يا للصاعقة: دراجة بايدن، كراي لونا وبروش نابيولينا!

ثلاث صواعق صادمة، أو هكذا يتم تصوير مثل هذه الأخبار، وهي في حقيقتها، لا تتخطى كونها تكهنات خائبة أو تحليلات ساذجة. وكالعادة، يتم إبقاء المشاهدين والقراء، في الطبقة السطحية من الأخبار أو الأحداث.

الصاعقة الأولى

جو بايدن يسقط ثانية، هذه المرة من على دراجته، أثناء جولة تنزه في إحدى عطلات نهاية الأسبوع، بالقرب من منزله في شاطىء ولاية ديلاوير. وبالطبع هذه ليست المرة الأولى التي يسقط فيها بايدن أرضاً، حيث كان قد اختل توازنه لثلاث مرات متتالية أثناء صعوده درجات سلم طائرة Air Force One، في رحلة كانت ستتجه فيها من واشنطن العاصمة إلى ولاية أتلانتا في آذار/مارس ٢٠٢١.

وانفجرت بطبيعة الحال مختلف وسائل الإعلام، بلقطات سقوط بايدن من زوايا مختلفة، وانبجست التعليقات والتحليلات التي تراوحت بين الاستهزاء، الشماتة، الشفقة، وبالطبع تحليل حالة بايدن الصحية والذهنية، وهذه مهمة الطيف اليميني الأمريكي إلى حد طرح السؤال للمرة المليار: “هل بايدن في حالة صحية وعقلية لائقة برئيس جمهورية الولايات المتحدة”!

الصاعقة الثانية

لونا الشبل تظهر ثانية، هذه المرة في حفل افتتاح مطعم كراي (Nash Kray) الروسي في قلب العاصمة السورية دمشق.

لم تتوقف التكهنات حول هذا الموضوع “الصاعق” بالطبع، وتحديداً حول ملكية لونا الشبل لهذا المطعم ذي الخمس نجوم. ولونا لمن لا يعرفها، مذيعة قناة “الجزيرة” سابقاً ثم مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد سابقاً، والزوجة الحالية للمهندس عمار ساعاتي، عضو القيادة المركزية في حزب البعث السوري.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها لونا الشبل للأقاويل الإلكترونية، منذ أن تحولت في 2014 إلى ميم (meme)، بتسميتها “الست اللي ورا وليد المعلم” – على وزن الميم المصري “الراجل اللي ورا عمر سليمان” – بعد أن ظهرت ضاحكة خلف صرامة وجه وليد المعلم أثناء جداله مع الأمين العام للأمم المتحدة حينئذ بان كي مون. وصولاً إلى فيديو Story نشرته خبيرة التجميل والأزياء السورية لمى الرهونجي على صفحتها بإنستجرام مؤخراً، من أمام مطعم كراي الروسي، توجه فيه الشكر للسيدة لونا الشبل على “هذه الدعوة الكريمة” لحضور حفل الافتتاح!

الصاعقة الثالثة

إلفيرا نابيولينا تفاجئنا بعدم ارتداء “بروش”، فقد اختارت ارتداء فستان أسود بالكامل. فانبرى المحللون ليقوموا بتحليل مثل هذا الاختيار القاتم، هل هو دلالة على موت الاقتصاد الروسي، واختلافها مع سياسات بوتين النقدية.

حيث أن إلفيرا نابيولينا، مديرة البنك المركزي الروسي، لطالما دارت أحاديث حول دلالات اختياراتها للأزياء التي ترتديها، والرسائل التي تريد أن تنقلها للمشاهدين عبر ملابسها، وعلى وجه التحديد “البروش” (Brooch) الذي تختاره في هذا اليوم أو ذاك. قالوا إنه حينما طالبت الحكومة الروسية المواطنين البقاء بالمنازل نتيجة تفشي جائحة كورونا، ظهرت نابيولينا متزينة بـ”بروش” على شكل منزل. بينما حينما ارتدت “بروش” على هيئة موجات أو سحب، قال المحللون إنها تريد أن تنقل رسائل توحي بتقلب واضطراب الحالة الاقتصادية في بلادها. ثم حينما اتخذ قرار بتخفيض نسبة الفائدة، إختارت نابيولينا “البروش” على هيئة حمامة، للدلالة على السياسة النقدية الناعمة المستقرة في هذه الفترة.

