأحزاب لايجاد فرص إقتصادية لأبناء طوائفها على حساب رؤية إقتصادية وطنية شاملة، والأخطر حين تتم هذه الخطوة بتمويل خارجي على أساس طائفي، يجعل ولاء الاحزاب للجهة الممولة من الدول الخارجية.
علينا الذهاب في الإتجاه العصري عبر منع نشوء أحزاب تكرّس المشكلة الطائفية، ولكن، من يظن أننا سنستفيق غداً صباحاً على أحزاب علمانية وطنية الخطاب فهو مخطئ، ومن ينتظر أن يتحول المجتمع وحده بهذا الإتجاه فهو مخطئ أيضاً، فالمطلوب خطوات مقوننة سريعة
لقد آن الأوان لضرورة الإنتقال بالحياة الحزبية الى مستوى أرقى وأكثر عصرية كما باقي دول العالم الراقية، بدلاً من أن تبقى احزاب لبنان قائمة على أساس مشكلة الدولة!
علينا الذهاب في الإتجاه العصري عبر منع نشوء أحزاب تكرّس المشكلة الطائفية، ولكن، من يظن أننا سنستفيق غداً صباحاً على أحزاب علمانية وطنية الخطاب فهو مخطئ، ومن ينتظر أن يتحول المجتمع وحده بهذا الإتجاه فهو مخطئ أيضاً، فالمطلوب خطوات مقوننة سريعة، تبدأ من الآتي:
أولاً؛ تعديل القانون القائم للأحزاب لفرض عضوية متنوعة داخل كل حزب، مثلاً بحد أدنى 30% من المنتسبين يكونون من طوائف أو مذاهب مختلفة كمرحلة أولى.
ثانياً؛ حظر الخطاب الطائفي والمذهبي في أي خطاب سياسي.
ثالثاً؛ لجم التمويل الخارجي للأحزاب، وإستبداله بتمويل يحدد ضمن ميزانية للدولة، فتكون لكل حزب حصة مالية حسب حجمه لجهة المنتسبين إليه وعدد نوابه (المنتخبين وفق قانون انتخابي عادل ومنصف، لا حسب القانون القائم)، وهذا ما تقوم به دول عصرية كثيرة مثل ألمانيا، حتى يكون ولاء الحزب للدولة لا للخارج، وكي لا يكون عبئاً على الدولة أو يكون في الداخل تجسيداً لمصالح خارجية بناء على مصدر التمويل.
هذه الخطوات الأساسية لا بد من أن تتم المباشرة فيها سريعاً، كمرحلة أساسية لتطوير الحياة السياسية في لبنان نحو حياة سليمة وطنياً. وإستباقاً لأي تعليق يعتبر أن هذه الخطوات لا يمكن المباشرة بها الآن لأن لبنان في حال صراع مع العدو وتعديل قانون الأحزاب سيضر بحزب الله وبالتالي بالمقاومة، نشدد على أن المقاومة ليست حزباً، بل هي ردة فعل شعبية على الإحتلال وهي مسيرة مستمرة عبر احزاب عدة، بغض النظر عن الهوية الطائفية أو الفكرية لكل حزب، فهي مقاومة تنطلق من الأرض لأجل تحرير الأرض! وهذه المقاومة باقية ما بَقِيَ احتلال والمطلوب الحفاظ على انجازاتها وهيكليتها العسكرية، أما قانون الاحزاب، فعليه أن يخاطب المستقبل وتحدياته وليس تأبيد ما فرضه علينا الاحتلال العثماني والانتداب الفرنسي.
اليوم، ثمة مجلس نيابي جديد، وثمة نواب يطرحون التغيير شعاراً والتطوير نهجاً، فهل يجرؤ أحدهم على طرح هذه الأفكار لتعجيل ولادة قانون جديد للأحزاب فنكون قد سلكنا خطوة أولى في طريق بناء الدولة؟
(*) راجع المقالة المنشورة للكاتب نفسه بعنوان “علّة الإنتخابات قانونها“، بتاريخ 28 نيسان/أبريل 2022.