كانت سنوات إغلاق معبر نصيب – جابر الحدودي بين سوريا والأردن، منذ العام 2015 وحتى 2018، عجافاً على الأردنيين، ووقعت عمان ضحية حصار دمشق، حتى أنهكها الحال. لذلك، شكّلت إعادة افتتاح المعبر طاقة فرج، فرح لها الأردنيون، لكن اشتياقهم لم يأخذ في الاعتبار أن الصراع الاقليمي والدولي على الأرض السورية وفي مساحات أخرى من المنطقة لم يُحسم بعد، فسرعان ما خيمت الخيبة على السياسي الاردني قبل التاجر والمقاول والمواطن وهو يرى الطريق نحو دمشق خاوياً برغم أنه ماعاد مغلقا، كما في السابق.
الخلاف السياسي لا يفسد للاقتصاد قضية!
تاريخياً، قلّما اجتمعت عمان ودمشق في السياسة. تلخص الصحافية رندا حبيب في كتابها “الحسين أباً وابناً” قصة عمان ودمشق تحت عنوان “سوريا: صداقة على وقع السلاح”، قائلة “لم تكن هناك قواسم مشتركة تجمع بين الملك حسين والرئيس السوري حافظ الأسد، فالرجلان كانا على طرفي نقيض، ولم يكن قيام صداقة بينهما أمراً ممكنا”.
وتشرح حبيب “كان الحسين مأخوذاً بالنموذج الغربي للحكم، في حين كان الأسد موالياً للسوفيات. كان الأول على قناعة بإمكانية العيش في وئام مع الإسرائيليين، فالعرب واليهود (جميعهم أبناء إبراهيم)، كما يحلو له القول، أما الأسد فكان ينظر إلى إسرائيل من منظار الشك والريبة”.
وبرغم ما سبق تقول حبيب “وعلى ما بين الرجلين من خلافات واختلافات، فقد عرفنا فترات تقارب على خلفية المصالح المشتركة”.
لن نبذل جهداً كبيراً حتى نستدل على مواقف سياسية جرت بين البلدين في فترة الأزمة السورية، يمكنها أن تنسحب على القاعدة الماضية التي وضعتها حبيب لتوصيف العلاقة تاريخياً. فالأردن المنتمي إلى محور معاد لسوريا، وبرغم استضافته لقاعدة “الموك”، وبرغم المساهمة التي فُرضت عليه في الأزمة، سعى – خلافا لتركيا ودول أخرى – لأن يُعلن التزامه بالدور الإنساني فقط. وتلا صمود دمشق تقارب بين الأردن وروسيا حليفة دمشق الأقوى.
وكان واضحاً للجميع وقوف الوفدين البرلمانيين السوري واللبناني إلى جانب رئيس الاتحاد البرلماني العربي رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة عندما اعترضت كل من السعودية والإمارات ومصر على بند عدم التطبيع مع “إسرائيل” في مسودة البيان الختامي للإتحاد، في حين رفض الطراونة، وتمسك ببند رفض التطبيع مع “إسرائيل”.
وقعت عمّان ضحية حصار دمشق، حتى أنهكها الحال
ضغوط تبدد الأمل بانتعاش اقتصادي
ثمة رغبة قوية في التقارب بين الأردن وسوريا، تبقى محفوفة بالصمت أحيانا، وهنا نطرح السؤال حول ما إذا كان الجانب الأردني تحديداً يفضل عقد الاجتماعات مع الجانب السوري بعيداً عن الإعلام حتى تتم الاتفاقات بعيداً عن الضغوط؟
يعتبر نائب رئيس الوزراء وزير الدولة الأردني الأسبق لشؤون الاستثمار جواد العناني، خلال حديثه إلى “180”، أنه “قد يكون هنالك مستويان من تطوير العلاقة”، مشيراً إلى المستوى الثاني وهو “الاتصالات بين مسؤولين سابقين معروفين بحسن علاقاتهم مع سوريا، وذلك بهدف التمهيد للأمور، وهم يحاولون دفع الأمور باتجاه الحل ووضع تصور لما يجب أن تكون عليه الأمور، وإذا كانت هنالك إشكاليات فإنهم يحاولون حلها، سواء كانت متعلقة بالحدود أو الأسرى أو التطوير التجاري أو معبر نصيب أو ما يخص الاستثمارات المشتركة بين البلدين وغيرها”.
