

يشهد البقاع الغربي أزمة كهربائية خانقة نتيجة التقنين القاسي الذي فرضته مؤسسة كهرباء لبنان، وسط شحّ في المياه أدى إلى انخفاض إنتاج الطاقة الكهرومائية من معامل نهر الليطاني. ومع اعتماد المنطقة بشكل شبه كامل على الإنتاج الحراري، ازدادت معاناة الأهالي، مما يضعهم أمام معادلة صعبة بين ضرورة الإنماء واستمرار حرمانهم من أبسط مقومات الحياة، خصوصًا بعد العدوان الإسرائيلي الأخير.
لم يكن البقاع الغربي بمنأى عن العدوان الإسرائيلي الأخير ضد لبنان، إذ نالت هذه المنطقة حصتها من القصف والاستهدافات المتكررة، فضلًا عن الخروقات المستمرة التي تهدد أمنها واستقرارها. ومع ذلك، وبرغم ما عانته المنطقة من دمار وخسائر، ها هي الدولة اليوم، بدلًا من تسريع جهود إعادة الإعمار وتعزيز البنية التحتية، تماطل في تنفيذ مشاريع الإنماء، بل وتضيف إلى معاناة الأهالي عبر تقنين الكهرباء إلى مستويات غير مسبوقة.
بين التبرير والمعاناة
في بيانها الأخير، أوضحت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني أن أزمة التقنين ناتجة عن انخفاض مستوى المياه، مما أثّر بشكل مباشر على إنتاج المعامل الكهرومائية، الأمر الذي دفعها إلى التواصل مع وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان للبحث عن حلول تحدّ من تداعيات هذه الأزمة. غير أن الحلول المطروحة حتى الآن لا تزال تدور في إطار التخدير المؤقت، فيما تبقى الحاجة إلى حل جذري يتناسب مع متطلبات التنمية المتوازنة التي يفترض أن تشمل هذه المناطق المحرومة تاريخيًا.
إنماء غير متوازن

تغيير النهج بدل إدارة الأزمة
قد يكون الاجتماع المرتقب بين المصلحة الوطنية لنهر الليطاني ومؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه يبقى حلًا ترقيعيًا ما لم يتم وضع رؤية واضحة لمستقبل الكهرباء في هذه المناطق. المطلوب ليس مجرد تقليص ساعات التقنين، بل ضمان استدامة الكهرباء من خلال تعزيز مصادر الطاقة البديلة، والحد من الهدر، ورفع التعديات، وإشراك المجتمع المحلي في حلول تضمن استمرار الإنتاج وتحقيق التنمية المستدامة.
مقاربة جديدة.. كيف؟
في الخلاصة، إن حقّ البقاع الغربي في الكهرباء لا ينفصل عن حقّه في الإنماء والتعليم والاقتصاد المستدام. لا يمكن بناء مؤسسات تربوية فاعلة ولا اقتصاد منتجاً في ظل غياب الكهرباء، التي أصبحت اليوم عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وعليه، لا بد من مقاربة جديدة لا تعتمد فقط على توزيع النقص والحرمان، بل على إيجاد حلول عملية تُخرج هذه المناطق من دائرة الحرمان المزمن إلى رحاب التنمية الحقيقية، خصوصًا وأنها كانت من أولى المناطق التي دفعت ثمن العدوان الإسرائيلي الغاشم، في الماضي وإبّان الحرب الأخيرة، ولا يجوز أن تكون أيضًا ضحية الإهمال الرسمي والتقنين الجائر.
لم يكن المقصود التطرق إلى قضية محلية جدًا، بقدر السعي إلى تقديم قراءة علمية وموضوعية للواقع، بعيدًا عن الخطاب الشعبوي، مع التأكيد على أحقية، بل ضرورة، الاعتصامات الشعبية السلمية لأهالي المنطقة وكل منطقة لبنانية تشعر بالغبن والحرمان.