لو أن الساحرة ناديا تويني بيننا.. ماذا تكتب عن غزة؟

ثمة شعراء، في كل واد يهيمون، وثمة شعراء باسم سلطان الحق والحرية يتكلمون. الشاعرة الساحرة ناديا تويني، رأت فلسطين في أبجدية الحياة. "أنت الذي تقول السيف أهم من الوردة؟ لأنك تدخل في الجنون، ضاغطاً بكل ثقلك على أرض الميعاد".

في ديوانها “حالم الأرض”، تصوغ ناديا تويني إيمانها: “أفكر في الأرض وفي القمح الأكثر غنى بعد المعركة، في زهرة الدم الفريدة. يا الإنسان الصورة الجانبية لشجرة شتائية، أصغِ: الطفل ينام بأحلام بحر أحمر”.

تتوغل القصيدة في عذاب الرعب: “تحت الأرض نافذة، تحت أصابعك صرخة رعب. كل صوت ذلك الجلاد؛ الكلمات تتنفس على إيقاع الموت”.. و”الأرض كي تبتكر لذاتها انفعالاً، ترسم إنسانا”. والمثير جداً، أن العالم لا يعترف بأن الفلسطيني إنسان. “يستعير من الماء اسمه. كلمة. سفينة ترحل منها الأرض وأجسادها البطيئة”.. و”الخوف الأحمر في الأفق. السماء تهرب”.. و”ليس غير إنسان، قوَّسوه منتصباً على الباب. يقول لي: أريد الحديث عن تلك الزهرة.. يكفي. بعكس الضوء قوَّسوه، ولينتفخ الحقد كالخبز.. ربما أبكيه. كل أمر يصبح بسيطاً في الأرض العميقة. كل أمر يصبح مختصراً”.

هذه نصوص منتقاة من ديوان ناديا تويني: “حالم الأرض”. الأرضُ والإنسانُ عندها روحان. تحتفظ الشاعرة ببكارة الانتماء الدائم للأرض ومن عليها. لذلك، فجعت بما أقدمت عليه الروائية نتالي ساروت، التي زارت “إسرائيل” وكتبت نصوصاً في مدحها، وأفرطت في تقديس إبداعاتها، وتحويل الصحراء إلى جنة. وأفاضت في مدح العبقرية اليهودية، بسبب ما أقدمت عليه.. وكل ما أقدمت عليه هو ارتكاب لا إنساني.

ناديا تويني، الشاعرة المرهفة، المؤمنة بالثقافة والملتزمة بالقيم، والمحبة لروايات ساروت، ذهلت مما أقدمت عليه الروائية، وساءها أن تنزلق “محبوبتها” أدبياً إلى هذه الهاوية الأخلاقية. وبناء عليه كتبت ما يلي:

“عادت السيدة ساروت من إسرائيل بعدما أمضت فيها حوالي شهرين. جيد. وماذا يعني ذلك؟ من المؤلم دائماً، أن كاتباً نحبه ونحترمه نراه يحشر أنفه بشكل سافر، لا بل بطريقة دوغمائية بأمور لا يفقه منها شيئاً”. ماذا تقول ساروت؟ تتساءل بعد مشاهداتها: بربكم، أين الفتح الاستعماري وأين العنف”؟

تويني تسأل ساروت: هل تعرف الكاتبة ما هو واقعي: “التدمير الممنهج”؟. من الغريب ألا تكلّف ساروت نفسها وتسأل الجنرال موشي دايان، وكل أولئك الذين يريدون في إسرائيل زرع المستوطنات اليهودية، حتى داخل المراكز المدنية للعرب؛ مستوطنات تهدف لا إلى محاصرة ومراقبة الأراضي العربية فحسب، بل أيضاً ضمّها”.

ثم تسألها: “هل تعلمين عدد البيوت المنسوفة والعائلات المهجرة، ومن دفع السكان الأصليين إلى ترك أرضهم، كما تحلو لإسرائيل أن تسوق؟ هل تعرفتِ على المصادرة للمحال التجارية والتحقيقات المطوَّلة والإذلال على المعابر؟ كل هذه الممارسات لا توقظ في ذاكرتك يا سيدة ساروت شعوراً بمشاهد سبق أن رأيتها؟” في إشارة إلى وقائع الاحتلال النازي والهولوكوست؟

أتساءل وبثقة: لو أن ناديا تويني على قيد الحياة، ماذا كانت ستكتب؟ أظن أن هذا الملاك يملك سيفاً من كلام. لربما لعنت ثقافة غرب أنتج سلطات وحكومات، مصابة بلوثة العنصرية والتفوق والجشع وانعدام الأخلاق، في مستوياتها المتدنية؟

ليتها معنا. لأن كتابها متشبث بالضمير الإنساني. بالعدالة، كل العدالة، للجميع. انتماء ناديا تويني، ليس سياسياً أبداً. انه انتماء إلى الإنسان، وهو أرقى الانتماءات، وكل ما عداه دون مستوى الإنسان.

