

على مدار العامين المنصرمين، حرصت على أن أكون كل يوم – تقريباً- على تواصل شخصي مع أحد من داخل قطاع غزة: أصدقاء معارف، ناشطين.. وحدها الصعوبات التقنية كانت تحول دون التواصل والتفاعل اليومي مع أحدٍ من داخل غزة “قِبلةُ الدنيا” لمتابعة تفاصيل جرائم كارثة #العِرقبادة، من حيث أتواجد في إمبراطورية “الخالة” إنكلترا “أم بلفور”!
في منتصف الشهر الجاري، أيلول/سبتمبر، كانت غزة وما زال صوتها يصدح قلقاً ببثٍ مباشر في البيت الفلسطيني/ دارة فلسطين في كيمبريدج. هي أصوات مباشرة من أطفال ونساء ورجال وشيوخ وقنابل وطائرات وصواريخ تأتينا كلها عبر أمواج هاتف بحر غزة.
وفي ما يلي مختصر حديث جرى بيني وبين صديق غزاوي:
– طمئنوننا عنكم!
* “يا ليتك أخطأت، إنها فعلاً عِرقبادة: نحن نُهجَّر، ونُجَوَّع، ويُقطع عنَّا الماء، ونُقصف. نترقب ترحيلنا عن أرضنا، أو حرقنا. وأحياناً كثيرة نُقتل قبل أن نبكي”!
– هل حصلت عملية مواجهة مباشرة بين سكان غزة وعصابات القتل الصهيونية؟ أقصد هل تعرض المواطنون الغزاويون للتحذير العِرقباد؟ هلى تلقوا تحذيرات وتهديدات وأوامر تطلب منهم ترك منازلهم والرحيل من المكان؟
* الوضعُ خطيرٌ جداً يا صديقي. إذا ما تجرأ أي شخص على مواجهة جنود الاحتلال بأي شكل من الأشكال، ولو بالكلمة، يُقتل فوراً. عندما يجري تدمير برج سكني يأوي أكثر من 50 أسرة، كلهم مدنيون، فهذا هو العجز بعينه.. العجز الذي يليه القهرالدموي!
– وماذا عن وضع الصمود والتصدّي؟
* هناك بالطبع من لا يزال صامداً- وعن قناعة، ويرفض النزوح بالرغم من كل ما يحصل.. وهناك من لا يملك المال الكافي الذي يساعده على النزوح.. فخيار النزوح تكاليفه باهظة جداً.. كذلك العودة.. هذا لو كان هناك ثمة ضمان للعودة!
– وكيف هي الأوضاع والأجواء من حولكم في المدينة؟
* غزّة الآن تعيش أصعب الأوقات على الإطلاق.. لحظات أشبه بالجحيم.. الغارات الجوية على مدار ساعات الليل والنهار.. والروبوتات المفخخة تقتحم خيم النازحين وغرفهم غير المسقوفة.. أصوات الصواريخ والقذائف والقنابل وهدير الطائرات المسيَّرة يخنق أصوات صراخ الأطفال وأدعية الشيوخ ونحيب الأمهات.. كل شيء من حولنا مُمَّر. الكلُّ خائف، والكلُّ يتألم.. غزة تتألم، وتصرخ من الألم.. تنادي العالم، ولا حياة لمن تنادي.
– وكيف نستطيع نحن أن نساعدكم. ماذا يمكن أن نفعله لكم من حيث نحن؟
* شكراً على كل ما قدمتموه. ما نطلبه هو أن لا تتوقفوا عن الحديث عن غزة وعنّا.. استمروا في الكتابة عن قصصنا.. انقلوا أصواتنا حتى لو كانت هذه آخر مرة تسمع فيها صوتنا.
– أبقني على علم لطفاً!
* أكيد، إن لم نُباد الليلة. ألم تكتب منذ عامين “إنها العِرقبادة.. وغزة تُباد”؟ إنهم يعملون على إبادتنا الآن، رغم أن البلدة القديمة غزة ممتلئة بالناس!
– يحاصرون حصارهم باستنفار جبّار؟
* حي الصبرة ممتلئ بالناس – كذلك أحياء الجلاء والنصر والشاطئ وتل الهوا.. والناس صابرون ومحتسبون.
– ملحمة تبدو خيالية وأنتم أبطالها.
* نازلين قصف أبراج كسياسة تهجير.
– وأيضاً محاولة تيئيس نفسياً، مع أن الأبراج أول ما يُبنى بسرعة!
* منذ ثلاثة ايام على هذا المنوال!
– نعم. نشاهد، ونغرّد، ونخبر، ونتألم!
* جهودكم كبيرة ونتابعكم باستمرار.
– انتم الأبطال الحقيقيون، ونحن امتدادٌ بسيطٌ جداً.
* سنحاول أن نظلَّ صامدين قدر الإمكان.. وسنعمل على أن نبقى في أرضنا.. ونتدرب على الانبعاث مُجدداً. حياتنا غالية، لكن الوطن أغلى من حياتنا.