هل تبدّل “صفقة القرن” قاعدة تحالفات الأردن؟

يخوض الأردن معركته في مواجهة ما يسمى بـ"صفقة القرن"، وحيداً تثقله أوضاعه الاقتصادية الصعبة، فإذا نظر يمينه يجد لحلفائه التقليديين وجهة نظر مغايرة له بما يخص العلاقة مع إسرائيل. رسمياً الجميع مع "حل الدولتين"، لكن التفاصيل تجعل بلداً كالأردن يشعر بالارتياح أكثر إذا تطلع إلى الناحية الأخرى، التي يمكث فيها أعداء حلفائه التقليديين.

منذ العام الماضي، بدأ الأردن يقترب قدر الإمكان من أعداء حلفائه، بما يسمح الظرف، وبما لا يغضب الحلفاء أنفسهم، متوازناً بسياسته، ومتخذاً من مقولة الإمام علي بن أبي طالب “أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض عدوك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك ما” شعاراً ضمنياً.
منذ نهاية العام 2017، وفور إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب القدس عاصمة لإسرائيل، يقف الأردن مكبلاً بقيوده الاقتصادية، ويواجه شبحاً يدعى “صفقة القرن”.
بات برلمانيون ومحللون أردنيون ومسؤولون سابقون يقولون إن “صفقة القرن” باتت شبحاً فارغ المضمون، وأن ما يجري على الأرض الفلسطينية على الملأ، ويلمسه الجميع، من بناء المستوطنات وتهويد مدينة القدس و”قانون يهودية الدولة”، إنما هو الخطر بعينه الذي يحدق بالأردن وفلسطين.
يقول النائب وعضو كتلة الاصلاح في البرلمان الأردني صالح العرموطي لـ”180″ إنّ بلده الأردن لا يتّخذ موقفاً سياسياً فحسب، بل إن الموقف الأردني من القضية الفلسطينية بات “موقفاً وجودياً”.
ويشرح “إذا وافق الأردن على ما يتم الحديث عنه اليوم حول القدس وفلسطين، سيكون قد أنهى وجوده، واعتدى على سياسته، ومس كرامته، الآن الأردن أصبح مستهدفاً”.

دس الليبرالية في الاقتصاد الوطني

قبل ما يزيد على العشر سنوات، شهد الأردن صراعاً بين الحرس القديم والجديد، وهو اصطلاح يرفضه نائب رئيس الوزراء الأسبق ممدوح العبادي في  حديثه إلى “180”، إذ يقول: “في الحقيقة أنا أرفض استعمال مصطلح أو عبارة الحرس القديم في هذه الأمور… إسمه الحرس الوطني وليس القديم”.
ويضيف أن “الحرس الوطني هو الذي يدافع عن مؤسسات الدولة العامة، التي بنيت خلال الخمسين سنة الماضية، وخصخصها الليبراليون وأفسدوها، وهم الذين يتساوقون مع البنك الدولي ومع الدول الغريبة. ما زالوا هم من يقودون المرحلة منذ عام 2004 ولغاية الآن، وفي العامين 2004 – 2005 كانت المديونية بضعة مليارات، والآن أصبحت 30 ملياراً، والبطالة كانت أقل، وعجز الموازنة أقل، وهي في انحدار دائم لأن الذين يقودون الوطن حتى اليوم هم أولئك الليبراليون، بعدما تم إبعاد الحرس الوطني سواء أكان قديماً أو جديداً”، مؤكداً أن لدى “الحرس الوطني” قيادات شابة في الاردن ووطنية لكنها لا تتبع الليبرالية ولا صندوق النقد الدولي ولا البنك الدولي، وهي وجوه وطنية تحافظ على الوطن، وتتلخص رؤيتها بأن تقود المؤسسات الوطنية الخطة الاقتصادية.

الظرف الاقتصادي تحوّل قنبلة موقوتة في حضن الدولة، ومن الممكن أن تتفجر الأوضاع مجددا في ظل غياب معارضة وطنية قادرة أن تفرض حضورها في الشارع

