ما بعد أنصارية ومشعل.. “الشين بيت” يُحاول النهوض (92)

لم تنته تداعيات "كارثة انصارية" في جنوب لبنان عام 1997 بالاطاحة بمدير "الموساد" في "إسرائيل" داني ياتوم، بحسب ما يروي الكاتب رونين بيرغمان، في كتابه "انهض واقتل اولاً، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الاسرائيلية"، بل تجاوزت هذا الأمر لتؤدي الى ما يشبه ورشة اعادة بناء الاذرع الاستخبارية كلها.

تم إستبدال مدير “الموساد” داني ياتوم بافرايم هاليفي الذي كان سجل نقاطا لمصلحته عند رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي إستعان به لمعالجة تداعيات العملية الفاشلة لاغتيال القيادي في حركة “حماس” خالد مشعل في عمان. ولأن هاليفي كان يخشى اخفاقات اخرى بعد عمليتي مشعل وانصارية، اوقف عملياً كل عمليات “وحدة قيساريا”.

وينقل رونين بيرغمان عن آفي ديتشر، الذي كان حينها نائب رئيس “الشين بيت” والذي اصبح رئيسا للجهاز عام 2000 قوله “بكل صدق يمكن القول إن المؤسسة الدفاعية لم تكن تعطي الشعب الاسرائيلي الدرع الواقي الذي يستحقه”. ويضيف بيرغمان “هذا الكلام مقلق تحت اية ظروف ولكنه كان مقلقا اكثر في اواخر التسعينيات الماضية لان اعداء “اسرائيل” كانوا قد اصبحوا اكثر خطورة، من ايران الى ليبيا، ومن حزب الله في لبنان الى حماس في غزة وعمان. تشكلت جبهة من الاعداء اكثر ابتكارا واكثر تصميما من اي شيء سبق لاجهزة الموساد والشين بيت وأمان ان تصارعوا معه من قبل”.

يتابع بيرغمان، “ان جهاز الشين بيت كان اول جهاز استخباري يستعيد الوقوف على قدميه بعد عملية انصارية، فقد وصلت لجنة التحقيق الداخلي التي انشأها رئيس الجهاز آمي ايالون الى استنتاج ان الشين بيت اصبح ضعيفاً وغير فعال في مساحتين من نشاطاته، الاولى، هي في الحصول على المعلومات، لقد استند الشين بيت ولعقود على المعلومات الاستخبارية من مصادر بشرية، ولكن هذا الخزان قد جفّ ولم يتم ايجاد بديل لمئات العملاء الفلسطينيين الذين خسرتهم “اسرائيل” جراء انسحابها من الاراضي الفلسطينية وفقا لاتفاقيات اوسلو، وقد فشل الشين بيت في تطوير طرق بديلة ولم يكن قادرا على تجنيد عملاء داخل حركة حماس، الحركة التي تستند الى العقيدة الدينية والتي كان عناصرها اقل عرضة للاغراء بالمال، وقد وضعت لجنة التحقيق الداخلية الامر باقتضاب وبما يشبه الادانة بقولها “ان الجهاز غير منسجم مع البيئة التي يعمل فيها”.

اول مشكلة مستجدة كان على جهاز الشين بيت التعامل معها كانت شخص اسمه محي الدين الشريف، وهو تلميذ يحيى عياش الذي اصبح اكبر خبير متفجرات في الجهاز العسكري لحماس بعد اغتيال عياش والذي اصبح يعرف باسم “المهندس رقم 2”

اما المساحة الثانية التي اصبح فيها الجهاز ضعيفا وغير فعال، يضيف بيرغمان، “فهي مصير المعلومات الاستخبارية التي كان الجهاز يستحصل عليها، فقد زار ايالون مقر ارشيف الجهاز واخذ يحدق بدهشة وعدم تصديق في المستوعبات المحشوة بمئات الاف المجلدات في صناديق كرتونية، فقال لمنتدى كبار الضباط في الشين بيت “اننا نتصرف كجهاز من القرون الوسطى، فارشيف كهذا يجعل من غير الممكن بناء صورة استخبارية في الوقت الحقيقي الضروري، حتى وان كانت المعلومات المطلوبة موجودة في الملفات فانها لن تساعدنا في شيء على الاطلاق”. واضاف ايالون “ان الشين بيت ليس جهازا استخباريا ولكنه منظمة ذات طابع وقائي” بمعنى اخر لم يكن هدف الجهاز جمع المعلومات فقط من اجل جمعها بل من اجل احباط مخططات العدو ونواياه في الوقت الواقعي، ولأجل فعل ذلك، على الشين بيت ان يجمع المعلومات الاستخبارية ويحللها في اقصر مدة زمنية ممكنة. واعتبر ايالون ان الحل يكمن في التقنيات الحديثة، فالمصادر المستندة على التكنولوجيا بامكانها ان تحل مكان المصادر البشرية وتنتج صورة استخبارية متعددة الابعاد وفي الوقت الحقيقي الذي تحتاجه”.

