ما هي استراتيجية الإصلاحيين الإيرانيين لملاقاة أمريكا الترامبية؟

وصول مسعود بزشكيان إلى السلطة في إيران يُعتبر دون شك انتصارًا كبيرًا للإصلاحيين الإيرانيين. تولّى الرجل رئاسة دولة إقليمية وازنة في لحظة اندلاع صراع هو الأول من نوعه مباشرة بين إيران وإسرائيل، وذلك في سياق دينامية صراعية أطلقها السابع من تشرين الأول/أكتوبر على أرض فلسطين المحتلة، قبل أن تتمدد إلى ساحات أخرى في كل من لبنان واليمن والعراق وسوريا وإيران.

هذا الوضع الإقليمي الإستثنائي وغير المسبوق، يضع الرئيس الإيراني الإصلاحي أمام خيارات صعبة للغاية، ويجعل سياسته الخارجية الهادفة إلى تخفيف التوتر مع الغرب تكاد تبلغ الطريق المسدود، لولا محاولات من هنا ومن هناك لرأب الصدع، وجديدها الإجتماع الذي سيعقد في جنيف يوم الجمعة المقبل بين ممثلي الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) وإيران.

وضع مسعود بزشكيان في سلم أولوياته الخارجية قضايا هامة مثل الملف النووي الإيراني؛ رفع الحصار الاقتصادي الغربي (ولا سيما الأمريكي) المفروض على إيران؛ تطبيع العلاقات مع الإتحاد الأوروبي؛ تحقيق توازن في العلاقات مع روسيا والصين؛ واستشراف إمكانية إجراء حوار مباشر مع الولايات المتحدة، فضلاً عن المضي في تعزيز سياسة حسن الجوار وخصوصاً مع السعودية وباقي دول الخليج.

مع وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، أصبح استمرار هذا النهج أكثر صعوبة بالنسبة للرئيس الإيراني، بخاصة أن الدول الأوروبية الثلاث، بريطانيا وألمانيا وفرنسا، قرّرت اتباع سياسة تصعيد الضغط تجاه الملف النووي الإيراني في مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وإلى جانب ذلك، يواجه الرئيس الإيراني احتمال الرد الثالث من إيران على إسرائيل، تحت عنوان “عملية الوعد الصادق 3″، وفي هذا السياق، قال علي لاريجاني، كبير مستشاري السيد علي خامنئي، لوكالة “تسنيم” الإيرانية إن القادة العسكريين وكبار المسؤولين في البلاد “يستعدون للرد على الكيان الصهيوني، وإن مبدأ معالجة حسابات إسرائيل لا يزال قائمًا”.

لقد ضعف الاقتصاد الإيراني مقارنة بفترة ترامب الأولى. الآن نواجه خيارين إثنين: إما أن نتخلى عن الرؤية غير الواقعية ونبادر إلى فتح حوار مع الإدارة الجديدة، أو أن ننتظر ضربات اقتصادية وسياسية جديدة حتى نُقرّر الدخول في المفاوضات لكن في ظل موقف أضعف

في ظل هذا المناخ السياسي الصعب والمعقد، كيف يتعامل الإصلاحيون الإيرانيون مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة في أمريكا، وما هي رؤيتهم الإستراتيجية وماذا ينتظرون من الجانب الأمريكي في المقابل؟

الجواب يأتي من خلال عرض وجهة نظر ثلاث شخصيات من رموز الإصلاحيين الإيرانيين: محمد مهاجري وفياض زاهد، (الإثنان من الشخصيات البارزة في التيار الإصلاحي، ونُشرت لهما مقالة مشتركة في صحيفة “اعتماد” الإصلاحية)، وجلال خوش چهره، الكاتب والصحفي الإصلاحي الإيراني، الذي كتب مقالة منفصلة في موقع “خبر أونلاين” الإيراني. هذه المقالات نحاول تقديمها للقارىء العربي في قالب مشترك يعكس وجهة نظر الإصلاحيين حيال استحقاق وصول ترامب إلى البيت الأبيض:

“تمر بلادنا بمرحلة تاريخية مهمة تجعلها بأمس الحاجة للبحث عن الطريق التي تساعدها على الخروج من الأوضاع التي فرضت عليها وذلك بغض النظر عن وصول دونالد ترامب إلى كرسي البيت الأبيض، لأن جزءًا كبيرًا من الأزمات الديبلوماسية التي نمر بها ليست مرتبطة بشكل مباشر بواشنطن أو نتائج إنتخاباتها.

إن تعبير طهران عن عدم اهتمامها بنتائج إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة لا يعني أن أي تعامل مستقبلي مع واشنطن والمجتمع الدولي في السنوات الأربع المقبلة سيكون خارج طبيعة هذا التفاعل.. لا بل إن طهران ستواجه تجارب ربما أصعب وأكثر تعقيدًا من الماضي، إذا لم تتخذ التدابير اللازمة لإدارة الوضع الجديد.

