ملحمة العودة.. مسيرة لن تنتهي!

العودةُ إلى فلسطين حُلْمٌ دائمٌ مُقيمٌ، دُفِعتْ من أجله التضحيات الجسام على مدى الأيام، لكنّ يومَ 15 أيار/مايو، يوم النَكبةِ بالتحديد، له طَعْمٌ خاص.

من الوفاء أن تزحف الحشود من دُوَل الطوق، صوب الحدود مع فلسطين، “فِتُطوِّق شعبها بالحب”، على ما قالت الكاتبة زينب قشمر.

كانت التحضيرات لـ”مسيرة العودة” (2011) باتجاه بلدة مارون الراس اللبنانية الجنوبية المطلة على فلسطين، قد قَطعتْ شوطًا كبيرًا. كلُّ الفصائل الفلسطينية في هذه الذكرى، إجتمعت في “دار الندوة” في بيروت، وكلّ القِوى الوطنية اللبنانية شاركت في التحضير.

على مدى شهر كامل والإتصالات لم تهدأ. لقد إقتنع حزب الله بهذه المسيرة وفائدتها، ونَجَحْنا بالاتصال بالقوى الوطنية المصرية، فكان قرارها بالتوجُّه من القاهرة بإتجاه مدينة رفح الفلسطينية. ونجحنا بالتواصل مع القوى الوطنية الأردنية من أجل التوجّه إلى نقطة مطلّة على القدس الشريف، من الضفّة الغربية.

تَحرُّكٌ كبير مِنْ عواصم ودول الطوق صوب المركز فلسطين.

قبل يوم من التحرّك، نام الناشطون المصريون والفلسطينيون المقيمون في القاهرة، في بلدات قريبة من غزة مُقدمةً للانطلاق إلى الحدود في اليوم التالي. حملوا الرايات والشعارات واليافطات المتمسكة بحقّ عودة الأهل إلى الديار.

وكما فَعَل المصريون، لم يتأخَّر الأهل في الأردن.

ومنذ الفجر أفاقتْ القرى والبلدات اللبنانية على جَلَبَة المُخيمات، حتى إذا انتصف النهار إذا بسلسلة من المَرْكبات تزحف نحو الجنوب، تخترق البلدات، وتقطع مسافات، وتنزل واديًا وتَطلع تلَّة.

يقترب الحشد من تلك التلَّة، التي رفعت رأس الأمة. هل بالصدفة كان اسمها مارون الراس؟

تَصمُد الأجسام النازفة، وتتقدّم أفواج جديدة للنجدة، فَتلْقى ما أصاب أخواتها مِنْ نَزْفٍ نبيل في ملحمة الطيور والزهور. أحدَ عشر شهيدًا و50 جريحًا في تلك الملحمة المشهودة

يُسمع دبيب الأقدام في كل أنحاء فلسطين، كما يُرى من الطرف الآخر كلّ صاحب بيت سُلب، أو هُدم، أو اسُتبيح. القبضات مرفوعة من خلف الرايات. تتمايل أغصان الأشجار في الجهة المقابلة كأنها تَفْهم ما يجري.

يتحرك الكابوس الرابض على صدر الضحية في فلسطين فيرى المِقصّ يَقطع السياج الفاصل بين الحدود. وما صَعُبَ أو تعذّر قطْعُه، جرى التسلّق عليه. يَرَى العدو طيورًا تحلِّق فوقه، ويرى براعم تتفتح عليه. فإذا بالمُتَخَيّل قد أصبح حقيقة، وإذا بالخيال صار واقعًا، وإذا بِمنْ احتُلّت أرضه قد صار كابوسًا على المحتل. ينهمر بالرصاص على الطيور والأزهار، فينْحر الشجر، ويُمزِّق الأوراق، ويُسمِّم البراعم بالبارود.

وبرغم ذلك، تَصمُد الأجسام النازفة، وتتقدّم أفواج جديدة للنجدة، فَتلْقى ما أصاب أخواتها مِنْ نَزْفٍ نبيل في ملحمة الطيور والزهور. أحدَ عشر شهيدًا و50 جريحًا في تلك الملحمة المشهودة.

وعلى مدى أربعين كيلومترًا بين دمشق والجولان سلسلة بشرية مُتراصة، ترسم طريق النحل الأبدي، بين الجهد والمحصول.

تضيق المسافة ما بين راية زاحفة، وأخرى مُستقبِلة في مدينة مجدل شمس، الطرف الآخر من الجولان المحتل.

وما بين قبضة وقبضة، وما بين هتاف وهتاف، وما بين نداء ونداء، خيول مدينة مجدل شمس الصامدة، تَرْمح وراياتها تُرفرف. واختلط الصوت بالصدى، وكان القَسَم المُشترك.

“نقسم بالله العظيم وبالعروبة وفلسطين، أننا سنبقى نقاوم المحتل حتى يَزول عن أرضنا”. في مجدل شمس، عين تقاوم المخْرز، وشمسُ قضية لا تَغيب.

ومرّة جديدة تتحرّك أذرعُ الكابوس الرابض على صدر الضحية في الجولان. تقتل النحل والأميرة واليعسوب، وتُسمِّم الشجر والازهار بالبارود، فيقفزُ من فوق السياج يعسوبان لا يَطالهما الرصاص، يحُطّان في القدس ويَبِيتان عند الأقارب في مملكة النحل المباركة، فتعلن إذاعة العدو عن إعتقال رجلين خَرقا السِّياج الفاصل. لاحقتهما قوات الاحتلال من بيت لبيت، ومن قبْوٍ لقبو، ومن مُتخّت لمُتخّت.

التاريخ سيعيد نفسه.. طالما هناك احتلال وما دامت هناك مقاومة.

 

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  في 7 أكتوبر.. تعرفنا على هيمنة الرجل الأبيض بأبشع صورها
هاني سليمان

عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، العضو المؤسس في المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  الحرب الإسرائيلية "عن بعد".. احتلالاً وقتلاً وتدميراً وتهجيراً