وحينما أطلقت العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، وتوالت العقوبات الاقتصادية على روسيا الاتحادية، ارتدت إلفيرا “بروش” على شكل ميزان، علامة على محاولة إيجاد سياسات مالية تحقق التوازن الاقتصادي!

يا للصواعق!

مثل هذه الأخبار التي يتم تداولها عن عمد خبيث، أو اضطرار تسابقي، على جميع وسائط نقل المعلومات والأخبار، ما أن تنطلق لا تتوقف أبدً، إلا بالاضمحلال العضوي المعتاد، الناتج عن سرعة تتالي الأقاويل، التكهنات، الترندات والأخبار الأحدث.

فلا عجب في استخدام اليمين السياسي الأمريكي لقطات سقوط بايدن، في التشكيك في مدى القدرة العقلية للرجل على أداء مهام منصبه، ضمن لقطات أخرى (gaffes)، ينعقد فيها لسان الرئيس الأمريكي عند محاولة نطق كلمة معينة، أو عند الخطأ باستبدال اسم دولة بدولة أخرى، وكأن أمريكا تحكم من داخل المكتب البيضاوي، يجلس به بايدن، مدوناً بعض الملحوظات والقرارات في مفكرة، على طريقة فيلم “ناصر 56”!.

دعونا نعود للوراء إلى زمن فرانكلين دي روزفلت، حين أصيب الرجل بمرض شلل الأطفال، الذي تسبب له في شلل جزئي في نصفه السفلي، وكان الأمر معلوماً للجمهور، وقد كان فريق عمله قبل وأثناء فترات رئاسته لأمريكا، يقوم بالاتفاق مع الصحافة، بعدم السماح بالتقاط ونشر أية صور فوتوغرافية لروزفلت وهو على الكرسي المتحرك، أو أثناء السير في المناسبات العامة بمساعدة دعامات السيقان، وبالاستناد على أحد المساعدين. فهل منع عجز روزفلت الجزئي، الرجل عن أداء دوره كسياسي في الحزب الديموقراطي الأمريكي، كسناتور، محافظ، سكرتير مساعد للقوات البحرية، أو واحد من أهم وأنجح رؤساء الجمهورية للولايات المتحدة. بل إنه الرئيس الوحيد في تاريخ أمريكا الذي تم انتخابه رئيسا لأربع فترات متتالية (قبل تعديل الدستور)، لم يكمل الرابعة منها لوفاته التي حدثت بعد عام و3 أشهر من انتخابه؟

إقرأ على موقع 180  احتجاجات السويداء.. أصغر من ثورة وأكبر من إحتجاج!

ومع العودة إلى العصر الحالي، هل يعتقد أحد أن درجة التحكم وقوة رأس السلطة التنفيذية الأمريكية لم تختلف في بدايات القرن الحادي والعشرين، عن أزمنة سابقة؟ هل فكر أحد في نظام توازن السلطات الأمريكي، وحاول أن يتدبر في تقلبات هذه التوازنات بين الثلاث سلطات، وغيرها من الهيئات الحكومية وغير الحكومية بما في ذلك الشركات الكبرى، ليدرك في النهاية، أن الرئيس الأمريكي لا يملك هذه السلطة المطلقة التي يعتقدها فيه الكثيرون؟

سقط بايدن (79 عاماً)، أو تلعثم ففقد تسلسل أفكاره، ما هي أهمية هذا الأمر. هل يظن أحد أنه بمجرد سقوط رجل عجوز جلبته الظروف السياسية إلى البيت الأبيض، يعني سقوط أمريكا مثلاً. ما هذه السذاجات السطحية التي ينخرط فيها الملايين، معتقدين أنها “أخبار” يجب متابعتها، خادعين أنفسهم بأهميتها؟