لا بد أن جنونها كان سيستمر، عندما تقرأ يونسكو بعد زيارته لـ”إسرائيل”: “أنا إسرائيلي الموقف. وهل لي حاجة للتذكير بذلك؟ لهذا الشعب الحق بالحياة (…) ولا ضرر أن يقول العرب لهذا الشعب: “خذوا قليلاً مما لدينا”.. والإسرائيليون سيكتفون بما أعطي لهم، ولن يطلبوا المزيد”. غريب! أهذا عملاق إنساني أم قزم سياسي؟

هذا غرب ساقط. نموذجه برنار هنري ليفي. قائد “فيالق المثقفين”، لكن ليس كل الغرب كذلك. برهنت شعوب أوروبا الحيوية انها تتمسك بقيم لا مفر من اعتمادها كمستقر للحالة الإنسانية. الغرب، ليس كله تابعاً ومحكوما بأقلية ذات جشع غير مسبوق في التاريخ. لغة المال ورأس المال، لا تبدأ بالوحدة النقدية أبداً. منطلق أي عمل اقتصادي، يبدأ بالملايين ليصل بسهولة السرقة والابتزاز والغش، إلى المليارات.

الغرب لا يشبه أنظمته أبداً. لقد برهنوا أنهم ليسوا عرباً مدجنين من المحيط إلى الخليج. صدّحت حناجرهم ولا تزال ترفع الصوت عالياً في وجه قادة عواصم الإجرام من أميركا إلى أوروبا.

لا شبيه لكم، يا أولاد النصب الرأسمالي، إلا شياطين الجحيم.

حتى “إسرائيلياً”. استيقظ قائد طائرة كان قد قصف بيروت، واعتبر انه ارتكب جرائم حرب. في كتاب ” جنين”، يتساءل إيريت غال: “أي شيء يُبرّر القصف الجوي لبيروت”؟ أي، ماذا يعني أن يتم تحميل طائرة حربية بأربعة أطنان من القنابل؟ إننا نتهم من يضع قنبلة في مطعم في تل أبيب، بأنه إرهابي ومن سلالة إرهابيين. العقوبات جماعية. أما حين يتعلق الأمر بإسرائيل فيقال: “إنهم رجال” في مهمة أنجزوها. “ما تقوم به هو عمل. ما يقومون به هو إرهاب”.

إقرأ على موقع 180  "تحولات" تُكرّم طلال سلمان.. وجبة "السفير" الناقصة في زمن غزة!

هل قرأت عن ذلك يا جلالة الحاكم الغربي. أنتم يا قادة الغرب، قراصنة البر والبحر والفضاء، وما تحت الأرض. يقول قائد الطائرة:

“مأساة أن ترمي قنبلة عن ارتفاع ثلاثة آلاف قدم من الجو، وأن تنحرف القنبلة عن مسارها وتسقط على منازل مجاورة. إنك تعمد إلى تبرئة نفسك واتهام القنبلة، لأنك أردت أن تدخلها عبر النافذة ولكنها دخلت من الباب”!

هذه هي الديموقراطيات الدموية. هذه هي الحضارة التدميرية. يقابلها في مهابط السياسات العربية، طغيان جماعات الأمر بالمنكر، والنهي عن الحرية، وممارسة الطاعة، والإقامة في الصمت السياسي، وتبني عقيدة التعفن الأخلاقي. بلاد عربية الإسم، جهنمية القتل. الحرية ممنوعة. النقد منعدم. كي تعيشوا جيداً في هذه الصحاري العربية الباذخة، عليكم أن تبرهنوا دائماً، انكم تدينون بالصمت. والمسموح الوحيد، تذكية العداء، بين السنة والشيعة..

أخيراً، أيتها المقيمة في الشعر والحاضرة في الزمن من خارجه، ننقل عنك:

“باسم أي سلطان تتكلم،

أنت الذي تقول السيف أهم من الوردة؟

لأنك تدخل في الجنون

ضاغطاً بكل ثقلك على أرض الميعاد”.

أخيراً مرة أخرى:

“المعجزة لا تأتي من السماء

لا تولد من الصلوات

إننا بانتظارها

وفلسطين تفرش دمها

لاستقبال الحرية”.

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  رسالةُ الرد الإيراني.. ولّى زمن عربدة إسرائيل في المنطقة