في كتابه “الإصلاح في سوريا“، الذي قمتُ بتحقيقه ونشره (دار الفرات، بيروت، سنة 2012)، كتب منصور سلطان الأطرش، في الصفحة 188، مقالة مؤرّخة في 24 نيسان (أبريل) 2005، قال فيها من ضمن ما كتبه:
«في رأينا أنّ المعارضة السورية التي نتحدّث عنها، حملت عرائضها نبرة تحدٍّ تُبعدها عن الحوار الهادئ مع أصحاب الشأن، ولا سيما أنها وضعت كل مطالبها على مستوى واحد».
ثم ختم مقالته تلك قائلاً:
«… فلا بُدّ من تحديد المشكلات التي تُعَدّ مفتاحاً لكل الحلول، والوفاق حولها، وإنضاج أقسامها».
مضى عقدان من الزمن على كتابة هذه المقالة، ومضت 13 سنة على نشر هذا الكتاب الحاوي على تلك المقالة!
تُرى، هل تطوّرت أساليب الأداء ضمن بعض المعارضة السورية؟ وهل غيّرت من طريقتها في اختيار أدواتها، بعد مرور كل تلك السنوات؟
يقول المَثَل العربي الفصيح: “من شبَّ على شيء شابَ عليه“!
سيستنتج القارئ حتماً أن الجواب على السؤالين السابقين هو النفي! فلا يزال بعض عُتاة المعارضة السورية، الخارجية بخاصة، يلوذون في الـ Comfort zone، خاصّتهم (منطقة الراحة الخاصة بهم)، ولا يُعيرون اهتماماً للواقع المعيشي للسوريين في الداخل. بل ها هم ما يزالون يغوصون في “جدال بيزنطي”، بينهم، عن كيفية هيكلة البنية التنظيمية، ليصبح فيها التنظيم أكثر مناسبةً وملاءمةً للتصوّر النرجسي لبعضهم!
كيف؟ وهل ثمة من فائدة للأمر؟
يبدو أن الجواب هو نعم! فالهدف، ظاهرياً، من هذا الجدال البيزنطي، هو “ترسيخ” الديموقراطية، التي يتعطّش بعض الداخل لمُلامستها، حتى لو من خلال قشرتها الخارجية، بسبب حرمان شعوبنا من ممارستها لعقود خلت، لكنْ، من دون معرفة حقيقية في الغوص حقاً في ماهيتها؛ أما الهدف الحقيقي والغائي لهؤلاء العُتاة، فهو التشبّث بالرأي الواحد، وجذب بعض المؤيّدين، لتفعيل السيطرة عليهم والتحكّم بـ”الريموت كونترول”، ظنّاً من هؤلاء أنهم يتفادون الخطايا القاتلة التي جعلت منهم غير فاعلين، على المستوى السياسي، طيلة عقد ونصف من الزمن الماضي.
ستؤكّد التجربة لهؤلاء وللمعجبين بلاعبي “الكشاتبين” النرجسيين، مُداوَرةً أو مُحاوَرةً، أن محاولة إرضاء من يهمّونهم من أصدقاء وأقارب، كي يؤكّدوا لأنفسهم أن فاعليتهم مستمرّة في أحوال السوريين، لن تؤدّي إلى ما ينشدونه، بل ستكرّر أساليبهم تلك، الخطايا السابقة ذاتها، التي لن تصبّ في صالح الناس المُفقرين في الداخل، ولن تسمنهم ولن تسدّ من رمقهم ولن تغنيهم من جوع!
أعود لتلك المقالة التي سبق وذكرتُها أعلاه، فأجد أن الكاتب قد شبّه ما وصلتْ إليه المعارضة السورية، حينذاك، من مطالب بـ”شلّة من حرير على شوك، يُطالَب بتسريحها خيطاً خيطاً“!
لا شكّ أن اعتياد بعضهم على “الصراع عن بُعد” وعلى سماع المديح الذي يُدغدغ نرجسيتهم، يجعلهم يظنّون أنهم القابضون على المسار الصحيح، فلا يستمعون لأيّ رأي آخر، مخلص وصادق ومنطقي؛ ولكنْ، إنْ حدث واستمعوا إليه، فلكي يحضّروا للقيام بمرحلة متطوّرة من لعبة “الكشاتبين”، علّهم يطيلون في عمر تلك اللعبة، التي لن توصلهم، في النهاية، إلا إلى الحائط المسدود ذاته الذي وصلوا إليه من قبل! يقول المَثَل الشامي: “من جرّب المجرَّب، عقله مخرَّب“!
قد يكون من الأفضل أن يتقاعد بعض النرجسيين السياسيين، أصحاب التجارب السابقة الفاشلة، ليتركوا المكان للشبيبة الواعية، القادرة على استلام الراية بصدق وأحقّية، لا بالتملّق والنَزَق، كي تقرّر الطريق التي تريد أن تسلكها نحو الخلاص، فَـ”أهل مكة أدرى بشعابها”، وهم الذين يُعوَّل عليهم ويعرفون سبل الخلاص.. وليكتفِ الشيوخ بالنصح، لا بالقيادة، في حال طُلِبَ منهم ذلك!
والله يرحم المرءَ الذي يعرف قدرَ نفسه، فيقف عنده في الوقت والزمان المناسبَيْن.
