صغار المودعين يخسرون 35% من “ودائعهم المقدسة”

ألهبت الازمة المالية والاقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان منذ ثلاث سنوات أسعار كل شيء بعد ان ربطت أسعار كل السلع التي يستهلكها المواطن بسعر صرف الدولار وفق تسعيرة متصاعدة يوميا في السوق السوداء.

في هذه الأثناء، بقي السعر الرسمي لصرف الدولار الأميركي سعراً وهمياً بالنسبة للمواطن اللبناني، وإن كان هو السعر المتداول بين المصارف والبنك المركزي اللبناني. مع ذلك، دأب القادة السياسيون من الذين يتمتعون بنعيم السلطة على مدى السنوات الثلاث المنصرمة على تكرار مقولتهم ان ودائع اللبنانيين مقدسة، وبالأخص تلك المتعلقة بصغار المودعين الذي بحسب تقديرات البنك المركزي اللبناني في العام الماضي يبلغ عددهم أكثر من 800 ألف مودع تقل قيمة وديعة كل منهم عن الخمسين ألف دولار. غير ان الأرقام تظهر ان عملية وضع اليد بالقانون قد بدأت على نسبة كبيرة من ودائع هذه الفئة الاجتماعية التي ينتمي معظمها إلى الطبقة الوسطى وبطرق احتيالية احترافية من دون ان يأتي احد على ذكر كيفية التعامل مع أصحاب الودائع الكبيرة او ما يسمى كبار المودعين.

لذلك وفي ترجمة لـ”قداسة” ودائع الناس، أصدر حاكم البنك المركزي اللبناني رياض سلامة قبل أكثر من عام وأربعة أشهر التعميم رقم 158 الذي، بحسب زعمه، هدف الى مساعدة صغار المودعين على استعادة ودائعهم من المصارف وان كان على مدى خمس سنوات. وبموجب هذا التعميم أصبح يحق للمودع ان يحصل على 800 دولار موزعة على الشكل التالي: 400 دولار نقدا بالعملة الخضراء (سموها فريش دولار) وما يوازي 400 دولار بالليرة اللبنانية وفق سعر خصص لهؤلاء المودعين وهو 12 الف ليرة لكل دولار، أي ان قيمة النصف الثاني من السحب في كل مرة تساوي 4.800.000 ليرة، وكان حينها سعر صرف الدولار في السوق السوداء يساوي 15.000 ليرة لكل دولار، ما يعني ان المبلغ الذي يحصل عليه المودع بالليرة يساوي 320 دولاراً، وبالتالي بدلا من ان يتقاضى 800 دولار من 800 دولار كان يتقاضى 720 دولاراً من الـ800 دولار، وبذلك يكون المودع قد تعرض لعملية “هيركات” حينها تساوي حوالي العشرة في المئة.

ما زال القادة السياسيون يصرون في خطبهم على القول ان ودائع الناس مقدسة وأنها لن تمس. فاذ بها مست وبلغ ما يقتطع منها حتى الان 35 في المئة ومع كل صعود في سعر صرف الدولار سيكون الـ”هيركات أكبر وأكبر”

اليوم وبعد ان وصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء الى 38.000 ليرة فان مبلغ ال 4.800.000 ليرة يساوي ما قيمته 126 دولاراً، يعني بدلا من ان يحصل المودع على ما يساوي 800 دولار من وديعته الشهرية فانه يحصل على مبلغ 526 دولاراً، 400 منها نقدا بالدولار والـ400 المتبقية يتقاضاها بالليرة على السعر الذي حدده مصرف لبنان في يونيو/حزيران عام 2021 أي 12 الف ليرة لكل دولار فيما اصبح سعر الدولار في السوق السوداء اليوم يفوق 38 الف ليرة، وبالتالي يكون المودع الصغير قد تعرض لعملية “هيركات” تبلغ نسبتها حوالي 35 في المئة أي ثلث قيمة وديعته. والاسوأ من ذلك هو ان المودع لا يستطيع ان يحصل على كامل المبلغ المخصص له بالليرة اللبنانية، بل انه يحصل على نصف المبلغ نقداً والنصف الآخر عليه ان يشتري به من المحال التجارية حيث عليه ان يدفع نصف قيمة الفاتورة بالليرة نقداً والنصف الاخر بالكريدت كارد. أي ان النصف الموجود بالكارد لا يستطيع ان يحصل عليه الا عبر الشراء وعليه ان ينفق مقابله ما يساويه نقدا.

وهناك ما هو أسوأ بانتظار صغار المودعين مع الغاء سعر الصرف الرسمي للدولار (1507 ليرات) ليصبح في المستقبل القريب 15.000 ليرة. وهذا ما ورد في قانون الموازنة العامة الذي اقره المجلس النيابي في الشهر الماضي من دون ان يأتي على ذكر صغار المودعين وودائعهم التي يتقاضون نصفها على سعر صرف سيكون دون سعر الصرف الرسمي.

انها عملية نصب تمارسها المصارف بحق أكثر من 800.000 مودع تقل وديعة كل منهم عن خمسين ألف دولار، وهذه العملية تتم بغطاء كامل من مصرف لبنان وفق تعميمه الرقم 158 وبغطاء سياسي وقانوني ومالي من الحكومة والمجلس النيابي بعد إقرار سعر صرف جديد للدولار يساوي 15000 ليرة في قانون الموازنة العامة (2022) الذي قدمته الحكومة وأقره البرلمان. ومع ذلك ما زال القادة السياسيون يصرون في خطبهم على القول ان ودائع الناس مقدسة وأنها لن تمس. فاذ بها مست وبلغ ما يقتطع منها حتى الان 35 في المئة ومع كل صعود في سعر صرف الدولار سيكون الـ”هيركات أكبر وأكبر”.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  قصة النجاح الروسي ضد إنكار مشجعي المنتخب الأمريكي!
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  قراءة باردة في خطاب نصرالله الفرنسي!