العراق.. تحديات صعبة أمام الحكومة الجديدة

بعد مخاض عسير، أبصرت حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني النور وسط تحديات إستثنائية تنتظرها، منها ما يتصل بالداخل العراقي ومنها ما يتعلق بموقع العراق وعلاقاته الإقليمية والدولية.

داخلياً؛ تصطف سلسلة تحديات، إن كانت إقتصادية أو أمنية أو سياسية، خصوصاً ما يتعلق بمحاربة الفساد المستشري في دوائر الدولة ومؤسساتها حتى أنه أصبح يتخذ طابعاً مؤسساتياً في أغلب الأحيان ويعتمد علی قواعد واجراءات تستمد قوتها من طبيعة العمل الحكومي نفسه.

وبالتالي؛ أمام رئيس الوزراء محمد شياع السوداني فرصة جدية لتغيير هذه القواعد والإجراءات من خلال إعادة صياغة النظم الإدارية والمالية لمعالجة التسيب الإداري والمالي، وأيضاً من خلال الإعتماد علی الكفاءات العراقية في الداخل والخارج (وبعضها موجود في الإدارة العراقية نفسها) والحد من المحاصصات الجهوية والطائفية والحزبية وصولاً إلى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

في هذا السياق، أضع بتصرف رئيس الحكومة فكرة تشكيل مجالس مركزية عليا للإنفاق (مجلس الإقتصاد والمال، مجلس الثقافة، مجلس الطاقة، مجلس الإعمار، مجلس الأمن، مجلس السياحة الدينية إلخ..) علی أن تكون مركزية الطابع كخطوة أولی وذلك إلى حين الإنتهاء من وضع نظام اداري ومالي جديد وشامل في كل مرافق الدولة العراقية ومؤسساتها وإداراتها. هذه المجالس هي عبارة عن مجالس وزارية مصغرة تجتمع برئاسة رئيس الوزراء ووظيفتها الإشراف علی تنفيذ المشاريع والإنفاق عليها والحفاظ علی المال العام.

ولا شك أن عنصر النزاهة بات حجر الزاوية في اي خطة حكومية، وبالتالي لا بد من إبعاد حيتان الفساد المنتشرين في مرافق الدولة بشكل مباشر وغير مباشر واتخاذ عقوبات صارمة بهذا الاتجاه. ان مكافحة الفساد والشروع بتنفيذ المشاريع الحقيقية والحيوية كفيل باعادة ثقة المواطنين بدولتهم ووضع حد لتراجع الثقة بالعملية السياسية التي سار عليها العراق منذ العام 2003.

إن الاستعانة بالكفاءات العراقية الشابة الموجودة في الخارج أمر في غاية الاهمية وهم بمثابة إحتياطي العراق الذهبي الفعلي والمهمل والمستبعد؛ فهؤلاء الشباب يمتلكون الطموح والمعرفة والجهد لمساعدة رئيس الوزراء في تنفيذ برنامجه الحكومي ولوضع بلدهم على سكة مواكبة العصر.

تبقی قضية السلاح المنفلت الذي يُهدّد حياة المواطنين ويقف حجر عثرة أمام أي تقدم يطمح إليه العراقيون، وهذه القضية لا تخلو من تعقيد، لكن تعزيز التفاهم الوطني وترسيخ مبادیء القانون كفيلان بمعالجة هذه الظاهرة وبأسرع وقت ممكن.

خارجياً؛ ثمة ملفات يجب التعاطي معها بحكمة ودراية كبيرين وعلى أساس وضع مصلحة العراق الوطنية فوق كل إعتبار. هناك ثلاث دوائر يتحرك العراق ضمنها، عربياً واقليمياً ودولياً.

في المحيط العربي، يحتاج العراق إلى تدعيم علاقاته العربية بعيداً عن سياسة المحاور والإستقطابات والخلافات وصولاً إلى إعادة تفعيل دور العراق التوفيقي في محيطه العربي. وما مشاركة الرئيس محمد شياع السوداني في قمة الجزائر المنعقدة في الاول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل إلا فرصة يجب استغلالها وعدم تفويتها من اجل مخاطبة قادة الدول العربية لكي يكونوا شركاء في حماية أمن العراق وإعادة إعماره وتحصين إستقراره.

إن الاستعانة بالكفاءات العراقية الشابة الموجودة في الخارج أمر في غاية الاهمية وهم بمثابة إحتياطي العراق الذهبي الفعلي والمهمل والمستبعد؛ فهؤلاء الشباب يمتلكون الطموح والمعرفة والجهد لمساعدة رئيس الوزراء في تنفيذ برنامجه الحكومي ولوضع بلدهم على سكة مواكبة العصر

في الاقليم؛ يحتاج العراق إلی دعم أشقائه وتفهمهم لأوضاعه. ان العامل الامني جادة ذات اتجاهين فمثلما يريد العراق دعم واسناد اشقائه في الاقليم يتوجب عليه اغلاق كافة الملفات الامنية التي تقلق دول الجوار وتحديدا ما يخص وجود عناصر مسلحة منشقة تتحذ من الأراضي العراقية مقراً لمهاجمة دول الجوار وخصوصاً إيران وتركيا، وهذا الأمر يبعث برسائل غير مشجعة لهاتين الدولتين. لذا، علی الحكومة العراقية الجديدة مسؤولية إغلاق هذه المقرات وتسوية المشاكل الأمنية المتعلقة بدول الجوار.

دولياً؛ ترث الحكومة الجديدة علاقات بمستويات متفاوتة مع المجتمع الدولي وهذه العلاقات ليست نمطية بل بحاجة الی اعادة صياغة تستند إلی وضوح في الرؤية لأن العراق لا يريد أن يكون ساحة صراع ولا عامل تجاذبات دولية أو اقليمية، كما أنه لا يريد أن يكون ساحة لتصفية الحسابات مع أطراف ثالثة أو تقاطع في السياسات.

هذه التصورات أو الثوابت، بما تتضمنه من عناصر توازن سياسي، يجب أن تكون هي الأساس في مقاربة العراق لعلاقاته العربية والإقليمية والدولية، ودائماً وفق قاعدة احترام أراضي العراق وسيادته وقراره وعلاقات حسن الجوار.. واستناداً إلی مبادیء الدستور العراقي والعملية السياسية التي قامت علی مبدأ الديمقراطية وصناديق الاقتراع.

لا أعتقد أن هذه التصورات الأولية المطروحة على الرئيس محمد شياع السوداني سهلة المنال ولا هي في متناول اليد وانما هي صعبة ومعقدة إلّا أن رحلة الألف الميل تبدأ بخطوة واحدة اذا توفرت الإرادة والجرأة والشجاعة لأن بعض الاجراءات تحتاج إلی عمليات جراحية معقدة لكنها ممكنة.

إقرأ على موقع 180  عقوبات أميركا.. إنكشاف قوة لم تعد عظمى!

أتمنی أن تنجح حكومة الرئيس محمد شياع السوداني في اهدافها وأن تكتب في سجل التاريخ أنها وضعت العراق على سكة تصحيح المسار.. ولا مناص من أولوية التصدي للفساد، آفة الآفات، صوناً للعراق وشعبه وأجياله الآتية.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  الثقافة ملاذنا كي لا تُميتنا السياسة.. "صالون 15" نموذجاً