الإردوغانية تتمدد.. بقوة ضعف بديلها المفقود!

لا يمكن وصف فوز رجب طيب إردوغان في الانتخابات الرئاسية بالفوز السهل هذه المرة. كانت المنافسة على أشدها بينه وبين مرشح المعارضة كمال كيليجدار أوغلو، وانتهت بحصوله على 52.16 بالمئة من الأصوات في الجولة الثانية، وبالتالي الفوز بولاية جديدة في الحكم لمدة خمس سنوات.

كالعادة، لم تصب أصوات المدن الكبرى لإردوغان وحزبه (العدالة والتنمية)، بل راحت أغلب أصوات أبناء أنقرة واسطنبول وإزمير للمرشح العلماني المعارض، المدعوم من سبعة أحزاب تريد إقصاء إردوغان عن كرسي حكم يتربع عليه منذ عشرين عاماً. في المقابل، حصل إردوغان على أغلبية أصوات الولايات الداخلية والمدن الصغيرة والقرى في الأناضول، ومجمل المناطق المحافِظة.

ولعل أبرز ما ميّز إنتخابات الأحد الماضي أن المشاركة في شرق البلاد حيث اغلبية الكردية، لم تكن عالية، كما في الجولة الأولى. وبرغم أن كيليجدار أوغلو حصد أغلبية الأصوات هناك، إلا أن نسبة التصويت تراجعت، وهو الأمر الذي حرم خصم إردوغان مئات الآلاف من الأصوات. مرد هذا الأمر هو فقدان كتلة من مناصري “حزب الشعوب الديمقراطي” الكردي حماستهم الانتخابية، بعدما فاز حزبهم بكتلة وازنة من المقاعد البرلمانية في الجولة الانتخابية الأولى، أو ربما تلكؤ كيليجدار أوغلو في الحديث الصريح عن تحقيق بعض المطالب الكردية في حال وصوله إلى السدة الرئاسية، فضلاً عن أن محاولة كيليجدار أوغلو إستقطاب أصوات كتلة قومية متشددة بتحالفه في جولة الإعادة مع رئيس حزب “النصر” أوميت أوزداغ، الذي كان جزءاً من تحالف “الأجداد” المتشدد، كلها عوامل ساهمت في تراجع التصويت الكردي لمصلحته.

في مقابل ذلك، حقق إردوغان أرقاماً قياسية في المناطق التي كانت قد تعرضت للزلزال المدمر في 6 شباط/فبراير الماضي، وذلك حتى بالمقارنة مع نتائج الجولة الأولى من الانتخابات. ففي ولاية كهرمان مرعش، مركز الزلازل، حقّق إردوغان 75.77 بالمئة من الأًصوات، بعدما كانت النسبة التي حصل عليها حوالى 71 بالمئة في الجولة الأولى، و70 بالمئة في ولاية كيليس بعدما كانت أرقامه 65 بالمئة، و63 بالمئة في ولاية غازي عنتاب بعدما كانت حوالى 59 بالمئة.

أمام كل تخبط خطاب المعارضة السياسي والإقتصادي، في الداخل والخارج، قدّم إردوغان نفسه قائداً رفع شأن بلاده إلى مصاف الدول الكبرى، وجعل تركيا قبلة للسياحة والاستثمار ومركزاً غازياً إقليمياً ودولياً، ومصنعاً للمنتجات العسكرية والعلمية والاستهلاكية، وشريكاً فاعلاً في القضايا الدولية والإقليمية

وقد راهن إردوغان على أخطاء المعارضة التركية بعد الجولة الأولى، ولا سيما لجهة ارتفاع نبرة إنتقاد أهالي الضحايا وسكان الولايات التي تضررت من الزلزال. لم يؤدِ النقد القاسي الذي قدمته المعارضة لهؤلاء في تغيير آرائهم لمصلحة كيليجدار أوغلو، بل أحدث ردة فعل عكسية زادت من نسب التصويت لإردوغان.