حديث العبادي يكشف ملامح الصراع بين الحرسين الذي بدأ قبل ما يزيد على عشر سنوات، فقد كان الحرس الجديد، ولا يزال ينتهج سياسة ليبرالية في قيادة مؤسسات الدولة تستند على خصخصة مقدرات البلد، والانسياق إلى قرارات صندوق النقد الدولي.
في صيف العام الماضي، اعتبر محللون اقتصاديون أن الاحتجاجات التي شهدها الأردن، ما كانت تعارض فقط مشروع قانون ضريبة الدخل الذي قدمته حكومة هاني الملقي، لكنها كانت تعبر عن رفض السياسات الاقتصادية التي أوصلت البلاد إلى أزمة اقتصادية.
وبحسب المحللين فإنّ صندوق النقد الدولي بإصراره على الحكومة الأردنية فرض قانون ضريبي جديد إنما هو يتبع سياسة حافة الهاوية مع الأردن، وهو ما وضعوه في إطار الضغط على الأردن ليقبل حلولا سياسية للقضية الفلسطينية يرفضها من حيث الأصل.
يرفض العبادي، الذي كان نائباً لرئيس الوزراء في حكومة هاني الملقي التي واجهها الشارع بالرفض جراء إقرارها مشروع قانون ضريبة الدخل المثير للجدل، الطرح السابق ويقول “لا أعتقد ذلك، فالوضع الاقتصادي في الأردن ينحدر منذ عشر الى عشرين سنة، والعجز الثلاثي في الموازنة والمديونية والبطالة، بدأ قبل أن يصبح ترامب رئيساً، وليست له علاقة بصفقة القرن”.
ويوافق العبادي على أن ترامب يتصرف بمنطق “راعي البقر” في العمل السياسي الداخلي والخارجي أيضاً، ولذلك يضغط هنا ويضغط هناك، ويتخذ قرارات معيّنة، كإلغاء الاتفاق النووي مع ايران، معتبراً أن كل هذه التصرفات الأميركية تأتي بسبب قناعة ترامب ومن حوله بأن اسرائيل يجب أن تكون من البحر الى النهر، وأن الفلسطينيين يجب أن يكونوا سكان درجة ثانية والقدس عاصمة اسرائيل والجولان لاسرائيل.
وبناء على ما سبق يعتبر العبادي أن “الضغوط الجارية على الأردن هي ضغوط سياسية أكثر منها اقتصادية”.
الملفت للنظر في مسألة الاحتجاج الأردني، أن قانون ضريبة الدخل الذي أقرته حكومة هاني الملقي، كان متقدماً على قانون حكومة الرزاز، وذلك بشهادة خبراء الاقتصاد في حينه الذين أكدوا أن حكومة الرزاز وافقت على توصيات صندوق النقد الدولي، ورضخت لضغوط القطاع المصرفي والمركز المالي في البلد. لكن الجموع لم تخرج بالزخم ذاته، وقبل الشعب في النهاية بقانون ضريبة الدخل الذي بات ينهش بمداخيل الطبقة الوسطى ويهدد الصناعات.
ما سبق يفتح الباب أمام محاولة فهم طبيعة ما جرى في الصيف الماضي، وخطورة أن الشارع بات بأيدي طبقة اقتصادية، قررت أنها لن تخرج إلى الشارع ما دام القانون لم يمس مصالحها، بعدما ألغت حكومة الرزاز الضريبة على المصارف في قانونها.
لكن ذلك لا يلغي أن الظرف الاقتصادي الذي بات يتصدر هموم المواطن الأردني تحوّل إلى قنبلة موقوتة في حضن الدولة، ومن الممكن أن تتفجر الأوضاع من جديد في ظل غياب معارضة وطنية قادرة أن تفرض حضورها في الشارع.

إقرأ على موقع 180  عشائر سوريا والمشروع الأميركي: هل المواجهة حتمية؟

توسيع قاعدة التحالفات

الحرس الجديد في الأردن لم تكن له وجهة نظر اقتصادية فحسب. وجهة نظر “الليبراليين” الاقتصادية بُنيت على خيارات سياسية تنغمس تماماً في محور الأردن التقليدي – الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج العربي والسعودية. وقبل عشر سنوات، عندما احتد الصراع بين الحرسين القديم والجديد في الأردن، طالب رموز الحرس القديم، أو ما يفضل العبادي تسميته “الحرس الوطني”، الأردن بالتقارب مع تيار سوريا، التي كانت في ذلك الزمن تحتضن حركة “حماس”. وشرح الحرس القديم موقفه بأهمية توسيع الأردن قاعدة تحالفاته وعدم وضع كل البيض في سلة واحدة.
فهل سيميل الأردن بعد هذه السنوات إلى رأي الحرس القديم لينتصر في معركته المقبلة؟
بعيد إعلان الرئيس الأميركي القدس عاصمة لإسرائيل في كانون الأول من العام 2017 طالب مجلس النواب الأردني حكومة البلاد بتوسيع قاعدة تحالفاتها من دون الاضرار بالعلاقة مع الحلفاء الخليجيين التقليديين ولا سيما السعودية.
اليوم، وبعد عام ونصف العام على تلك المطالبة، نرى أن الأردن يحاول العبور نحو ذلك المطلب “الشعبي”، ولكن بحذر شديد، ربما حتى يحقق الشرط الرئيس في تلك المطالبة وهو “عدم الاضرار بعلاقة البلد مع حلفائه التقلديين”.

