سياسة إيران الخارجية.. قراءات متعددة والهدف واحد

ثمة نقاشات حيوية تشهدها مؤسسات إنتاج القرار السياسي في الجمهورية الإسلامية في إيران، تتصل بالسياسات الخارجية، برغم مرور 44 سنة على إنتصار الثورة الإيرانية.

إرتفعت في الآونة الأخيرة مناسيب هذه النقاشات في ضوء تعثر المباحثات التي جرت في العاصمة العُمانية بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين بهدف تنفيذ صفقة تبادل معتقلين والإفراج عن الودائع الإيرانية المجمدة، في الوقت الذي فرضت فيه الحكومة البريطانية عقوبات علی المجلس الأعلی للثقافة الإيرانية علی خلفية قانون الحجاب وتسعى الدول الأوروبية ولا سيما ألمانيا وفرنسا إلى تمديد الحظر علی الأسلحة المُصدّرة لإيران والذي ينتهي في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وهو التاريخ الذي تم تحديده بموجب الاتفاق النووي الموقع في يوليو/تموز 2015 والذي تم تثبيته بقرار صادر عن مجلس الامن حمل الرقم 2231؛ من دون أن نغفل أبعاد خطوة إستبعاد روبرت مالي من منصبه كمسؤول عن الملف الإيراني في الإدارة الأمريكية.. أو تجميد هذه المهمة بذريعة تسريب وثائق سرية أمريكية.

وبرغم إعلان طهران عزمها علی مواصلة المباحثات مع الجانب الأوروبي لإزالة المشاكل العالقة وأيضاً ترحيبها بعودة العلاقات مع السعودية وإعادة فتح السفارات والقنصليات في كلا البلدين، إلاّ أن الوسط الإيراني الحكومي وغير الحكومي تتجاذبه وجهات نظر مختلفة بشأن جدوی العلاقة مع المجتمع الإقليمي والدولي في ظل استمرار التوتر مع الدول الغربية التي ما تزال تفرض العقوبات الإقتصادية تارة علی خلفية البرنامج النووي وأخری علی خلفية حقوق الإنسان وثالثة علی خلفية دعم الإرهاب؛ وكلها تترك تأثيرها علی الوضع الإيراني.

وأظهرت دراسة للمركز العربي للدراسات الإيرانية بطهران حول “إتجاهات الحوار في علاقات إيران الدولية” وجود قراءتين بشأن جدوی الحوار وإقامة العلاقات مع الدول الإقليمية في ظل التشدد الغربي ـ الأمريكي علی وجه التحديد.

القراءة الاولی تقول إن إقامة العلاقات مع الدول الإقليمية يجب أن تتزامن مع إصلاح العلاقة مع الدول الغربية لأن العلاقات الإقليمية ستكون تحت طائلة رحمة تحسين العلاقات مع الدول الغربية التي تمسك بمفاصل هذه العلاقات؛ وما لم يتم تحسين العلاقات مع الدول الغربية لا يمكن توقع علاقات إقليمية متقدمة تساهم بتعزيز الأمن والإستقرار في المنطقة؛ وبالتالي أي جهود تصرف أو آمال تعقد في هذا الإتجاه لا يُمكن أن تحقق الأهداف المتوخاة.

يری الأكاديمي أمير صمدي أن قراءة ثالثة قد تُحقق الأهداف وقوامها إصلاح العلاقة مع الدول الغربية بالتزامن مع جهد مماثل مع الدول الإقليمية بسبب ترابط هاتين المنظومتين بشكل أو بآخر وبما لهما من تأثيرات مشتركة لا يمكن تجاهلها

القراءة الثانية تفترض أن إيران تستطيع من خلال سياستها الإقليمية تعزيز العلاقات الثنائية مع دول المنطقة من أجل زيادة منسوب الثقة المتبادلة مع دول الجوار للوقوف بوجه نفوذ الدول الغربية التي تحاول زعزعة الأمن والإستقرار والعلاقات البينية في المنطقة. وهذه القراءة تتبناها الحكومة الإيرانية الحالية برئاسة إبراهيم رئيسي، إلی حد بعيد.

