زلزال لبنان الدائم.. والجحيم الموعود

أصاب اللبنانيين هلعٌ كبيرٌ جراء زلزال شباط/فبراير 2023. تتحالف ضدهم كوارث من صنع البشر وأخرى طبيعية.. بعضها من صنع النظام السياسي-الاقتصادي، وبعضها من صنع الأقدار.

هنا ينبري السؤال الآتي: هل تحالفت قوى السماء والأرض وما في باطن الأرض لسلب ما يملكون، وما كانوا يملكون من الأشياء المادية، ومن سوية عقلية أو استقرار نفسي، إذ دخلوا المصير المجهول من بابه الواسع. يدخلون هذا الباب ويصلون الى الآتون وهم “منتوف ريشهم”، خائرة قواهم. يخضعون لإذلال الطبيعة لهم، كما إذلال طبقة حاكمة لا تقل عن زلازل الطبيعة قسوة عليهم وهزءاً بهم وسخرية منهم!

حلّ اليأس والإحباط باللبنانيين بعد ثورة تشرين/أكتوبر 2019، مقابل النصب الذي يمارسه النظام السياسي، والسلب الذي يمارسه النظام المصرفي، والعجز الذي تصر السلطة على “التحلي به”، وطلب العزلة والانعزال لدى الطوائف على تنوعها، والتراجع العقلي والأخلاقي لمن يبقى في البلد، وعكس ذلك لمن يخرج منه. ألا نرى الهجرة صارت ملاذاً لسوية ذهنية وعصبية، إضافة الى البحث عن سبل العيش؟ ما معنى التمسّك باتفاق الطائف، مداهنة أو قناعة، مع تعطيل الدولة والنظام وتدمير السوية الذهنية؟ ألم يكن اتفاق الطائف أداةً لإنهاء الحرب الأهلية واستعادة الدولة لقواها؟ ألا يتناقض التمسّك باتفاق الطائف وتدمير الدولة والنظام تناقضاً كلياً؟

الزلزال الطبيعي ينتج عن تصادم ما تحت الأرض يُفرّغ طاقات هائلة، أما عندنا فالصدام بين طوائف المجتمع هو ما يؤدي الى فقدان الحيوية لدى المجتمع، عدا الطاقات التي تتجمّع لدى الطبقة الحاكمة بما يجعلها قادرة على سلب المجتمع مادياً وروحياً. وكلاهما ينتج عنه خراب ودمار وقتل وتشريد.

على كل حال، زلازل الانفجارات (المرفأ وغيره) والاغتيالات والسلب ثم الإفقار المفاجئ لا تقل فداحة عن زلازل الطبيعة، أو لا تقل أثراً وإن اختلفت الطاقة المسببة، كماً ونوعاً. أحد المشتركات بينها هو تجهيل الأسباب والنتائج. يراد لنا أن نبقى في عتمة ليل طويل.

لا نعرف عن الحدث إلا أنه حدث، أما الأين، والكيف، واللماذا، فلا سبيل الى الجواب عليها. أليس هذا ما يفعله زلزال الأرض؟ كنا في المعلوم ونذهب الى المجهول. حتى الآن، والحمد لذلك، لا إصابات من جراء الزلازل الطبيعية التي نسميها هزات، أما الزلازل السياسية والاجتماعية، وما يفعله حكام لبنان، العلنيون والمستترون، فهي أدت وربما تؤدي الى الكثير الكثير من الإصابات وخراب البشر والحجر. فهل نحن تحت وطأة زلزال دائم؟

ما حقّقته دولٌ كاليابان ومثيلاتها يدعو الى الإعجاب، وما حققته دولنا يؤدي الى الاحتقار. احتقار الناس للسلطة واحتقار السلطة للناس، بما يعني فقدان الشرعية. لا يستطيع أهل العلم الحديث، من جيولوجيا وغيرها، توقّع الزلازل بزمانها ومكانها، لكن أهل السلطة يستطيعون توقّع نتائج الزلازل متى حصلت وأخذ الاحتياطات والتحسّب للطوارئ وأعمال الإغاثة

