تقارب “قسد” ودمشق.. غموض أميركي وإحتواء روسي 

لم تبد الإدارة الأميركية ردة فعل واضحة على التصعيد الذي قامت به "قسد" مؤخراً في مدينتي الحسكة والقامشلي ضد الحكومة السورية، والذي إنتهى بانسحاب كردي من مناطق الاحتكاك، وإعادة فتح قنوات التواصل مع دمشق بوساطة روسية.

لم تنجح “المغامرة” الكردية الأخيرة في حصد أية نتائج إيجابية، وسط حالة الصمت الأميركي المتعمد، فقد وجد الأكراد أنفسهم بعد ثلاثة أسابيع على فرض حصار على مناطق سيطرة الحكومة السورية في مدينتي الحسكة والقامشلي أمام موقف خاسر، خصوصاً بعد مقتل شرطي فتح عناصر “الأسايش” (قوات الأمن الكردية) النار عليه خلال تظاهرة تطالب بفك الحصار. هذا الأمر خلص في البداية إلى اتفاقية بوساطة روسية لإنهاء حالة الحصار التي تسببت بانقطاع مواد تموينية عن المواطنين الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحكومة السورية في هاتين المدينتين، وتبعته سلسلة لقاءات تمهيدية لإجراء حوار مع دمشق.

لم يسمع الأكراد أية كلمات من الإدارة الأميركية الجديدة تؤيد موقفهم، أو تدعم “مغامرتهم” ضد الحكومة السورية. جلّ ما سمعوه كان يتمحور حول ضرورة استكمال الحوار الكردي – الكردي بين حزب “الاتحاد الديموقراطي” الذي يشكل العمود الفقري لـ”الإدارة الذاتية” الكردية و”المجلس الوطني الكردي” المدعوم تركياً، بالإضافة إلى تجاهل الإدارة الأميركية الجديدة لسوريا في معظم تصريحاتها.

ثمة حديث عن مناخات إيجابية، وعن وضع أسس للقاءات علنية ومباشرة بين الحكومة السورية وممثلين عن “الإدارة الذاتية” تمهيداً للتوصل إلى صيغة تعيد الأكراد إلى كنف الدولة السورية

كذلك، ساهمت تصريحات وزارة الدفاع الأميركية الأخيرة حول القوات الأميركية الموجودة في سوريا، وتأكيد الناطق الرسمي باسم “البنتاغون” جون كيربي أن “القوات الأميركية الموجودة في سوريا، “لم تعد مسؤولة عن حماية النفط”، في إرباك حسابات “قسد”، وأفقدت الأكراد إحدى الركائز الأساسية التي بنوا على أساسها علاقتهم بواشنطن، لا سيما خلال حقبة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، كما هدد موقف واشنطن أحد الأعمدة التي يبني الأكراد عليها حلم إقامة “دولة كردية” أو حتى “فدرلة سوريا”.

وأمام الهدوء الأميركي الغامض الوجهة بالنسبة إلى “قسد”، والتكهنات بسحب واشنطن قسماً من قواتها من سوريا، يبدو أن روسيا وجدت الفرصة مؤاتية لتحقيق تقارب بين الأكراد والحكومة السورية، حيث عقدت، وما تزال، سلسلة من الإجتماعات المكوكية، بحثاً عن صيغة توافقية تقرب الأكراد أكثر من دمشق التي أبدت مرونة كبيرة خلال الفترة الماضية، بعدما فرض الأكراد حصاراً إستمر ثلاثة أسابيع على مناطق سيطرة الحكومة السورية في مدينتي الحسكة والقامشلي.

ثمة حديث عن مناخات إيجابية، وعن وضع أسس للقاءات علنية ومباشرة بين الحكومة السورية وممثلين عن “الإدارة الذاتية” تمهيداً للتوصل إلى صيغة تعيد الأكراد إلى كنف الدولة السورية، مع الأخذ بالاعتبار خصوصية الأكراد، إضافة إلى تسليم المقرات الحكومية والمؤسسات التي تسيطر عليها “قسد” إلى الحكومة السورية.

