“حادثة العاقبية”.. صفحة جديدة بين “اليونيفيل” وحزب الله

ثلاثة عوامل أنتجت مأساة الجندي الإيرلندي الدولي شون رووني: الغموض، سوء الحظ والخوف، وبالرغم من التراجيديا التي تفطر القلب على شاب كان متوجهاً لتمضية عيدي الميلاد ورأس السنة مع عائلته في إيرلندا فانتهى جثة هامدة على قارعة الطريق في قرية العاقبية في جنوب لبنان، فإن صفحة جديدة فتحت بين قوات "اليونيفيل" وحزب الله.

لنبدأ بالغموض: تحركت في الساعة الحادية عشرة قبيل منتصف ليل الأربعاء ـ الخميس الماضي، آليتان من طراز “تويوتا” الرباعية الدفع من قاعدة الكتيبة الإيرلندية في بلدة الطيري قرب بنت جبيل متوجهتين إلى مطار بيروت وفي كل واحدة منهما أربعة جنود، من دون المواكبة المعتادة من الجيش اللبناني، وعند الوصول إلى منطقة أبو الاسود شمال نهر القاسمية (خارج منطقة عمليات “اليونيفيل”)، مضت الآلية الأولى في طريقها على أوتوتستراد السيد موسى الصدر (باتجاه صيدا) فيما ـ لسبب غير معروف ـ واصلت الآلية الثانية سيرها على الطريق البحري القديم، وهنا يكمن الغموض، إذ أن الطريق البحري القديم غير معتمد لحركة آليات قوات الطوارى الدولية في جنوب لبنان (“اليونيفيل”) من وإلى بيروت، كما أنه لا يفترض أن يضلّ السائق الطريق لسببين: الأول؛ أن المسافة التي يفترض أن تفصله عن الآلية الأولى يجب ألا تتجاوز العشرين متراً. السبب الثاني؛ أن بحوزة الجنود جهازاً متطوراً لتحديد المواقع (جي. بي. إس)، وبالتالي ليس مفهوماً لماذا اعتمدت هذه الآلية الطريق البحري القديم، وهذا ما يجب أن تجيب عليه التحقيقات مع الجنود الذين كانوا في هذه الآلية.

أما العامل الثاني فهو سوء الحظ، فقد صادف أن وصلت الآلية إلى منطقة العاقبية قرب الصرفند (قضاء الزهراني)، في الوقت الذي انتهت فيه مباراة فرنسا ضد المغرب في مونديال قطر، وكانت حشود الشباب قد خرجت من المقاهي الى الشوارع لتصادف آلية “اليونيفيل” في منطقة غير مألوف تواجدها فيها، فاعترضوا طريقها، ما أدى إلى تولد العامل الثالث الذي أنتج المأساة، أي الخوف الذي انتاب سائق الآلية وهو شاب يبلغ من العمر 23 عاماً، فقد تفاجأ الأخير بوجود عشرات الشبان الذين يتحدثون معه بغضب وبلغة لا يفهمها فحاول التملص منهم والفرار، ولكن لسوء الحظ مجدداً، داس بعجلات السيارة على قدم أحد الشبان فأخذ الأخير يصرخ من الوجع، وهو ما شحن أجواء باقي الشُبّان الذين تراكضوا في كل الإتجاهات لمطاردة آلية “اليونيفيل” التابعة للكتيبة الإيرلندية. وتبين ـ وفق التحقيقات الأولية ـ أن أحد المحتجين (وربما أكثر من شخص واحد) إستل سلاحاً فردياً ليطلق النار على الآلية ويتسبب بانقلابها بعد إصطدامها بعدد من السيارات المتوقفة على الطريق وبواجهة أحد المحال التجارية، وبمقتل السائق الشاب وجرح الجنود الثلاثة الآخرين.

وما أن وصلت أخبار الحادثة إلى الإعلام حتى بدأت القوى السياسية بإستثمارها تبعاً لموقفها وموقعها السياسي، اما الموقف الرسمي اللبناني، فقد عبر عنه باتزان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي سارع الى نشر تغريدة على حسابه الرسمي يعزي فيها قيادة القوات الدولية ويدعو الى تحقيق جدي في الحادثة، ثم زار برفقة قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، مقر قيادة “اليونيفيل” في الناقورة للتعزية والتضامن مع القوات الدولية، فيما ادانت وزارة الخارجية اللبنانية الحادثة، وأعلنت أنها تتابع باهتمام بالغ مع السلطات اللبنانية المعنية و”اليونيفيل” التحقيقات لمحاسبة المسؤولين، وتوجه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي الى العاقبية لاجراء تحقيقاته وتم تكليف مخابرات الجيش اللبناني بملف التحقيق حصراً.