شئنا أم أبينا، تظل الولايات المتحدة تفرض نفسها كفاعل رئيسي في المجتمع الدولي. وبرغم اعتقاد البعض أن قوة واشنطن العالمية إلى تراجع، إلا أن الجميع متفقون على أن الفجوة بين واشنطن والقوى الأخرى ما تزال واسعة. واليوم، ليست القوى الأوروبية فقط، بل روسيا والصين أيضًا تعملان على تكييف مواقفهما ونهجيهما مع المتغيرات الجديدة التي ستستقر قريبًا في البيت الأبيض.

إن التوجه شرقًا، وتحسين العلاقات مع أمريكا، وتعزيز التعاون مع الدول المجاورة كلها أمور في غاية الأهمية، لكن المشكلة الأساسية التي نواجهها اليوم هي مع أمريكا. حتى الحروب التي تشنها إسرائيل على شعبي غزة ولبنان، والهجمات المحدودة على إيران، يتم التخطيط لها أو على الأقل دعمها من واشنطن.

في مثل هذه الأوضاع، تقتضي المصلحة الوطنية أن تستعيد إيران حقها حتى وإن كان على مبدأ “استعادة الحق من بين فكي الأسد”. فقد استفاد جيراننا العرب والأتراك من العقوبات المفروضة على إيران وغيابها عن المنافسة الاقتصادية إلى أقصى حد، بينما نحن ما زلنا مكبلين بالقيود التي فرضتها العقوبات علينا.

قد يكون هناك بعض الأمل بأن ترامب قد يتخذ مسارًا مختلفًا عن الماضي، وألا يتصرف كما كان يفعل، سواءً في علاقاته مع حلفائه الأوروبيين وجيران الولايات المتحدة أو في سياساته الإقليمية في الشرق الأوسط. لكن من السذاجة أن نتجاهل مبادئ سياسات ترامب المعلنة.

اليوم، ومع عودة ترامب، فإن العالم – على الأقل في شطره الغربي – يمر بتغيير جذري، ولا ينبغي لنا أن نقف مكتوفي الأيدي. فلو ألقينا نظرة على ترتيب الفرق المتنافسة يمكن القول بجرأة أن بقاءنا ضمن قائمة فرق الدوري الممتاز حتى وإن كنا في قاع الترتيب سيكون أفضل بكثير من الهبوط إلى الدوري الثاني أو الثالث، واستمرار الصراعات هي من المنعطفات التي قد تؤدي في النهاية إلى خروجنا من الدوري الممتاز.

بقاؤنا في قائمة الدول الرائدة سيكتسب أهمية مضاعفة بخاصة إذا سلّمنا بما يُروّج له في الشارع الايراني من أن عداء ترامب لايران أشد من عداء جو بايدن لها؛ دونالد ترامب هو الشخص الذي خرج من الاتفاق النووي في العام 2018، وحقّق ما كانت تسعى إليه إسرائيل والمتشددون في الداخل (معارضو الإتفاق النووي) بشكل مشترك. إذا اكتفينا بإعادة قراءة هذه الصفحات من التاريخ القريب من دون أن نُحرك ساكناً علينا إذاً أن ننتظر القادم الأسوأ.

إقرأ على موقع 180  فيروز.. قوة لبنان الناعمة والخالدة

لكن التجربة المهمة لكل من نائب الرئيس الإيراني محمد جواد ظريف (عندما كان وزيرًا للخارجية) وعباس عراقجي (وزير الخارجية الحالي ومسؤول الملف النووي سابقًا) في المفاوضات النووية هذه المرة يُمكن أن تمنح إيران موقفًا أقوى في مواجهة الأمريكيين.

ترامب لا يزال كما كان؛ ولهذا السبب، فقد أعدّت الدول الأخرى نفسها منذ فترة طويلة لهذا الوضع واتخذت التدابير اللازمة.

ولا بد من التذكير أن سياسة التردد والتساهل ومنح الإمتيازات المبالغ بها لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من قبل إدارة جو بايدن، جعل الكثير من الأمريكيين يعتقدون أن ترامب قد يكون أفضل من الديمقراطيين لإنهاء الحروب وإيقاف الإبادة الجماعية في فلسطين ولبنان.

على الجانب الآخر، حدّد ترامب لنفسه أولويات خارجية استراتيجية: كبح جماح الصين والسيطرة على أزمات الشرق الأوسط. أما أولوياته التكتيكية، فهي: أوكرانيا، البيئة، وحصة الولايات المتحدة من نفقات الحماية الأمنية في حلف الناتو.

إيران، بدورها، تواجه ظرفين خاصين: الأول، فترة الشهرين المقبلين حتى استلام ترامب السلطة، والثاني، فترة الأربع سنوات المقبلة التي تشير، منذ الآن، إلى صعوبة تحسين العلاقات بين طهران وواشنطن، نظرًا لاختيار شخصيات غير مشجعة لهذه العلاقات ضمن فريق الإدارة الأمريكية الجديدة. إن تعيين ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية الأمريكي وبيت هيجسيت لوزارة الدفاع الأمريكية يعدّ بمثابة إنذار لطهران، إذ أن الإثنين يُعبّران عن مواقف أكثر تطرفًا تجاه إيران مقارنة بأعضاء الإدارة الآخرين، مما يوحي أن تعيينات ترامب تُعطي إشارة إلى اتباع النهج نفسه مع إيران.