في العام 1997، كانت هذه الافكار ثورية وادت الى ازمة ثقة في جهاز الشين بيت كما استدرجت نقدا قاسيا لايالون وحتى انها ادت الى استقالة العديد من كوادره، ولكن ذلك لم يفت من عضد ايالون فأوجد عدداً من الفرق والاقسام التي كانت مطالبة بتطوير تقنيات متطورة وحديثة في جمع المعلومات وخرق اجهزة جمع المعلومات (الداتا) واعتراض البريد الالكتروني والهواتف الخليوية ولاحقا وسائل التواصل الاجتماعي، كما طوّر هؤلاء طرقاً جديدة من اجل تحليل الكميات الهائلة من الداتا واستخلاص الاكثر اهمية منها من اجل العمل الاستخباري.

ووفق رواية بيرغمان “أصر ايالون على جعل التركيز الأكبر لجهاز الشين بيت على التواصل مع الناس (مع الشبكات بدلاً من الأفراد). لقد كان الشين بيت اول جهاز يلتقط الفائدة الكبرى من ملاحقة الهواتف الخليوية، في البداية من خلال المكالمات الهاتفية ولاحقا من خلال الموقع الجغرافي والرسائل النصية والفيديوهات التي ترسل وحتى التصفح على شبكات التواصل الاجتماعي. وتحت قيادة ايالون تغيرت التركيبة التنظيمية للعمليات في الجهاز بالكامل، لم يعد يعتمد على الضباط المسؤولين عن حالات معينة في مناطق معينة وفقا لانتشارهم الجغرافي (يديرون العملاء ويعملون بطريقة او باخرى بصورة مستقلة)، ولكن بدلا من ذلك ركز على العمل المكتبي حيث يجلس عناصره امام شاشات كومبيوتر، يجمعون المعلومات وقطعها ويعطون الاوامر للعملاء لجمع القطع المفقودة في الاحجية. أيضاً تغيرت عملية صناعة العاملين في الشين بيت بسرعة، فالعديد من قدامى الضباط تركوا الجهاز وحل محلهم شبان وشابات من عناصر الوحدات الفنية في الجيش “الاسرائيلي”، وهكذا وخلال وقت قصير للغاية، بات 23 في المئة من العاملين في الجهاز عملاء متدربين على التقنيات الابداعية والتطويرية”. وينقل بيرغمان عن يوفال ديسكين (مسؤول سابق في جهاز الشاباك) قوله في تشبيه هؤلاء بشخصية الفني “كيو” في افلام جيمس بوند “لقد انشأنا قسما كاملا من كيو، يعمل فيه العشرات من المبتدئين الذين كانوا في طريق الاحتراف”.

إقرأ على موقع 180  ثلاث ملاحظات على خطاب نصرالله: الترسيم، الحراك والرئاسة!

يقول بيرغمان “إن اول مشكلة مستجدة كان على جهاز الشين بيت التعامل معها كانت شخص اسمه محي الدين الشريف، وهو تلميذ يحيى عياش الذي اصبح اكبر خبير متفجرات في الجهاز العسكري لحماس بعد اغتيال عياش والذي اصبح يعرف باسم “المهندس رقم 2″. وكان عياش ونائبه حسن سلامة قد علما الشريف صناعة القنابل المرتجلة من مواد تفجيرية قوية للغاية هي الترياسيتون والتريبيروكسايد، وهي مهارة تعلماها من خبراء في الحرس الثوري الايراني، وكان الشريف هو من صنع القنابل التي استخدمت في اربع هجمات انتحارية لحماس انتقاما لقتل عياش. ومثل عياش من قبله، درّب الشريف اخرين على الحرفة، فقد علم فرقا من الرجال في القدس على كيفية تهيئة القنابل التي يتم التحكم بها عن بعد وكيفية صناعة فتائل العبوات وعلمهم ايضا كيفية تخبئة القنابل في كاسيت فيديو، وقد جهز احد عشر من هذه الكاسيتات للاستخدام في عمليات في محطات الحافلات ومراكز بيع اليانصيب وغرف الهاتف العمومية، وانفجر احدها في نتانيا في 11 فبراير/شباط عام 1998 متسببا بجرح عشرة مدنيين. ولكن الشين بيت تمكن من تحديد صناع القنابل قبل زرعها في الاهداف المخصصة لها واعتقلهم ما ادى الى تفادي كارثة كبيرة”.