واللافت للإنتباه في التحركات الأخيرة أنها جاءت أيضاً بعد تهدئة تركية على جبهات القتال مع “قسد”، وتراجع الحديث عن عين عيسى، التي كانت تسعى أنقرة لاقتحامها طيلة الفترة الماضية. 

ويبدو أن الروس توصلوا إلى اتفاق مع الأتراك يقضي بإفساح المجال أمام حوار سياسي من شأنه أن يحتوي الأكراد الذين سمعوا بشكل علني من الأميركيين أن حلم “إقامة دولة كردية في الشمال السوري” بات أمراً بعيداً عن الواقع، وآخرها تصريحات أدلى بها المبعوث السابق لقوات التحالف الدولي في سوريا، ويليام روباك، إلى جريدة “الشرق الأوسط” السعودية، وأشار فيه إلى أن واشنطن لا تدعم إقامة “دولة كردية”، وأن إدارة جو بايدن تقوم بمراجعة الدور الأميركي للإجابة على أسئلة محددة، أبرزها “هل سوريا أولوية للإدارة الجديدة؟”.

بات أمام الاكراد خيار واحد فقط وهو القبول بالدور الروسي الذي يبدو أنه يلقى قبولاً أميركياً وتركياً

أمام هذه المعطيات، وجد الأكراد أنفسهم في مواجهة الخطر التركي الذي تلجمه روسيا في الوقت الحالي، فضلاً عن مخاطر أخرى تتعلق بكشف الإدارة الأميركية الغطاء عنهم، سياسياً، الأمر الذي وضعهم أمام خيار التعاطي الإيجابي مع الدور الروسي الذي يبدو أنه يلقى قبولاً أميركياً وتركياً، خصوصاً وأن موسكو تمكنت خلال الأعوام الأربعة الماضية من تمتين حضورها في منطقة شرق الفرات، وفرضت نفسها ضامناً وحيداً في ظل الانكماش الأميركي.

كذلك، ساهم الانسحاب التدريجي لقيادات “حزب العمال الكردستاني” من سوريا والعودة إلى جبال قنديل في العراق، في تخفيف النزعة الانفصالية لدى القيادات الكردية، وذلك في سياق الإجراءات الأميركية الضاغطة للتوصل إلى اتفاق كردي – كردي يعيد ترتيب المشهد الميداني والسياسي في منطقة شرق الفرات المعقدة.

وتسعى الولايات المتحدة من خلال توحيد الصف الكردي إلى إنشاء كتلة معارضة وازنة، خلال جلسات الحوار مع الحكومة السورية، على عكس حالة التشرذم التي تعاني منها باقي المعارضة السورية في الوقت الحالي، إلا أن هذه المساعي لم تصل إلى أية نتائج واضحة.

وعلى الرغم من الاختراقات التي حققتها روسيا في المشهد السياسي المعقد في منطقة شرق الفرات حتى الآن، إلا ان ثمة مشكلات عديدة لا بد من حلّها، أبرزها حالة التردد داخل أروقة “الإدارة الذاتية” والتي ظهرت بشكل علني بعد التوصل الى اتفاق لفك الحصار عن مواقع الحكومة السورية في الحسكة والقامشلي، حيث أعادت “الأسايش” حواجزها مرة أخرى بعد ساعات من الاتفاق، قبل أن تقوم برفع حواجزها مرة أخرى، إثر تدخل روسي وصف بأنه “حازم”.

بالإضافة إلى ذلك، قد تشكل واشنطن عثرة أخرى، في حال قررت الانخراط بشكل أوسع في سوريا، أو مارست ضغوطاً على “قسد” التي أثبتت التجارب السابقة أنها سهلة الانسياق وراء الولايات المتحدة على الرغم من الخذلان الأميركي المتواصل لها على مدة السنوات العشر الأخيرة.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  عدوى كورونا.. وتسللها إلى جسد الإنسان
علاء حلبي

صحافي سوري

Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  أولويات بايدن الخارجية: كورونا، الصين، روسيا، أوروبا