سيناريوهات ما بعد استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت؟

أربعة أشهر مضت على اتفاق وقف إطلاق النار، منها فترة الـ 60 يوماً، والتي مُدّدت لثلاثة أسابيع قبل الانسحاب المنقوص، حيث ظلّت قوات الاحتلال في أكثر من خمس نقاط ومنطقة عازلة متقطعة على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وما زالت الاعتداءات الإسرائيلية مستمرة على جنوب نهر الليطاني وشماله، وزاد عدد الشهداء عن المئة وعشرة والجرحى بالمئات، و"حزب الله" ما زال متسلحاً بخطاب الدولة ومسؤولياتها.

في اليوم الأول بعد انقضاء الشهر الرابع على وقف النار “نظرياً”، استهدف الإسرائيليون الضاحية الجنوبية لبيروت بغارة دمّرت مجمعاً سكنياً، الأمر الذي أعاد طرح التساؤلات بشأن مآلات الأسابيع والأشهر المقبلة وما هي حدود التصعيد الإسرائيلي؟ وإلى متى سيبقى حزب الله صامتاً خلف “خطاب الدولة”؟

يكشف الاستطلاع الأسبوعي لصحيفة “معاريف” أن 66% من الإسرائيليين ليسوا راضين عن أداء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فضلاً عن أكثر من 70% يعتقدون أن حكومة نتنياهو تُقدّم المصالح الحزبية والشخصية على مصلحة الدولة، ويُبيّن الاستطلاع نفسه أن الإئتلاف الحاكم بزعامة نتنياهو سيخسر في حال جرت انتخابات نيابية مبكرة الآن أربعة مقاعد ويسقط حزب الصهيوينة الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش إلى ما دون نسبة الحسم ويهبط مجموع نواب الإئتلاف الحاكم من 68 حالياً إلى 50 نائباً فقط مقابل حصول المعارضة على 61 مقعداً، أي النصف+1، من دون انضمام الأحزاب العربية إليها (9 مقاعد).

تقود هذه الأرقام إلى فرضية عالية بأن نتنياهو ما زال منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى يومنا هذا صاحب مصلحة في المضي بخيار الحرب حتى يحين موعد الانتخابات التشريعية في العام 2026، اعتقاداً منه بأنه يستطيع أن يخلق لنفسه صورة “بطل إسرائيل” الذي تمكن من هزيمة إيران وكل حلفائها في المنطقة ولا سيما حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان. زدْ على ذلك أن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، يريد أن يترك بصمة في سيرته الذاتية، وأن يتميز عن أقرانه من العسكريين الذين تعاقبوا على وزارة الدفاع الإسرائيلية، لا سيما سلفه يوآف غالنت، خصوصاً بعد أن نجح هو ونتنياهو في الإطاحة برئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي وإحلال الجنرال إيال زامير مكانه في رئاسة الأركان، بحيث يتقاطع طموح كاتس مع طموح الأخير بالتميز عن سلفه!

ويُترجم هذا المنطق السياسي ميدانياً في غزة، عبر إعادة إشعال الحرب، وذلك بحجة عدم قبول حركة حماس بالطروحات الإسرائيلية والأميركية. أو بمعنى أدق، عدم تمكن نتنياهو من فرض شروط الاستسلام على المقاومة الفلسطينية. أما في لبنان، فإن رئيس الأركان يبدي حماسة للذهاب إلى الحرب حتى نهر الأولي أو خوض أيام قتالية، على أن تكون هذه المرّة عبارة عن حرب تكنولوجية بحتة، بخلاف الحرب السابقة، مع صفر خسائر بشرية، إذ يتفق عدد من المحللين في إسرائيل على أن ممارسة الجيش الإسرائيلي دور “شرطة تأديبية” على شاكلة ما يجري في لبنان، لم ولن تؤتي ثمارها وسوف يضطر أصحابها للدخول إلى الميدان، وهذا ما لا تريده تل أبيب بعد فشل الحرب البريّة في التقدم إلى حدود الضفة الشمالية لنهر الليطاني في جنوب لبنان أو الاستقرار في البلدات الجنوبية الأمامية وإلا ساعتئذٍ تبدأ الحرب الفعلية، هذا إذا ما أرادوا الحسم العسكري، والذي يمثل الأساس الثالث في العقيدة الإسرائيلية، التي صاغها ديفيد بن غوريون، والتي تبدأ بالردع ومن ثم الإنذار، وصولاً إلى الحسم العسكري.

عليه، ثمة ثلاثة سيناريوات محتملة للمرحلة المقبلة:

أولاً؛ ترفع إسرائيل مستوى التصعيد، لجهة معاودة استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت بشكل أوسع، وهذا الأمر يُحرج “حزب الله” كثيراً، وربما يُخرجه من صبره المرّ الذي يمارسه من لحظة وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي إلى الآن. حينها نقترب من معاودة الحرب وإن بشكل مغاير للحرب السابقة، بحيث تكون خالية من الاجتياحات البرية على الأقل.

ثانياً؛ تستمر إسرائيل باعتداءاتها بوتيرة لا ترقى إلى استهداف الضاحية مرة أخرى، نزولاً عند رغبة قوى دولية، وأولها الدولة الفرنسية المشاركة في لجنة مراقبة تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1701. والتي أدان رئيسها، إيمانويل ماكرون، استهداف الضاحية من قصر الإليزيه في باريس خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون. وفق هذا السيناريو، ستتركز الاعتداءات على منطقة جنوب نهر الليطاني. وفي هذه الحالة، يُتاح للحزب ان يستمر بالتزام خيار الصمت أو الصبر المر. وهو في الواقع لا يريد التصعيد أو العودة إلى الحرب مرة ثانية. ثمة أمور كثيرة تشغله في هذه الأيام، تتقدمها عملية إعادة الإعمار وعودة الجنوبيين إلى قراهم الحدودية.

ثالثاً؛ حصول متغير مهم على صعيد تبادل الرسائل بين طهران وواشنطن، لجهة البدء بمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، حتى وإن تمّ حصرها في الملف النووي من دون التطرق إلى ملف الصواريخ البالستية والمُسيّرات، أو ملف نفوذ إيران في المنطقة. سوف ينعكس ذلك إيجاباً على لبنان إذا نجح الأميركيون في فرض انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس وتسليم الأسرى والشروع في مفاوضات مع لبنان، يكون سقفها تثبيت اتفاقية الهدنة عام 1949..

إقرأ على موقع 180  بيئة خارجية دافعة للحل السوري.. ماذا عن الداخل؟ (2)

والجدير ذكره هنا، أن واشنطن وتل ابيب على السواء تعرفان جيداً أن تسليم حزب الله سلاحه غير وارد الآن على الأقل، والحزب ليس بوارد تحويل خسارته للحرب إلى هزيمة، ولن يُسلّم سلاحه تحت الضغط السياسي والاقتصادي والاستهدافات العسكرية والأمنية من هنا وهناك، طالما أن الحرب الأخيرة على ضراوتها لم تقضِ عليه. وتعرف واشنطن وتل أبيب أيضاً أن استمرار الضغط على لبنان لن يجرّ الأخير إلى عقد اتفاقية سلام أو تطبيع مع الكيان العبري، أو بالأحرى، لا يستطيع أي مسؤول لبناني أن يتحمل الإخلال بالتوازنات الداخلية بما يؤدي إلى انفجار داخلي يشبه ما حصل في أعقاب توقيع اتفاق 17 أيار/مايو 1983.

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  زيارة إلى القدس.. أهميتها الدينية والسياسية في الإسلام