أيُ مسيحٍٍ يُولد في لبنان 2022؟

ميلاده كان علامة تغييرٍ جذري في عالم يتغلب عليه الشر، لكن في لبنان المصلوب ألف مرة ومرة، أي رسالةٍ يحملها الناصري هذا العام؟

يولدُ الطفل الصغير وفي لبنان ألف هيرودسٍ وأكثر. هيرودس قتلَ الأطفال دون العامين لكن هيرودسيي لبنان قتلوا شعباً بأكمله من دونِ تمييزٍ بين عجوزٍ وامرأة و”شاة وبعير وشجرةِ نخل”!

يولدُ الناصري وشياطين المصارف ومنظومةُ النهب المرتبطة بها عضوياً لم ترتوِِ بعد من دماء اللبنانيين التي أوغلت فيها.. نعم هيرودسيو لبنان أفظع من هيرودُس نفسه. نجا الطفل من المقتلة، لكن في لبنان يسارعون ويتحلّقون حول مغارة الفقراء والبؤساء لخنقه ولا يتركوا عائلة يوسف النجار تهرب لا إلى مصر ولا حتى عبر قوارب الموت..

لا يكاد يولد الناصري في لبنان حتى تراه يُصلَب. إنْ نجا من الحرب قتلته مافيا ميليشياتها التي استولت على السلطة مع آلهة المال ومصارفه. نهشَتْه أرضاً وشعباً ومستقبلاً وأجيالاً متوارثة.. كلُ ما وصل إليها نهبته، وكلما وقف بوجهها يوحنا محذّراً أو نبيٌ ينبّه من رقصة صالومي المالية – السياسية، قطعتْ رأسه ولم تحترم آداب الموت والدفن.

هذه المنظومة ارتكبتْ أسوأ من كل إرهاب العصر ومن كل تنظيماته. قوى الإرهاب المتطرفة تَدّعي العودة إلى ماضٍ شوهت قراءته، لكنّ منظومة لبنان تلبّست لبوسَ العفّة والمدنية و”الليبرالية” بكل أوجهها السياسية والمالية والإقتصادية وباسم كل هذه الشعارات، ذبحت شعب لبنان من دون أن يرف لها جفن. حتى تنظيمات الإرهاب لديها قواعد، لكن إرهاب لبنان السياسي تجاوز كل قواعد وأعراف.

وهل تراه يشكُ القارئ بما ذُكر أعلاه؟ لو بقي التوحش مقتصراً على المنظومة والسياسيين لقلنا إنها فقط مسؤولية خلفاء هيرودس الذين تجاوزوه. لكن الحالة التوحشية للمجتمع التي وصفها توماس هوبز باتت متغلغلة ومترسخة في المجتمع. إن كان صاحب المتجر فيه ذرة رحمة فأين تهرب من مالك مستشفى يُحظّر دخولك قبل دفع “المبلغ المرقوم” بالدولار؟ وأين تنجو كمواطن من مافيا الدواء وتجاره؟ إن ترككَ تاجر المواد الغذائية بحالك، لاحقكَ صاحب المقهى بزيادات غير مفهومة.. إن تكلمتَ وانتقدتَ انتفضَ قضاءٌ لا يريد القبض على رياض سلامة ويسعى بكل قوة لإطلاق موقوفين بقضايا فساد عابرة للطوائف في دوائر الدولة. وإن غامرتَ بدخول دوائر دولةٍ عفِنة، تربَّص بك صاحب الطوابع الذي يؤشّر لك بصوت التواطؤ: “إنتَ بتعرف إنو هودي سوق سودا”؟

أي مسيح سيولد في لبنان ٢٠٢٢؟ سيكون مسيحاً يقول لهم إن إبليس الذي لاحقه في البرية أرحم من أبالسة لبنان بكثير. سيقول لهم إنّ شعب اليهودية والسامرة والجليل أفضل من شعبٍ يتظاهر من أجل سنتات لكنه يسكت عن وصول الدولار إلى مشارف الخمسين ألف ليرة! هو مسيحٌ صارخٌ بأكثر من سوط على من حوّل لبنان وقفَ الله إلى مغارة دائمة للصوص!

أي مسيح هذا الذي سيولد في لبنان في ظل كل ما نعانيه كمواطنين؟

النفسية الإجتماعية لمجتمعات المشرق ولبنان ضمنها، يوسوس فيها شيطان الفردية الأنانية ولو على دماء كل المجتمع.. بالتالي، ما همَّ أولئك الذين يَسكرون من دماء شعبٍ هو أصلاً متواطئ مع جلاديه؟

هل يحثّهم المسيح هذا العام على طرد تجار الهيكل بالسوط؟

قيل إن شعب لبنان انتفض ذات ١٧ تشرين فاستولت عليهم دوائر الNGO وإذا بعد ثلاثة أعوام تنكشف الكذبة الكبرى وتعود الطوائف ومصالح المصارف لتذبح كل محاولة إصلاحية انبرتْ لها قلةٌ تؤمن بما طالب به المسيح وثارَ عليه.