ويعتقد مؤيدون القراءة الأولی أن هذه السياسة تعتمد علی نظرية العمودين الإستراتيجيين التي استخدمها الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في علاقته مع الاتحاد السوفياتي، مستندين في ذلك إلی السياسة التي اتبعها الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد ولم تفضِ إلى نتائج طموحة برغم سعيه إلى تعزيز العلاقات مع دول الجوار.. والسبب هو إدراج بلاده ضمن “محور الشر” حسب التصنيف الأمريكي!

وبطبيعة الحال؛ فإن أنصار هذه القراءة ليس بمقدورهم الدفاع عن التوجه الدولي لإيران بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015 إذ أنه لم يؤدِ إلى تحسن علاقات إيران بالدول الإقليمية برغم ما يجمعهم من مصالح مشتركة.

ووفق القراءة الثانية، فإن إيران لم تتمكن من فتح أبواب العلاقات مع دول الجوار على مصراعيها حتى الآن، برغم الإتفاق السعودي الإيراني، وذلك بسبب إستمرار التوتر مع الدول الغربية علی خلفية البرنامج النووي الإيراني، وهذا يعني أن العديد من دول منطقة الشرق الأوسط تخضع للنفوذ الأمريكي.

ويعتقد الأكاديمي الإيراني الدكتور أمير صمدي أن هاتين القراءتين لا تحقّقان الأهداف التي تتطلع إليها إيران ما لم تستندا إلى قراءة واقعية للتطورات الإقليمية والدولية ولا سيما التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بكل رمالها المتحركة.

ويری الأكاديمي أمير صمدي أن قراءة ثالثة قد تُحقق الأهداف وقوامها إصلاح العلاقة مع الدول الغربية بالتزامن مع جهد مماثل مع الدول الإقليمية بسبب ترابط هاتين المنظومتين بشكل أو بآخر وبما لهما من تأثيرات مشتركة لا يمكن تجاهلها.

لقد أخطأت السياسة الخارجية الإيرانية في عهد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني عندما تجاهلت المحيط الإقليمي في مباحثاتها مع الدول الغربية وأدت إلی الإتفاق النووي عام 2015. هذا المحيط كان مُتأثراً بعدة عوامل أهمها ظروف ما بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق (2003) وأحداث “الربيع العربي” (2010 وما بعد)، ولذلك عندما طرحت الحكومة الإيرانية مشروع هرمز للسلام لم يلقَ آذاناً عربية صاغية كما أن فكرة منتدی الأمن والسلام التي طرحها وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف لم ترَ النور.

إقرأ على موقع 180  أردوغان ليس سلطاناً حقيقياً

لقد خلقت التطورات الدولية ظروفاً جديدة في المنطقة خصوصاً بعد الحرب الأوكرانية وإحساس دول المنطقة أن الولايات المتحدة لم تعد الجهة التي يمكن الاعتماد عليها بعد إخفاقها في صيانة الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط، ولذلك يعتقد الدكتور صمدي أنه لا بد من سلوك أكثر واقعية في السياسة الخارجية الإيرانية يستند للمتغيرات الجيوسياسية والجيواستراتيجية والتفكير بسياسة إيران الخارجية بلغة الواقعية السياسية.

إن وجود مثل هذا الحراك السياسي في الوسط الإيراني يُحسب لطهران ولا يُحسب عليها بعيداً عن النتائج التي تتحقق؛ لأن إهتمام هذا الوسط بعوامل نجاح سياسة إيران الخارجية يستند إلى قناعة مفادها أن مصالح أهل المنطقة واحدة.. وأي فرصة نجاح مستقبلية سترتد إيجاباً على دول وشعوب المنطقة.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  طهران تردُّ صاروخياً فلا تُحرج واشنطن.. هل تردُّ تل أبيب فتُحرجها؟