حين نلتفت إلى “بروشات” نابيولينا، لا يحتاج الأمر إلى توضيح مدى سطحية مثل هذه التحليلات، إنهم يتحدثون حرفياً، عن قطعة أكسسوار! بينما تفاصيل الإجراءات النقدية والمالية، لمديرة بنك مركزي لدولة بأهمية وحجم روسيا، هي ما يهم في الأمر

الأغرب، هو أن ترى معارضين للنظام السوري، يقعون فريسة لمثل هذه “المخائب”. بل ويستخدمونها وكأنهم وجدوا وسيلة جديدة لـ”فش الغل” في السلطة أو النخبة التي يعارضونها، وينطلقون بنفس سرعة انتشار هذه الأقاويل، في تداولها بلا أي تمهل ولا تمحيص، قد تقودهم لمعرفة أن القصة أعمق بكثير من التركيز على لونا الشبل أصلاً. مثلاً، مالكو هذا المطعم الروسي المفتتح بدمشق هما: فداء جبر سليمان، وعلي نجيب إبراهيم. وإذا ما تمهلوا، لربما كانوا قد اختاروا قراءة تقرير جريدة “الجارديان” البريطانية عن ممارسات اقتصادية سورية تحت وقع “عقوبات سيزر”، ليتعرفوا على تفاصيل أعمق لشبكة شركات سماها التقرير Shell Companies، يستخدمها هذا النظام الذي يعارضونه، للتهرب من العقوبات، وتحقيق مدخولات بوسائل متعددة، منها القانوني، ومنها غير القانوني. وهو التقرير الذي نقلته جريدة “إسرائيل هيوم” (Israel Hayom)، منذ آذار/مارس 2022. لربما وجدوا فيه اسم علي نجيب إبراهيم، وما هو بالطبع أهم من شيء تافه، مثل افتتاح مطعم!

أو ربما وجد هؤلاء المعارضون في تقارير “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، ما هو أعمق في التحليل، وأكثر إفادة من مكايدات سياسية إلكترونية، لن تغير من الواقع شيئاً. وأؤكد هنا أنني لا أعرض لآراء أو تحيزات تخص كاتب المقال. فأنا لا أؤيد “سلطة” ولا “أدواتها”، ولا أعارض “معارضة” ولا “اختياراتها”، أنا فقط ألفت النظر إلى ما هو أهم من الطبقة السطحية للأمور.

بينما حين نلتفت أخيراً إلى “بروشات” نابيولينا، لا يحتاج الأمر إلى توضيح مدى سطحية مثل هذه التحليلات، إنهم يتحدثون حرفياً، عن قطعة أكسسوار! بينما تفاصيل الإجراءات النقدية والمالية، لمديرة بنك مركزي لدولة بأهمية وحجم روسيا، هي ما يهم في الأمر. فهل نختار بذل جهد، لتوعية أنفسنا بمدى تعقد هذه الأمور، ونحاول جاهدين فهم هذه التعقيدات وتبسيطها قبل أن نعلن عن تحيزات فارغة، أو تحليلات قشرية، أم أن الاختيار هو التركيز على “البروش”؟

ما لنا كيف نفكر؟

إصابة هيلاري كلينتون بدوار، أو تحية باراك أوباما لأحد أفراد الحرس، أو عدم مصافحة زوجة رئيس دولة أخرى لدونالد ترامب، أو سقوط بايدن من فوق دراجة، ليست أموراً هامة. كما أن لونا الشبل لا تتحكم في سير الأمور بسوريا، مهما بلغت حدة تصريحاتها. ومن يأخذ قصة افتتاح مطعم روسي في دمشق، أو إدعاء امتلاك لونا له من عدمه على أنه موضوع هام، فقد سقط في فخ السطحية بلا جدال، واختار “الاستسهال” والالتهاء عما هو أهم وأعمق. وعلى نفس القياس، إذا ما كان مقياس أداء الاقتصاد الروسي في فترة عصيبة مثل الحالية، هو “بروش”.. فألقِ على تحليلاتنا السلام.

دعوني أختم باللهجة اللبنانية: “بسكليت ومطعم وبروش.. عن چد”؟

Print Friendly, PDF & Email
تامر منصور

مصمم وكاتب مصري

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  السويد تنتقم من بطرس الأكبر.. وفنلندا من ستالين