

نحن لا نعيش حرب آلهة، بل عبث الحمقى.
من خلف طاولات مذهّبة في عواصم القرار، يتحكم بضعة رجال، بربطات عنق أنيقة ووجوه جامدة، بمصير كوكب بأكمله. رجلٌ يستيقظ غاضبًا من تقرير، أو يعاني من نوبة انتفاخ ذاتي، فيُطلق حربًا جديدة. وآخر، يشعر بأن صورته الإعلامية أصابها البهتان، فيحتاج إلى معركة تعيد له “هيبته”. وهكذا.. تُقصف دول، وتُهجّر شعوب، وتُولد نزاعات لا تنتهي.
وفي حين يتقدم العالم بخطى متسارعة نحو الذكاء الاصطناعي، تظل مواقع القرار الدولي مشغولة بالغباء البشري الصافي. تكنولوجيا تصعد إلى المريخ، وعقل سياسي بالكاد يفك رموز كتاب تاريخ ابتدائي. مفارقة تُضحك وتُبكي في آن: خوارزميات قادرة على توقع الزلازل، وقادة غير قادرين على توقع عواقب جملة واحدة يُطلقونها أمام الميكروفون.
القوانين الدولية؟ أصبحت مثل نصوص قديمة تُقرأ فقط حين تروق للمتنفذين. المبادئ الإنسانية؟ سلعة موسمية، تُستخدم لتزيين الخطب، وتُرمى خلف الكواليس بعد التصفيق. أما الشعوب، فتقف كمتفرجٍ في مسرحية عبثية طويلة، لا تعرف إن كانت ستضحك أم تصرخ.
نحن نعيش زمن “النهاية المحتملة” المستمرة. لا لأن الكوارث حتمية، بل لأن الحمقى الذين يصنعونها يملكون السلطة الكاملة، والصوت الأعلى، والزرّ الأحمر. والكارثة الحقيقية ليست في امتلاكهم الأسلحة، بل في أن لا أحد يملك شجاعتهم.. في كبحهم.
ربما كان من المنطقي أن تكون نهاية العالم على يد آلهة تغار وتغضب وتنتقم. لكن أن تُترك لنا نهاية بيد كائنات تُغرّد بتفاهات على المنصات الاجتماعية، وتشن الحروب لتغطية إخفاقات داخلية، فتلك ذروة الانحطاط البشري.
العالم لا يحتاج إلى مزيد من المؤتمرات، بل إلى مساءلة حقيقية. لا يحتاج إلى أدوات تكنولوجية أذكى، بل إلى قادة أقل غباءً. لأنه في زمن كهذا، قد لا يكون الجنون خيارًا، بل هو السلطة ذاتها.