أي رسالة يحملها المسيح هذا العام؟ ألم يضج الفريسيون في الهياكل هائجين كلما مُستْ مصالح المصارف ودَبَّجوا المخارج في لجانِ الهيكل الكبير الكائن في ساحة النجمة؟ في فلسطين تركوا له ٣٣ عاماً لكن في لبنان لا يتركوا له ولو عاماً واحداً. الوسائد وكل وسائل خنق الطفل المولود في مذود، جاهزة. أما شعبه فيُهلل لهيرودس وقيافا والفريسيين. إصلبه إصلبه صاح الإعلام الممسوك! أليس الجزء الأكبر من الإعلام دجالاً أكثر من كهنة الفريسيين أنفسهم؟ ألم يضج ويعربد كلما حقق قاض بأموالٍ محولة ومهربة وحرّف الوقائع؟

أيُ مسيحٍ هذا الذي سيولد في لبنان العام ٢٠٢٢؟

سيكون مسيحاً يقول لهم إن إبليس الذي لاحقه في البرية أرحم من أبالسة لبنان بكثير. سيقول لهم إنّ شعب اليهودية والسامرة والجليل أفضل من شعبٍ يتظاهر من أجل سنتات لكنه يسكت عن وصول الدولار إلى مشارف الخمسين ألف ليرة! سيسأل عن مجوسٍ لا يعرفون كيف يساعدون شعباً يصفّق لجلّاديه كل أربعة أعوام ويدّعي التدين وحماية الدين وطوائفه! هو مسيحٌ سيقول ما صرخ به في عظةِ الجبل أضعافاً.. هو مسيحٌ صارخٌ بأكثر من سوط على من حوّل لبنان وقفَ الله إلى مغارة دائمة للصوص! هو مسيح لن يتركوه ٣٣ عاماً ليحملوه إلى الجلجلة، هو مسيحٌ سينكره أكثر من بطرس وربما يشكُ به أكثر من قائد مئة بدلاً من الإيمان به!

إقرأ على موقع 180  الفاتيكان ولبنان: إهتمام وغضب ومنح تربوية

مسيحُ لبنان غارقٌ بلبنانيته. يريد الإنتفاض عليها لكنَّ أهل البيت صامتون بأغلبيتهم. لا يهزهم نقاش حول مستقبلهم ولا يكترثون بما يخطط لهم هيرودسيوه الكثر.

هذا المسيح لو قُيضَ له لحملَ أكثرَ من سوطٍ لكن لوجد أقلّ من اثني عشر يتبعونه لأن الغالبية الساحقة ركعت أمام حراس الهيكل المصرفي الذي جعلوا منه عجلاً ذهبياً يذبحون له القرابين! سيشكُ أكثر عندما يرى حراس الشر من بينهم رجال دين بدلاً من رجال دنيا.

هل تراه يشك القارئ بما ذُكرَ أعلاه؟ حسناً أنظروا حولكم أيها اللبنانيون وستجدون أنكم لستم فقط في جحيمٍ صنعتموه بأيديكم بل مسرورون كلما وقفتم كالمغفلين أمام سرقات هيكل المصارف وزبانية الحاكم، وكلما سمحتم لوسائل إعلام أن تضحك عليكم بفتات إعلانات تُموّل من ودائعكم!

مسيحُ لبنان الذي سيولد في العام ٢٠٢٢، هو أكثر من ثائرٍ على الظلم وحامل رسالة أقوى من قيامته لأنها بحجم كونٍ من الإجرام بحق شعب كامل!

ولكن برغم هذه الصورة القاتمة، يبقى أمل القيامة موجوداً. إنه فعل إيمان لولاه لقتلت البشرية نفسها لو لم ترى أو تسهم في صنع أسطورة الخلود في ما وراء الحياة القصيرة.. لكن القيامة هذه مرتبة بتحول أجيال وانتفاضِ وعيٍ وانقراض طبقة الهيرودسيين التي لم تشبع من الدماء.. فالرهان معها ليس على شعب نائم أو نخب خادعة تخدّر شعبها وتضلله بل فقط على الزمن.. وعلى خارج رحوم أكثر من اللبنانيين في حق بعضهم البعض!

Print Friendly, PDF & Email
ميشال ن. أبو نجم

صحافي وباحث سياسي لبناني

Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  حوار بين صديقين: نعم، يُمكن ويجب إستعادة المهاجرين المسيحيين (1)