غزة.. لم تُغمد سيفها في قيلولة الوقت

تُدرِكنا غزة. تحطُّ فجأة، شاهرة سيف قدسها. لم تُغمده في قيلولة الوقت، ولم تتعب بين استراحتين. ولن تتعب من غفوة غَدَت استنفارات، تأهّبات، سيفٌ من نار، فيضٌ من إصرار.. وإن لم تذهب ناحية غزة، فإنها تأتيك بعفو السؤال: ها نحن هنا، أينكم من صحوتنا؟

غزة فلسطين، المُشبعة بروح التألق، مزوّدة بأنواع من الثأر، وبغلبة الجهر بامتلاك الناصية. مزدانة بأبهى صلاة ودعاء، ومكتوية بتلك المقولة التي واجهها الإمام الحسين في مصيره/مأساته في كربلاء: قلوبنا معك وسيوفنا عليك.. كأنما مصائر الحق لا تتحقق إلا بمصائر الدماء. كأنما ذوي القربى تنادوا على اقتسام الغنائم قبل اصطيادها بعد أن أضاعوا البوصلة، وأمعنوا في نحر القرابين ولا أضاحي، وتراقصوا بأحلام سرابية الأوهام، وغرفوا من ماء ظنّوه ملك يمين ولا ماء. لقد أمعن ذوو القربى في نثر الرماد، وإمتهنوا صناعة التفرج على الخبر العاجل.

لا جديد في بلسمة جراحك يا غزة فلسطين، وعزّة الإباء، حتى للغائبين عن وعيهم وإن استفاقوا. فالذين اعتادوا سماع صراخك ما زالوا على موجة تلبية النداء، أما الذين على غيّهم يعمهون فلا حياة لهم كي تنادي.. صلاتك يا غزة فجر انبلاج الآذان، وسجودك مصلى عبادة ومصلى صواريخ، وعشق أيادٍ على زنادها، وفنون حب في لعبة الحروب.

تُدركنا غزة،. لا تعطي مهلاً . ولا تُمهل. تضغط على الصبر، وتحسب وتحتسب. تزودنا بالأخبار تباعاً، ولطالما تصدّرت الأخبار، وصنعت الخبر إلى أن يحين وعد الخبر المنتظر

تُدرِكنا غزة، ونحن على مرمى غفلة أو نكاد. تَجّبهُنا بسطوع مواجهاتها، ولمعان جباه مقاوميها، وسطوة عزيمة صمودها، وإيثار أهاليها في إضافة أسماء شهداء من خيرة الأبناء، ومن فلذات الروح إلى لوائح من قضوا في حروب إسرائيلية سابقة على غزة ومواطنيها، وأزقتها، وعمرانها.

تبني غزة فوق الدمار شواهد من تضحيات، وشواهق من دروس وعِبَر، وتلوّن بالقاني أسماء مواليد لمْ يولدوا بعد.. تستنفر بجاهزية عنفوانها جهوزية العدو ونعاس الأشقاء، وغيبوبة كلماتهم الممحوة بمرور الزمن، واصفرار الأحرف.. كأنما الخريطة مُسبقة الترسيم: أطرافها ثلاثة ورابعهم عدو مجرم، عدواني، عنصري..

لا جديد يا غزة. ستكتبين للتاريخ صفحات أنك وبحلفائك المقاومين؛ ما غدا التاريخ تاريخاً إلا بقوامكم وقيامكم وحبر دمائكم. وأن القابعين أمام شاشات مسرح الجريمة ستنكسر أبصارهم ذلاّ وهواناً. وأن الغافلين عن معنى الحياة في الموت سيبقون جثثاً بانتظار الموت، وقوافل ـ عفواً ـ قطعان موائد وفضلات.

تُدركنا غزة،. لا تعطي مهلاً . ولا تُمهل. تضغط على الصبر، وتحسب وتحتسب. تزودنا بالأخبار تباعاً، ولطالما تصدّرت الأخبار، وصنعت الخبر إلى أن يحين وعد الخبر المنتظر. خبر إنطفاء الليل الحالك بنور الدروب ومسالك العبور. خبر انسحاق الصهاينة، أعداء فلسطين.

ستسهرين يا غزة وسينام النواطير عن مضناك. سيسهر مقاوموك زئيراً، ويضمد جرحاك دماءهم بدموعهم، وسترفعين راية السيف، وسترسمين مجد القدس ونصر فلسطين.. لن يكون للتاريخ حكاياته غير تلك التي تروين، وستخطّين بالعنوان العريض أن فلسطين، كل فلسطين، بين بحرها والنهر، أرض محررة لأبنائها الفلسطينيين.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  معاريف: تهديد حزب الله الجوي.. لا يجوز تجاهله بعد الآن
منى سكرية

كاتبة وصحافية لبنانية

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  قراءة إسرائيلية في قمة طهران: التقاء مصالح جزئي