صادف أن وصلت الآلية إلى منطقة العاقبية، في الوقت الذي انتهت فيه مباراة فرنسا ضد المغرب في مونديال قطر، وكانت حشود الشباب قد خرجت من المقاهي الى الشوارع لتصادف آلية “اليونيفيل” في منطقة غير مألوف تواجدها فيها، فاعترضوا طريقها، ما أدى إلى تولد العامل الثالث الذي أنتج المأساة، أي الخوف الذي انتاب سائق الآلية

أما عن موقف ثنائي حركة امل وحزب الله، فلم يكن مفاجئاً ان يتوجه وفد من قيادة حركة امل على الفور الى مقر قيادة “اليونيفيل” في الناقورة للتعزية (ضم الوفد النائبين عناية عز الدين وعلي خريس والنائب السابق علي بزي) خاصة وان منطقة العاقبية ـ الصرفند تعتبر معقلاً سياسياً وشعبياً لحركة امل، ولكن ما كان مفاجئاً هو موقف حزب الله الذي تدرج في خطواته، بدءاً من اتصال غير مباشر من مسؤولين حزبيين كبار بمسؤولين محليين في “اليونيفيل” والطلب إليهم إبلاغ رسالة الى قيادة القوات الدولية مفادها أن لا علاقة للحزب بالحادثة مع الاستعداد لارسال وفد الى الناقورة للتعزية اذا كان الأمر لا يُشكّل إحراجاً لقيادة “اليونيفيل”، ومن ثم صدور تصريح لافت للإنتباه عن مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا لوكالة “رويترز” اعلن فيه تعازيه لقيادة “اليونيفيل” وطالب بعدم زج اسم الحزب في هذا الامر في الحادثة؛ لتستكمل هذه الخطوة بأخرى تحصل للمرة الاولى في العلاقات بين حزب الله وقيادة “اليونيفيل”، وهي الاتصال الهاتفي الذي اجراه صفا بقائد “اليونيفيل” اللواء ارولدو لاثارو ليعرب خلاله عن تعازيه الحارة بإسم قيادة حزب الله وبالتالي براءة الحزب من هذه الحادثة. ولتتابع هذه الخطوة بانضمام النائب عن حزب الله ابراهيم الموسوي الى وفد لجنة العلاقات الخارجية في المجلس النيابي خلال توجههم لتقديم العزاء إلى قيادة “اليونيفيل”.

إقرأ على موقع 180  ناغورنو قره باخ: جيب صغير، عداء كبير، مصالح ضخمة

ان خطوات حزب الله المتدرجة لتأكيد براءته من الحادثة لا تنتهي فقط الى هذا الهدف، فهي المرة الاولى التي يقوم فيها الحزب بهذا العدد الكبير من الخطوات الايجابية تجاه القوات الدولية في غضون أربع وعشرين ساعة، ويكمن وراء هذه الخطوات التقدير الايجابي لدور رئيس البعثة الدولية وقائدها العام اللواء لاثارو لطمأنة حزب الله بعد صدور قرار مجلس الامن الدولي الاخير الذي اكد على حرية حركة “اليونيفيل” في تنفيذ مهامها مع أو من دون الجيش اللبناني، في منطقة عملها جنوب نهر الليطاني، فكان أن سارع لاثارو إلى التأكيد أن “اليونيفيل” ستحرص على تنفيذ مهمامها دائماً بالتنسيق مع الجيش اللبناني حليفها الاستراتيجي في جنوب لبنان.

ومن يُراقب تدرج موقف حزب الله الهادف إلى لملمة آثار وذيول حادثة العاقبية، يستنتج أن حزب الله يحاول التأكيد للأمم المتحدة كما للمجتمع الدولي أن صفحة جديدة تُفتح مع القوات الدولية وأن أداءً مختلفاً سيحكم علاقة الطرفين في المرحلة المقبلة. ولكن وكي لا يبنى على الزبيبة خمّارة، كما يقول المثل الشعبي، لا بد من انتظار القادم من الأيام لمعرفة دقة هذا الأمر، ولكن الى ذلك الحين، يمكن القول إن ملف حادثة العاقبية قد طوي بمعزل عن امكانية توقيف من اطلق النار او عدم توقيفه، فان تم توقيفه سيتم التعاطي معه على انه حادث فردي لا خلفيات حزبية وراءه وان لم يتم توقيفه فان الحادثة ستسجل ضد مجهول وتبقى عالقة في أروقة التحقيقات.. إلا إذا كان هناك من يريد دولياً التسلل من خرم الحادثة، لغايات أكبر.. فلننتظر ونترقب كيف سيتصرف الإيرلنديون في هذه الحالة.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  لبنان وصندوق النقد: المسار المُرّ