يتابع بيرغمان ان الشين بيت “تمكن من جمع ملف كبير عن محي الدين الشريف ومراقبة تحركاته وعاداته ومتابعة اتصالاته ومواقع الهواتف التي كان هو وبعض رجاله يستخدمونها، والاخطر هي الخطة التي كشفها الجهاز لتفجير عبوة ضخمة في سيارة “فيات اونو” عشية عطلة عيد الفصح عندما تكون شوارع القدس مزدحمة بالناس الذين كانوا يهرعون لشراء حاجياتهم في اللحظات الاخيرة قبل العطلة، فقد تمكنت وحدة “العصافير” في الجناح العملياتي للجهاز من التلاعب باداة تفجير السيارة قبل ان يُسلمها الشريف للانتحاري، وفي 28 مارس/اذار 1998 عندما قاد الشريف السيارة الى مرآب في رام الله بعيدا عن المدنيين الابرياء انفجرت به”.

وضع الشقيقان عوض الله خططا لخطف جنود وشخصيات “اسرائيلية” سياسية معروفة – وقد جرى شراء كميات من المواد المخدرة من السوق السوداء لهذا الهدف – من اجل استخدامهم للتفاوض على اطلاق الاسرى الفلسطينيين، ومن بين الشخصيات التي كانا يزمعان خطفها ايهود اولمرت الذي كان حينها رئيسا لبلدية القدس

يقول بيرغمان إنه حتى بعد قتل محي الدين الشريف واعتقال العديد من مساعديه “شعر جهاز الشين بيت ان هناك قطعة مفقودة من الاحجية، وقد استنتج الجهاز وجود “اخطبوط متعدد المجسات” يعمل مع “شخص واحد يدير عمليات كل المجسات، كل منها على حدا وبصورة مستقلة عن الاخرين”. وبدأ نظام التنقيب عن البيانات الذي كان يراقب الاف الفلسطينيين المحددين كأهداف يُضيّق الصورة الى ان توصل الى شخص واحد، فقد توصل “الاسرائيليون” الى عادل عوض الله الذي تولى قيادة الجهاز العسكري لحماس في الضفة الغربية وكان نظير محمد ضيف في قطاع غزة. وكان عوض الله على لائحة المطلوبين لبعض الوقت ولكن يعود الفضل في عدم العثور عليه إلى شبكة دعم حماس التي تحمل اسم “قسم الخدمات والمساعدة” والتي كانت بمثابة العازل بينه وبين الخلايا التي كان يديرها، حتى عندما كان مساعدون له يعتقلون ويدلون باعترافات تحت التحقيق. نظام الدعم المذكور هو الذي مكّن عوض الله من عدم الانكشاف أمام الشين بيت كما مكنه من شن عدة هجمات “ارهابية”. كان نظام الدعم يُدار من قبل عماد عوض الله، شقيق عادل الاصغر الذي سبق ان هرب من سجن السلطة الفلسطينية، وبدأ الاثنان يخططان لسلسلة جديدة من الهجمات والاكثر طموحا كانت خطتهم لتفجير خمس سيارات مفخخة في وسط خمس مدن “اسرائيلية” كبيرة، ووفقا للخطة كان يفترض للسيارة الاولى ان تنفجر في تل ابيب حيث من المتوقع ان يسقط جراءها عدد كبير من الاصابات، بعدها يتم توجيه انذار للحكومة “الاسرائيلية” يدعوها لاطلاق سراح كل الاسرى الفلسطينيين والا ستنفجر سيارة اخرى وبعدها اخرى وهكذا حتى يتم تفجير السيارات الخمس. في الوقت نفسه، وضع الشقيقان عوض الله خططا لخطف جنود وشخصيات “اسرائيلية” سياسية معروفة – وقد جرى شراء كميات من المواد المخدرة من السوق السوداء لهذا الهدف – من اجل استخدامهم للتفاوض على اطلاق الاسرى الفلسطينيين، ومن بين الشخصيات التي كانا يزمعان خطفها ايهود اولمرت الذي كان حينها رئيسا لبلدية القدس (اصبح لاحقا رئيسا للحكومة) ورافاييل ايتان رئيس الاركان السابق للجيش “الاسرائيلي” والذي اصبح عضوا في الكنيست وعضوا في الحكومة المصغرة، واثنان من المديرين السابقين لجهاز الشين بيت هما ياكوف بيري وكارمي جيلون”.

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  "أبو جهاد" في أول مقابلة صحافية: فلسطين القضية الأولى عالمياً