الوقائع على الأرض وفي مراكز القرار في واشنطن و”ضواحيها الأوروبية” تشير صراحة إلى إن مستقبل الحرب الأوكرانية لم يُكتب بعد، لكن الشعور بالتعب من دعم أوكرانيا بات يطفو على سطح الغرب الأوروبي بوضوح، بينما يتأكد أن العالم عموماً بدأ يتنبه لمخاطر إستمرار هذه الحرب وضرورة العمل على إيقافها. فأقل من ثلث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (فقط 54 من أصل 193 دولة) صوّتت لمصلحة مشروع بيان معادٍ لروسيا. وهذا جرس إنذار ينبغي أن تسمعه الإدارات في الغرب، بديلاً عن التشبث بأمل هزيل (لا رجاء منه) في أن يأتي خليفة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى ضرورة وقف الهجوم والعودة بجيوشه من حيث أتت، كما كتب مدير البحوث في برنامج السياسة الخارجية التابع لمعهد “بروكنغز” الأميركي، مايكل أوهانلون، في صحيفة “الواشنطن بوست”، مُتحدثاً عن تصوّره لأحد السيناريوهات التي يفترضها بشأن نهاية الحرب في أوكرانيا.
غني عن البيان أن حرباً بهذه الأبعاد “العالمية” لا يمكن إيجاد حلّ لها بمثل هكذا خِفّة. ويمكن الافتراض أن أوهانلون تعمّد ذرّ الرماد وليس البحث عن حلول جدّية لمشكلة لا تريد الإدارة الأميركية حلّها اليوم، بل دفعها إلى المزيد من التأزّم.
الحقوقي الأميركي جيمس ريكاردس أحد كبار الباحثين في الاقتصاد الكلي يرى من جهته “أن هناك من يعمل على إشعال فتيل حرب عالمية ثالثة..”، في ما بدا إشارة مبطنة إلى واشنطن. وفي معرض آخر يقول إن الأميركيين الداعمين لكييف “يتحدثون عن الدفاع عن (الديموقراطية)، في حين أن من يحكم في أوكرانيا هي حكومة أوليغارشية فاسدة.. بعيدة كل البعد عن الديموقراطية النموذجية”. ولا تفوته الإشارة إلى أن تلك الحرب “تستمر منذ ستة أشهر من دون نهاية تلوح في الأفق (…)، بل إن روسيا تتقدم بهدوء، والعقوبات عليها فشلت”.
الحماسة الأوروبية لمساعدة أوكرانيا بالسلاح والمال ونجدة النازحين، باتت من الماضي، وها هي بريطانيا، أكثر الدول الأوروبية اندفاعاً لدعم أوكرانيا والدعوة إلى مدّها بالمزيد من السلاح والمال، قلبت هذه الصفحة بعد أن وضعت ما يبدو أنها نقطة النهاية لهذا الفصل
وفي مقالة أخرى له نشرها موقع “سبوتنيك عربي” يتحدث جيمس ريكاردس عن “نهاية العالم”، مُسلّطاً الضوء على ما يسميه “التحركات الأميركية الغريبة في جزيرة تايوان (الصينية)، خصوصا أن أميركا تقرّ بأن تايوان جزء من الصين”، مُنتقداً بمرارة سلوك رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي التي تكبّدت عناء قطع نصف كوكب الأرض لتقول إنها ستحارب “محور الشر الجديد”، في حالة غريبة ليس لها إلا تفسير واحد: “افتعال حرب بأي ثمن”، كما قال. يستنتج ريكاردس من ذلك أن “سياسة أميركا الحالية في تايوان، وطريقة تعاطيها مع المفاوضات السابقة (التي فشلت) بين الوفدين الروسي والأوكراني (في تركيا)، أشارت يومها بوضوح إلى أنها تبحث عن حرب”. إلا أن ما يزيد الأمور سوداوية يتمثّل بما نشرته مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأميركية من أن “اندلاع المواجهة العسكرية بين واشنطن وموسكو لن يكون مجرد حرب عالمية ثالثة، بل معركة “هرمجدون”، أي حرب نهاية العالم”.
على مستوى مختلف، يبدو أن هذه الحرب الغربية (إقرأ الأميركية) في وجه العملية الروسية الخاصة، باتت تواجه جداراً مسدوداً. فالحماسة الأوروبية لمساعدة أوكرانيا بالسلاح والمال ونجدة النازحين، باتت من الماضي، وها هي بريطانيا، أكثر الدول الأوروبية اندفاعاً لدعم أوكرانيا والدعوة إلى مدّها بالمزيد من السلاح والمال، قلبت هذه الصفحة بعد أن وضعت ما يبدو أنها نقطة النهاية لهذا الفصل. فقد نشرت “الغارديان” أن وزراء في الحكومة البريطانية باتوا يرفضون تقديم حزمة دعم جديدة في سبيل الأزمة الأوكرانية، وأن برنامج “منازل لأوكرانيا”، الذي يساعد النازحين للحصول على سكن في المملكة المتحدة، قد يتم تقليصه قريباً، حيث تنتهي فترة الستة أشهر الأولى لإيواء اللاجئين، من دون تزويدهم بشقق جديدة، وبالتالي فإن حوالى 50 ألف لاجئ أوكراني باتوا مهددين بالطرد إلى الشارع.. وتلك مجلة “ذا نايشين” المحافظة تتساءل بمرارة: “إلى متى سيواصل الجمهور الأوروبي تحمل مشقات تقديم الدعم للأوكرانيين”؟. كل هذا بينما تنشر “التايمز” تصريح مصدر في وزارة الدفاع البريطانية يقول إن “الأسلحة التي يمكن أن تقدمها بريطانيا لأوكرانيا في طريقها إلى النفاذ”، مع الإشارة إلى أن المساهمة المالية البريطانية التي كانت مقررة لأوكرانيا ستنتهي بحلول نهاية العام، من دون أيّ إعلان حتى الآن عن تمديدها. وتذهب الصحيفة البريطانية ذاتها أبعد من هذا للقول “إن سكان بريطانيا بدأوا يدركون حجم التضحيات التي يتعين عليهم تقديمها”، لتستنتج في النهاية “أعتقد أننا مذنبون في المبالغة في تمجيد الأوكرانيين”.
فهل يتوجب حقاً دفع هذه الأثمان الباهظة لمناصرة حاكم تحيطه الشبهات هو فلوديمير زيلينسكي، الذي “يحتفظ بملايين الدولارات في الخارج” كما يتهمه جيمس ريكاردس، واصفاً إياه بأنه “حاكم فاسد يُسوّق نفسه من خلال مهاراته في التمثيل، ولا يتطلب الكثير من الخبرة لمعرفة مدى زيفه”.