الحرس الأردني القديم لطالما أكد على أهمية أن يلتزم الأردن بدوره الإنساني في سوريا من دون أن يغرق في بركة الألغام الكائنة على حدوده الشمالية.

ما سبق يدفع العبادي إلى القول إنّ بلاده “حليفة للغرب شئنا أم أبينا كدولة أردنية، لكن الدولة الاردنية، بحسب ما أعتقد وأجزم، ناجحة في السياسة الخارجية أكثر من السياسة الداخلية، فهي تحاول أن تكون قدر الامكان متوازنة على ألّا تقطع شعرة معاوية مع الغرب وأميركا، ولذلك، لم تقطع علاقتها مع قطر برغم علاقتها مع المحور السعودي الاماراتي… كما أنها لم تقطع علاقتها الدبلوماسية مع سوريا كما طلب منها المحور السعودي الاماراتي والقطري في حينه، وبالإضافة إلى الاميركي والغربي، بل حاولت أن تحقق الحد الأدنى من التوازن، ولم تقطع علاقاتها مع ايران، وأمسكت العصا من المنتصف”.
إذن؛ حاول الأردن أن يوازن، حتى في أحلك الظروف، علاقاته مع الجميع، وفي الوقت الراهن، يتطلع محللون وسياسيون أردنيون بارتياح إلى مرحلة الأزمة السورية ويحمدون الله وعقل الدولة بالدرجة ذاتها لأنه لم يستمع إلى مشورة الحرس الجديد (“الليبراليين”) في إدارة العلاقة الأردنية – السورية خلال الأزمة السورية، والتي كانت تميل بشكل كبير إلى قطع العلاقات تماماً مع سوريا، بل وإلى الميل مع هوى الحلفاء التقليديين.
في ذلك الحين، علا صوت عبّر عنه الحرس القديم –  إن جاز التعبير – وهو الذي أكد أهمية أن يلتزم الأردن بدوره الإنساني من دون أن يغرق في بركة الألغام الكائنة على حدوده الشمالية.
برغم ما سبق كان من الصعب على الأردن أن يبقى بعيداً تماماً عن بركة الألغام، لكن العلاقة المتوازنة مع حلفاء سوريا، وعلى رأسهم روسيا – حيث ارتقى التعاون والتنسيق بين عمّان وموسكو في سوريا على مستوى أمني عال- وعدم إغلاق السفارة السورية، وبقاء أبواب السفارة الأردنية في دمشق – مفتوحة ولو اقتصر التمثيل فيها على إداريين – كل ذلك خلق للأردن، حليف الغرب، أعذاراً عديدة عند الحديث عن استضافة عمّان لغرفة الموك على سبيل المثال.
بل إن المتابع البسيط للسياسة يعلم ان الخطر الذي كان يحدق بسوريا في بداية أزمتها، من وصول الإسلام السياسي إلى سدة الحكم فيها، إنما كان ينظر بعينه الأخرى إلى الأردن، التي تنبه سياسيوها لذلك، فقربوا إليهم اليسار الأردني، الذي كان ولا يزال يعاني من ركود لم يسعفه من قنص الفرصة واستغلالها لمعاونة الدولة الأردنية على مواجهة خطر الإسلام السياسي.

الأردن يرفع تمثيله في سوريا

في تموز الماضي، عاد الأردن وتبادل السفراء مع قطر، وهو الذي خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي يوم قاطعت دول الخليج قطر في صيف العام 2017.
علاوة على ذلك، تشهد العلاقات التركية – الأردنية تطوراً حذراً – إن جاز التعبير – في وقت رفع الأردن في مطلع العام الحالي التمثيل الدبلوماسي في سفارته في سوريا إلى مستوى القائم بالأعمال.
مع ذلك، ففي مطلع العام الحالي أنهى السفير الإيراني في الأردن ولايته، ولم تجب الأردن حتى اللحظة على طلب تقدمت به وزارة الخارجية الايرانية منذ ما يقارب العام حول تعيين سفير إيراني جديد في الأردن.
فهل تشهد الأيام القادم نبأ تعيين سفير إيراني جديد في الأردن؟
رداً على هذا السؤال، يقول رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأردني نضال الطعاني لـ”180″ إنه “بالنسبة إلى إيران وكل دول المنطقة، فإنّ الأردن يتعامل بنفس معتدل ومرن، وبالتالي فإنّ سياستنا دائماً منفتحة على الجميع، إذ لا توجد لدى الأردن محرمات سياسية، مادام ذلكم يلبي مصلحة الأردن والمواطن الاردني، وبالتالي فنحن منفتحون على كافة الدول ولا توجد لدينا أية محرمات سياسية”.

Print Friendly, PDF & Email
رانية الجعبري

صحافية وقاصة من الأردن

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  قاسم سليماني... سيرة عادية لرجل غير عادي