في لقاء الصدفة الذي كان أشبه بجائزة يانصيب، عام 2007، في عيادة طبيب عيون، في بيروت، بادرت الأستاذ طلال سلمان بالسلام عليه، وعرّفته عن نفسي بكلمات مقتضبة: “أنا من قراء “على الطريق” و”نسمة”، وعاجلته بسؤال: من أين لك هذه الغزارة بالكتابة الأدبية السياسية؟ فرد مُرحباً ومبتسماً “أنا أقرأ كثيراً.. وأكتب قليلاً”. تعجبت لجوابه، فمن منظوره، كتاباته شبه اليومية قليلة فكيف سيكون راضياً عن نفسه على وقع قراءاته الكثيرة؟
حفرت جملته في أعماق أعماقي وأدركت كم نفتقر للقراءة (قبل الكتابة) مقارنة بالأستاذ طلال سلمان. ولسوء حظي لم يتجاوز الحديث معه أكثر من دقيقتين، حتى نادته الممرضة للدخول إلى عيادة الطبيب.
أما اللقاء الثاني، فقد حصل قبل عام ونيف، في مكتبه الجديد والأنيق في الطابق التاسع في مبنى جريدة “السفير”، التي أطلقت آخر أعدادها في أول أيام العام 2017. في هذا اللقاء الذي حضره زميلي حسين أيوب تمحور الحديث حول “السفير” وأسباب توقفها عن الصدور، وهو السؤال الذي يؤلم ناشرها ويُحرّك مواجعه، فكان جوابه أشد إيلاماً بقوله: “انتهى السبب الذي أنشئت لأجله “السفير”. لقد أدّت خدمتها العسكرية وعلى غيرها أن يُكمل المهمة”. وأضاف “عصري قد إنتهى، وربما عصر “السفير” قد انتهى، وثمة جيل جديد عليه أن يحمل الشعلة”، واستدرك بالقول إن الجيل الجديد “لا يقرأ الصحف ولا يلتفت إليها، ونادراً ما أجد شاباً يحمل جريدة ورقية، وهذا دليل على أن عصري قد إنتهى”.
حاولت أن أثير معه بعض المواضيع السياسية المحلية، فكان رده: “هذه الأخبار لا تُسمن ولا تُغني من جوع”، وأكمل مستفيضاً بالحديث عن مآلات الأمة العربية المدمرة اليوم، والتي حَلِمَ كثيراً بتوحدها، وعَمِلَ على تنوير الرأي العام وزرع روح العروبة والقومية فيها، والذي طالما أراد لمؤسسته أن تكون “جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان”.
وحتماً ما كان طلال سلمان ليدفع ثمن حياته أكثر من مرة لأنه كان صوت الذين لا صوت لهم في لبنان، بل لأنه أراد لـ”السفير” أن تكون صوتاً عربياً مميزاً بنقده ودفاعه عن مصالح الشعوب العربية وقضاياها، وأولها قضية فلسطين.
ولطالما انتصر طلال سلمان على أعدائه، فلم يتمكنوا من النيل منه، لا بل ظل سنديانة شامخة، وقلمه لم ينضب حبره حتى آخر أيام حياته، إلى أن نال منه الإحباط ومشهد الإنكسار اللبناني والعربي في السنوات الأخيرة.
لقد مات طلال سلمان مرتين، الأولى بأفول وليدته الجميلة “السفير”، والثانية برحيله عن هذه الدنيا، لكن ستبقى كتاباته محفوظة عن ظهر قلب، وأفكاره ورؤاه لن تغادرنا ولن تغادر الأجيال اللاحقة، ونأمل أن تتحقق الأحلام والأهداف التي عمل لأجلها طيلة أيام وسني حياته.