سقوط بريغوجين.. اللحن الأخير لـ”فاغنر”

هوى يفغيني بريغوجين بطائرته الخاصة بعد شهرين بالضبط من قيادة مقاتليه إلى أبواب موسكو قاصداً خلع النخبة العسكرية الروسية. وإنحنى الرئيس فلاديمير بوتين لتسوية على مضض، أبقت بريغوجين حراً شرط الإبتعاد عن روسيا.

نجاح بريغوجين في إنقاذ هيبة القوات الروسية في أوكرانيا عبر سيطرته على مدينة باخموت بعد أشهر من القتال، جعلته يذهب بعيداً في روح المنافسة مع قيادة الجيش الروسي. وكأنه أراد من بوتين أن يكافئه بجعله يتبوأ مكان وزير الدفاع سيرغي شويغو أو رئيس الأركان فاليري غيراسيموف.

شكّل تحدي المؤسسة العسكرية تجاوزاً للخطوط الحمر، والإقدام على خطوة كهذه في زمن الحرب من شأنها زعزعة الثقة بالجيش مع كل ما يترتب على ذلك من إنعكاسات على معنويات الجنود في ساحة المعركة.

لم يتقيد بريغوجين بالتسوية التي أنهت التمرد برعاية بيلاروسيا. وإذا به يظهر في القمة الروسية ـ الإفريقية في سان بطرسبرج في 27 تموز/يوليو الماضي، يزاحم بوتين على إستقبال القادة الأفارقة الذين نشأت بينه وبينهم مودة بفعل الخدمات الأمنية التي توفرها شركة “فاغنر” لهم في السنوات الأخيرة.

والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو الذي إستقبل مقاتلي “فاغنر” على أراضيه، بموجب تسوية إنهاء تمرد 23 حزيران/يونيو في روسيا، بدأ يشعر بثقل العبء الذي ألقي على كاهله مع الحشود التي دفعت بها بولندا إلى الحدود مع بيلاروسيا، وكذلك فعلت ليتوانيا ولاتفيا، خوفاً من تسلل مقاتلي “فاغنر” إلى أراضي هذه الدول “الأطلسية”.

يوم الإثنين الماضي، ظهر بريغوجين في شريط فيديو قال فيه إنه موجود في مكان ما من إفريقيا كي يخدم “عظمة روسيا” في الخارج، وليعرض خدماته على المجلس العسكري الذي إستولى على السلطة في النيجر في 26 تموز/يوليو، في مواجهة تهديدات دول مجموعة “إيكواس” بالتدخل عسكرياً من أجل إعادة الرئيس المنتخب محمد بازوم إلى السلطة.

الشريط بدا من قبيل التذكير (حتى للكرملين)، بأن مجموعة “فاغنر” هي التي أعادت النفوذ الروسي إلى عدد من الدول الإفريقية، من مالي إلى إفريقيا الوسطى والسودان وليبيا وربما بوركينا فاسو، وهي على إستعداد للوقوف إلى جانب النيجر لصد أي هجوم عسكري محتمل.

مسيرة بريغوجين من طاهٍ للكرملين إلى قيادة وحدات عسكرية غير نظامية، ومن أدوار لعبها منذ تأسيس “فاغنر” عام 2014، والأدوار التي لعبها في القرم وشرق أوكرانيا وسوريا ودول إفريقية، إلى التمرد، تدل على أن الطموح السياسي الذي تولد لدى بريغوجين قاده في نهاية المطاف إلى نهاية محتومة في سباق لا يرحم

مساء الأربعاء، أي بعد يومين فقط من بث الشريط، كان بريغوجين على متن طائرة خاصة من طراز “إمبراير ليغاسي 600″ ومعه نائبه ديميتري أوتكين القائد العسكري لـ”فاغنر” (وأوتكين هو الذي إختار إسم “فاغنر” للمجموعة تيمناً بالموسيقي الألماني المشهور ريتشارد فاغنر) وخمسة آخرين من المرافقين. وبعد 25 دقيقة من إقلاع الطائرة من مطار تشيرمينيف في العاصمة موسكو هوت نحو الأرض وقُتل كل ركابها.

أعداء الرجل كُثر ولا يمكن إستبعاد أية فرضية تفسر تحطم الطائرة والأسئلة التي أثيرت عمن يقف وراء الحادثة إذا كانت من فعل فاعل. هل أسقطت الطائرة بصاروخ أرض-جو كما أشاعت مواقع مقربة من “فاغنر”، أم بقنبلة إنفجرت داخل الطائرة (تردد في أحد مواقع مقاتلي “فاغنر” أن قنينة نبيذ أدخلت للطائرة في آخر لحظة بعد الإنتهاء من عملية تفتيشها)، أم قصفتها مُسيّرة أوكرانية للتخلص من بريغوجين الذي إستنزف نخبة جيش أوكرانيا في باخموت وتالياً شكل سبباً غير مباشر في بطء هجومها المضاد؟ مع التذكير بأن مسؤولين أوكرانيين كانوا وعدوا بـ”مفاجأة” لمناسبة العيد الوطني الأوكراني الذي يصادف في 24 آب/أغسطس، أي عشية الحادث.

الولايات المتحدة أصدرت مذكرة إعتقال بحق بريغوجين عام 2018 بتهمة التدخل في الإنتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، من خلال قرصنة مارسها عبر شركة يملكها للإنترنت. وبريطانيا كانت ستُدرجه على لوائحها للإرهاب قريباً.

وبعد تمرد حزيران/يونيو الماضي، نُقلَ عن مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية نيكولاس بيرنز الذي سبق وأن كان سفيراً لدى موسكو، قوله إن بُوتين يُفضل أن يأتي صحن الإنتقام بارداً، في إشارة إلى قبول الرئيس الروسي بترك بريغوجين حراً بعد التمرد.

مقتل بريغوجين هو من الحوادث التي سيظل الغموض يكتنفها ولا تجد سبيلاً إلى معرفة ملابساتها إلا بعد وقت طويل، وربما تبقى لغزاً عصياً على فك رموزه.

لكن مسيرة بريغوجين من طاهٍ للكرملين إلى قيادة وحدات عسكرية غير نظامية، ومن أدوار لعبها منذ تأسيس “فاغنر” عام 2014، والأدوار التي لعبها في القرم وشرق أوكرانيا وسوريا ودول إفريقية، إلى التمرد، تدل على أن الطموح السياسي الذي تولد لدى بريغوجين قاده في نهاية المطاف إلى نهاية محتومة في سباق لا يرحم.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  تركيا: باباجان يخلط الاوراق.. ويطيح بـ"القواعد"!
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  حيرة الصين بين العنب الغربي والناطور الروسي!