وبالفعل، فقد تمت زيارات من رؤساء حكومات سابقين إلى سوريا، وهي لم تكن معلنة ولم يؤكدها مصدر أو ينفيها، لكن تناقلتها أحياناً، بعدما تمت، مواقع الكترونية اردنية. وقبل أن يتطرق العناني إلى طبيعة تلك الزيارات غير المعلنة، فإنه يتحدث عن “علاقات واضحة وفوق السطح” وهي “العلاقات الدبلوماسية” التي يرى أنها “أصبحت أكثر كياسة ولياقة مما كانت عليه أيام سفير [سوري] سابق وإبان فترة الحرب”، مبيّناً أن “كل جانب يسعى لمحاولة تفهم موقف الآخر”.
وبناء على ما سبق، يعتبر العناني “أن المباحثات غير المعلنة إعلاميا في بعض الأحيان تكون فقط من أجل عملية توضيب الأمور وتسهيلها لا أكثر ولا أقل، لأنها في آخر المطاف إذا أدت إلى نتائج ملموسة على الأرض سيتم الإعلان عنها في الوقت المناسب”.
برغم ما ذهب إليه العناني، لا يمكن إنكار الضغط الأميركي على الأردن في هذا الخصوص.
يشرح الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي لـ”180″ درجة الضغوط الأميركية على الأردن قائلاً: “كان موضوع فتح معبر [جابر – نصيب] أمراً منتظراً سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى الشعبي، لكن الاردن في هذا الموضوع يتعرض لضغوط كثيرة أهمها الضغط الأميركي الآن”.
قناة برلمانية مفتوحة
ويضيف الرنتاوي “الولايات المتحدة لا تفوّت مناسبة إلا وتطلق تحذيرات قطعية من خطورة التعامل مع السوريين، وأثرها على وضع الشركات ورجال الأعمال والمؤسسات على قوائم العقوبات. ففي يوم معرض دمشق الدولي، قاموا بإصدار بيان ويوم معرض إعادة إعمار سوريا أصدروا إنذاراً، وعندما تم فتح معبر [نصيب – جابر]، لم يترك الملحق التجاري الأميركي مؤسسة إلا وأبلغها بأن المشاركة في أي عمل – “بزنس” مع سوريا يعرّضكم للعقوبات الأميركية ويمنعكم من الاستفادة من مزايا اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة”.
لقد أصبح المعبر حسب الرنتاوي، وبسبب الضغوط الأميركية على الأردن، مجرد ممر لحركة الأفراد أكثر من كونه مخصصاً لحركة البضائع والتجارة. لذا يرى الرنتاوي أن “التطبيع على المستوى الحكومي [بين البلدين] تباطأ بشدة بسبب هذه العقوبات، ولكن توجد قناة برلمانية نشطة، تحاول تعويض القناة الحكومية بشكل أو بآخر”.
ويُذكر الرنتاوي بالموقف الأوروبي الذي مازال سلبياً حيال سوريا، فيقول “أوروبا أيضاً لديها قوانين عقوبات على سوريا، والدليل احتجاز ناقلة النفط الإيرانية في جبل طارق، وهي احتُجزت بحجة خرق العقوبات الأوروبية على دمشق وليس العقوبات الأميركية والدولية”.
لا يريد الأردن أن يغضب الأوربيين في هذا الشأن، بحسب الرنتاوي، الذي يعود ويؤكد أن “الضغط الأساسي الذي يخشاه الأردن هو الضغط الأميركي أكثر من أي شيء آخر. ولهذا السبب نحن نرى أن هنالك مصلحة ورغبة وإرادة شعبية عموماً تتجه للتطبيع مع سوريا واعادة العلاقات لكن المستوى الرسمي لا يزال قلقاً متردداً يأخذ في الحسبان الموقف الأميركي في هذا المجال”.