في الشرق الأوسط، إذا لم تتكيف إيران مع الواقع الجديد، ستواجه ضغوطًا متزايدة. يعتقد البعض أن الصين الآن أكثر استعدادًا لمواجهة ضغوط أمريكا مما كانت عليه خلال فترة ترامب الأولى، ويرى هؤلاء في السوق الإيرانية فرصة سانحة. لكن الأرقام تروي قصة مختلفة؛ فحجم الإقتصاد الإيراني أقل من 300 مليار دولار، بينما تجاوز الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة في العام 2022 حاجز الـ 360 مليار دولار، ويبلغ حجم التعاملات التجارية بين البلدين نحو ألف مليار دولار سنويًا. وبرغم أهمية إيران، يجب أن نتذكر أن إيران ليست الشريك الأول للصين في الشرق الأوسط، فنحن لا نزال خلف السعودية والإمارات.

لقد ضعف الاقتصاد الإيراني مقارنة بفترة ترامب الأولى. الآن نواجه خيارين إثنين: إما أن نتخلى عن الرؤية غير الواقعية ونبادر إلى فتح حوار مع الإدارة الجديدة، أو أن ننتظر ضربات اقتصادية وسياسية جديدة حتى نُقرّر الدخول في المفاوضات لكن في ظل موقف أضعف.

أثبتت التجربة أن المسؤولين الإيرانيين يتخذون قرارات صائبة في مواجهة الأزمات الكبرى.. ووفقًا لمبادئ الإمام الخميني، مؤسس هذا النظام السياسي، فإن الحفاظ على النظام هو من أوجب الواجبات، مما يعني التصرف وفق المبادئ السليمة حتى وإن لم تلبِ رغباتنا. لنتخيل أن إيران هي العائق الكبير أمام مخططات ترامب الاستراتيجية للشرق الأوسط، فماذا سيُقدم على فعله حيال إيران؟

هناك احتمال أن يستغل نتنياهو هذا الوقت كفرصة ذهبية لتغيير المعادلات ويحاول استدراج طهران إلى توترات تدفع الإدارة الأمريكية المقبلة إلى خيارات محددة، مستفيدًا من حالة العداء الشديد بين طهران ودونالد ترامب، وغياب أية آفاق جدية لتحسين العلاقات الإيرانية الأمريكية

ترامب بالتأكيد ليس رئيساً يميل إلى شن الحروب، لكن تجربته السابقة أثبتت أنه يعرف جيدًا كيفية الضغط على إيران. نحن لسنا قوة اقتصادية ضخمة تجعل الصين تقف في وجه أمريكا من أجلنا، وروسيا كذلك ليست حليفًا يمكن الاعتماد عليه بحيث نستفيد من العلاقات الشخصية بين فلاديمير بوتين وترامب؛ بل يجب أن نشكر الله إن لم يتم استخدامنا كضحية في ملف أوكرانيا.

إذا اعتبرنا أن سياسة إدارة ترامب بعد استلامها السلطة في العشرين من كانون الثاني/يناير المقبل ليست ذات أولوية الآن، فإن الفترة الفاصلة بين الآن وموعد استلام ترامب في المكتب الأبيض تحمل أهمية كبيرة وفرصاً عديدة لأحداث غير متوقعة، بخاصةً في ما يتعلق بالوضع في الشرق الأوسط وتصاعد التوتر بين طهران وتل أبيب. بنيامين نتنياهو، الذي أبعد أهم منتقديه عن حكومته الائتلافية الضعيفة، يأمل في عودة ترامب ويرى في هذا الوقت فرصة لتعزيز مغامراته ليس فقط في غزة ولبنان، ولكن أيضًا ضد إيران.

هناك احتمال أن يستغل نتنياهو هذا الوقت كفرصة ذهبية لتغيير المعادلات ويحاول استدراج طهران إلى توترات تدفع الإدارة الأمريكية المقبلة إلى خيارات محددة، مستفيدًا من حالة العداء الشديد بين طهران ودونالد ترامب، وغياب أية آفاق جدية لتحسين العلاقات الإيرانية الأمريكية، كما يُمكن لنتنياهو أن يستفيد من القيود التي يواجهها جو بايدن في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، حيث يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الساحة ممهدة حاليًا لأي مغامرة يريد خوضها في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، قد يرى نتنياهو في ميول فلاديمير بوتين نحو تحسين العلاقات مع واشنطن بعد انتخاب ترامب فرصة لتشكيل محور “واشنطن-تل أبيب-موسكو”، مما قد يخلق واقعًا جديدًا ينعكس سلبًا على محور المقاومة ويدفع طهران للتراجع عن مواقفها.

طهران، من جانبها، أكدت مرارًا أنها مستعدة لأي سيناريو، ومع ذلك، لم تظهر بعد مبادراتها بوضوح للمراقبين في ظل هذا الوضع الجديد. فهل ستسمح لتل أبيب بالتصرف كما تشاء؟

الأيام القادمة قد تحمل في طياتها أحداثًا هامةً”.

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  الأمن القومي الروسي في قلب أوروبا!