وهكذا فشلت المعارضة في تحقيق الفوز الذي وعدت الأتراك به، لا بل أخذ كثيرون عليها أنها لجأت إلى الخطاب التحريضي العنصري ضد اللجوء السوري وأضراره على الاقتصاد والمجتمع، وذلك سعياً منها للحصول على أصوات القوميين الأتراك. في مقابل ذلك، كان إعلان المرشح الثالث في الدورة الأولى، سنان أوجان، تأييده لإردوغان، مفيداً للأخير، فأمّن له بضعة مئات الآلاف من الأصوات. لم يتنكر إردوغان لهذه “الخدمة”، فكان تكريم لأوجان في خطاب النصر من على شرفة القصر في المجمع الرئاسي في أنقرة في ليل النهار الانتخابي، شاكراً له “موقفه الشجاع”.

كما استفاد إردوغان من تزعزع الحملة الانتخابية للمعارضة بشكل كبير، إذ بدت غير متجانسة وغير متفقة على الكثير من الأمور سوى السعي لإسقاط إردوغان. هذه المعارضة ضمت القوميين الأتراك والقوميين الأكراد سوياً، كما أحزاباً إسلامية وأخرى علمانية، وبالتالي لم تقدّم نموذجاً ناجحاً يبث الأمل، ولا قدّمت برنامجاً سياسياً واضح المعالم، ولا قدّمت تصوراً لكيفية معالجة الأزمة الإقتصادية والمالية والنقدية المتفاقمة، بل راحت تنتقد إردوغان وأعماله لا أكثر.

ولم تقارب المعارضة بشكل عميق قضية الحقوق والحريات العامة والخاصة للأتراك، وهي القضية التي تُعرّض إردوغان للنقد القاسي في الصحافة العالمية والمنظمات الحقوقية الدولية. نعم، لم تذكر المعارضة جدياً سوء استخدام السلطة “الإردوغانية”، ولا موضوع الحريات العامة، ولا اعتقال عشرات الصحفيين، ولا حقوق المرأة إلا عرضاً. إنما اكتفت بالتصويب على إردوغان من زاوية موضوع اللجوء السوري بشكل شبه حصري، من دون توسيع مروحة الانتقاد وتنويعها، ولا سيما ما يخص حقوق كل فئات الشعب التركي.

زدْ على ذلك أن موقف المعارضة التركية لم يكن واضحاً في ما يخص موقع تركيا الإقليمي والدولي في ظل الإستقطاب الدولي المتزايد بين الولايات المتحدة الأميركية والغرب من جهة وروسيا والصين ودول حليفة لهما من جهة أخرى. كما بدا موقف المعارضة ملتبساً إزاء مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

إردوغان هو رجل استثنائي في تاريخ تركيا الحديث، رفع بلاده إلى مكانة أعلى منذ أن تسيّد على الحكم في العام 2003، إلا أن واحدة من مصادر قوته الخفية هي ضعف أخصامه الدائم

أمام كل تخبط خطاب المعارضة السياسي والإقتصادي، في الداخل والخارج، قدّم إردوغان نفسه قائداً رفع شأن بلاده إلى مصاف الدول الكبرى، وجعل تركيا قبلة للسياحة والاستثمار ومركزاً غازياً إقليمياً ودولياً، ومصنعاً للمنتجات العسكرية والعلمية والاستهلاكية، وشريكاً فاعلاً في القضايا الدولية والإقليمية. هذا كله لا يمنع من القول إن إردوغان زاد أيضاً منسوب الخطاب القومي المتشدد بشكل كبير، وربط بين نهضة تركيا وبين إستمراره على رأس السلطة!

إقرأ على موقع 180  تصعيد تركي لاستباق الوقت: إدلب على رقعة الشطرنج الدولية

مما لا شك فيه أن إردوغان رجل استثنائي في تاريخ تركيا الحديث، رفع بلاده إلى مكانة أعلى منذ أن تسيّد على الحكم في العام 2003، إلا أن واحدة من مصادر قوته الخفية هي ضعف أخصامه الدائم، وعدم قدرتهم على مجاراته لا إعلامياً ولا سياسياً ولا خدماتياً بشكل حقيقي أو حتى ذكي، ويمكنه الآن التنعم بالسلطة لخمس سنوات إضافية من دون الاكتراث الجدي لكل أعمال أخصامه في الداخل.

Print Friendly, PDF & Email
تركيا ـ جو حمورة

كاتب لبناني متخصص في الشؤون التركية

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  قمة طهران السورية.. فرصة مصالحة أردوغان ـ الأسد مؤجلة