الضغط الخليجي يتراجع
الحديث عن الضغوط الممارسة على الأردن الساعي للتقرب من جارته سوريا ما عاد يشمل دول الخليج العربي، ما يفتح باب التساؤل على مصراعيه: “هل خفّ الضغط الخليجي فعلاً عن الأردن؟”.
يشير الرنتاوي إلى أنه “في الماضي كان الضغط من دول الخليج ومن بعض الدول العربية، الآن الضغط الخليجي خفّ”. ويشرح “الإمارات فتحت [خطاً على دمشق]. افتتحت سفارة وحضرت معرض دمشق الدولي ومعرض إعادة إعمار سوريا. الإمارات تعمل على موضوع سوريا. والأنباء تتحدث عن أن هنالك إشارات سعودية تذهب في الاتجاه ذاته، لكن السعودية لا تريد الصدام مع الأميركيين في مرحلة تبدو فيها بأمس الحاجة إليهم في موضوع إيران”.
في النتيجة، يقول الرنتاوي “ما عادت السعودية تلعب دوراً في التحريض وفي الضغط لمنع العلاقة”.
وعند سؤال العناني حول ما إذا كان الانفتاح الاقتصادي الاردني على سوريا يخدم دولا خليجياً وتحديدا بما يخص موضوع الترانزيت، يجيب “نعم”، ويضيف “يجب أن نعلم أن علاقتنا مع سوريا والعراق مهمة جداً، هؤلاء جيراننا وشركاؤنا التقليديين اقتصادياً وهي علاقة يصعب جداً فصلها”.
ويعتبر العناني أن الحل يكمن في أن “يكون هناك مسعى قوي من الأردن لاقناع الإدارة الأميركية بأن هذا الكلام لا يجوز، لأن حجم الضرر كبير جداً علينا، وقد تحملناه سنوات طويلة”. ويضيف “يجب أن نؤكد على قضية مهمة جداً، وهي أن الأردن راغب جداً في أن تكون علاقاته مع سوريا طبيعية وعادية، وأن تعود الى سابق عهدها، لأن بيننا علاقات تجارية واقتصادية كبيرة”.
هل ما زال هنالك مكان للأمل؟
يجيب الرنتاوي بأنه من حيث الأصل يجب أن “تبدأ العلاقات بالتحسن”، لكن علاقات هذين الجارين رهن بالتوازنات الاقليمية والدولية. ويشرح الأمر قائلاً: “هذا الموضوع رهن بأكثر من متغير بمعنى آخر، إذا حدث تقارب أميركي- روسي في موضوع سوريا كالاتفاق على اللجنة الدستورية، يعد ذلك مؤشراً إيجابياً”، لكنه يرى أنه من المبكر الجزم في هذا الموضوع.
البُعد الثاني الذي يحكم العلاقات الأردنية السورية حسب الرنتاوي هو “التوتر الخليجي – الايراني والاميركي – الايراني”، مشيراً إلى أن “هناك رياح انفراج تهب”، متمثلة “بمبادرة الرئيس حسن روحاني في أمن الخليج، وهنالك مبادرة الحوثيين في التهدئة مع السعودية”، مؤكداً أنه “إذا حصلت انفراجات سيصبح الأردن أكثر جرأة في اتخاذ مواقف بهذا المعنى لأن سوريا محسوبة على المحور الإيراني في المنطقة”.
ويختصر الرنتاوي الحال بأنه “اذا حصلت هذه الانفراجات نعم، يمكن ان تنعكس ايجاباً على تطور العلاقة الأردنية السورية، أما اذا تعقدت الأمور، باعتقادي سوف يتباطأ هذا المستوى الانفتاحي”، مؤكداً أن العملية “رهن بأكثر من متغير وليس بمتغير واحد في هذا المجال، لكن الأمر الجيد هو ان الطريق بيننا وبين سوريا فُتح باتجاه واحد، بمعنى انه لا توجد انتكاسة”.