ذات تشرين، في مستشفى الرسول الأعظم ببيروت، وضعت زوجتي مولودها الأول. قرّرت الطبيبة تقديم موعد ولادتها، فركبتُ طيّارة وراء طيارة لأصل إليها لحظة الولادة تماماً. في رواق ذلك البهو، وجدتُ أمّها في حالة من البهجة لا يُشوّشها ترقبٌ ولا انتظار.
ذات تشرين، في مستشفى الرسول الأعظم ببيروت، وضعت زوجتي مولودها الأول. قرّرت الطبيبة تقديم موعد ولادتها، فركبتُ طيّارة وراء طيارة لأصل إليها لحظة الولادة تماماً. في رواق ذلك البهو، وجدتُ أمّها في حالة من البهجة لا يُشوّشها ترقبٌ ولا انتظار.
قارب اتفاق وقف الأعمال العدائية بين "إسرائيل" ولبنان إنهاء عامه الأول، وللمناسبة توجّهت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة إلى لبنان جينين هينيس بلاسخارت إلى نيويورك وقدّمت إلى مجلس الأمن الدولي إحاطتها حول تنفيذ الرقم 1701 مدى العام المنصرم. وكان لافتاً للانتباه في تقرير بلاسخارت إشادتها بالتقدم الذي أحرزته القوات المسلحة اللبنانية في معالجة مسألة السلاح خارج سلطة الدولة، "ولا سيما في منطقة جنوب نهر الليطاني" وإشارتها "إلى أن وجود الجيش الإسرائيلي شمال الخط الأزرق والنشاط العسكري الإسرائيلي المتكرّر في جميع أنحاء البلاد "يُشكّل انتهاكًا لسيادة لبنان وسلامة أراضيه".
لطالما شكّل الشريط الحدوديّ الجنوبيّ في لبنان أكثر من مجرّد خطٍّ فاصلٍ على الخريطة؛ فقد كان عبر عقودٍ طويلةٍ فضاءً اجتماعياً واقتصادياً غنياً، حيث تتشابك حياة السكان مع تفاصيل المكان بشكلٍ عضويٍّ. هذه القرى والبلدات لم تكن مجرّد مواقع سكنية، بل كانت مساحاتً يوميةً تُمارَسُ فيها الزراعة، وتُبنى فيها روابط القرابة، وتُحيَى فيها الطقوس الاجتماعية والدينية.
شكَّل سؤال الحكم (اليوم التالي) في قطاع غزة إحدى أبرز المعضلات أمام الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما بعد أن طرح بنيامين نتنياهو محدداته الرئيسية للنظام المنشود في القطاع: نظام محلي لا يُعادِي "إسرائيل"؛ لا يرتبط بأية بنية وطنية فلسطينية، لا من "حماس" ولا من "فتح"، مع رفض سياسي إسرائيلي لعودة السلطة الفلسطينية في رام الله لتولِّي المسؤولية، برغم التقديرات المختلفة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
يعيش أبناء عيترون والقرى الأمامية الأخرى هاجس إعادة الإعمار، بعد توقف الأعمال الحربية منذ 27 تشرين الثاني/نوفمبر، أي منذ نحو ستة أشهر. وقد أصبح جليًا أننا نعيش لحظة مختلفة عن تلك التي شهدناها غداة حرب تموز/يوليو 2006، فعلى الرغم من مرور الوقت، ما زالت المقاربة السائدة تُختزل في إعادة ما تهدّم إلى ما كان عليه، متغافلة عن الأسئلة الأعمق المرتبطة بمصير الناس والبلد.
شكَّلت عمليةُ "طوفان الأقصى" نقطةَ تحوُّلٍ فارقةً في طبيعة الصراع، ووضعت الاحتلالَ "الإسرائيليَّ" أمام تحدٍّ وجوديٍّ، فلم يكتفِ بالرد، بل فعَّل استراتيجية هجومية متدحرجة تجاوزت غزة، لتطال الجبهتين اللبنانية والسورية، في محاولة لإعادة هندسة البيئة الأمنية المحيطة، وفرض وقائع ميدانية جديدة تُفضي إلى تغيير الجغرافيا السياسية في أكثر من ساحة.
الغارة التي شنّتها الطائرات "الإسرائيلية" على الضاحية الجنوبية لبيروت فجر عيد الفطر والتأييد الأمريكي لها كما للغارة التي سبقتها قبل أسبوع وما تسرّب من شروط طرحتها الإدارة الأمريكية على لبنان، تُذكرُنا بقصة "أزعر الحي" ومعلمه.
الإعصار آتٍ إلى الشرق. العربُ قبل غيرهم هم المستهدَفون. وجودياً هذه المرة لا سياسياً فحسبُ. كيف ولماذا؟
منذ اللحظة الأولى لتوقف العدوان الإسرائيلي فجر 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تدفّق الأهالي نحو الجنوب اللبناني يبحثون عن شهدائهم وما يزالون. ومنذ ذلك اليوم يكاد لا يمرّ يومٌ دون انتشال شهداء وتشييع آخرين، حتى بعد التشييع الكبير لسيد شهداء الأمة السيد حسن نصرالله، ليرسم مشهدية ما بين تشييعين، أوله هنا عن الشهداء، وثانيه عن "السيد" يأتي.
التقيت بالصديق هادي، وهو من بلدة كفرتبنيت في جنوب لبنان، البعيدة نسبياً عن الحدود، وقد نالت حصتها من الدمار، وعاد إليها مع عائلته بعد التهجير القسري الذي فُرض عليهم خلال العدوان "الإسرائيلي" الأخير على لبنان. قال لي هادي إنه كان محظوظاً لأن منزله ما يزال موجوداً مع بعض الأضرار التي سارع إلى اصلاحها والتي اقتصرت على النوافذ والأبواب فقط.