في البلدان الأخرى حيث الزلازل طبيعية، تهرع الدولة وبعض القوى الخارجية للمساعدة، إن كان لغوث الذين فقدوا منازلهم، أو على المدى البعيد لإعمار ما تهدم، إضافة للاهتمام اللاحق بمعرفة الإصابات المميتة، خاصة أنه يتعيّن انتقال ملكية العقارات والأموال الى الأحياء، وإلا صارت الملكية نوعاً من المشاع الذي لا يملكه أحد.
هشاشة البناء حيث وقعت زلازل الطبيعة أدت الى ضخامة الخسائر في الأرواح والملكيات، وما ذلك إلا نتيجة تواطؤ السلطة مع أصحاب ومتعهدي بناء العقارات؛ هذا التواطؤ ليس نتيجة فساد وحسب، بل يتعلّق ببنية النظام والعلاقات السائدة في دوائر السلطة، وبين السلطة والطبقة العليا، إذ تعمد هذه الى زيادة أرباحها من عقود البناء بمخالفة القوانين، وأحيانا بالتقيّد بقوانين لم تعد تصلح لمرحلة ازداد فيها السكان زيادة كبيرة، وازداد الطلب على المساكن. زيادة الأرباح تنتج عن خفض الكلفة باستعمال مواد سيئة أو أقل جودة مما يجب، او زيادة أسعار البيع. إن قوانين البناء وتحديثها وإصلاحها وتطبيقها هي في النهاية مسألة وجود وهيبة الدولة. وجودها كدولة لا كمجرد سلطة لأعالي الطبقات، وهيبتها أو بالأحرى جديتها في تطبيق القوانين على الجميع، والأهم من كل ذلك إلتزام السلطة بمصالح شعبها الراهنة والمستقبلية، دون تمييز أو محاباة. إلتزامٌ يعني تطبيق القوانين مع احترام حقوق الطبقات الأدنى، وأهمها السكن.

ما حقّقته دولٌ كاليابان ومثيلاتها يدعو الى الإعجاب، وما حققته دولنا يؤدي الى الاحتقار. احتقار الناس للسلطة واحتقار السلطة للناس، بما يعني فقدان الشرعية. لا يستطيع أهل العلم الحديث، من جيولوجيا وغيرها، توقّع الزلازل بزمانها ومكانها، لكن أهل السلطة يستطيعون توقّع نتائج الزلازل متى حصلت وأخذ الاحتياطات بسن القوانين الملائمة وتطبيقها والتحسّب للطوارئ وأعمال الإغاثة. إن التعاون أمر معروف بعد كل كارثة، لكن جعل التعاون دائماً عن طريق القانون والتطبيق والتدريب أمر واجب وإلا تكون الدولة مستحيلة، والسلطة على غير خدمة الناس، بل بالتواطؤ مع أصحاب الثروات.

الفساد أصيل في البنية الرأسمالية، لكن دولاً يكون فيها الفساد مصاحباً للعمل والإنتاج والخدمة للناس، ودولاً مثل ما هو موجود في منطقتنا يقتصر فيها الفساد على نفسه، فلا عمل ولا إنتاج ولا خدمة للناس، بل لا إهتمام بحياة الناس ومصيرهم؛ فهم في نظر هذه السلطات مجرد قطيع متشكل من رعايا لا لزوم لهم إلا أن يخضعوا. وأحياناً أن يموتوا أو يُهجّروا. سلطات الاستبداد تريد دائماً شعوبها حسب مزاجها وليس أن تكون هي حسب مزاج الناس. يحكمون الناس وكأنهم أموات.
أدت سياسات السلطة عندنا، في لبنان، إلى زلزال إجتماعي يشبه في نتائجه الزلازل الطبيعية في بلدان أخرى. فصيلة الزومبي المتخيلة تتشكّل من أموات أحياء، أموات يمشون على الأرض. صرنا كذلك أحياء لا يرزقون. الذي شبّه ذلك بالجحيم كان محقاً. ربما لم يكن ذلك ما أراد أو تمنى. لكن هذا ما حدث.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  مجدداً.. الأمن المطلق وهم مطلق!
الفضل شلق

مثقف وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  إغتيال العاروري، هروبٌ من مأزق غزة.. أي إنعكاس على جبهة لبنان؟