لم يصدق “رشيد”، وهو لاجئ سوري كردي في هولندا، عينيه عندما رأى للمرة الأولى عبوة زيت كبيرة تحمل اسم “زيت جنديرس” تغزو الأسواق في بلاد اللجوء الأوروبية، في وقت يسيطر فيه مسلحو “الجيش الوطني” التابع لتركيا على أرضه في عفرين، ولا يعرف عنها شيئاً.
يقول “رشيد” في اتصال هاتفي مع “180” :”فجأة ظهر هذا الزيت في الأسواق، وبدأ ينتشر بشكل كبير، خصوصاً أن نوعيته جيدة مقارنة بالزيت المتوافر أصلاً”، موضحاً أن سعر العبوة الواحدة التي تحتوي على 8 ليترات تبلغ نحو 55 يورو (حوالي 52 ألف ليرة سورية).
في شهر تشرين الأول الماضي، فوجئ لاجئون سوريون في بلجيكا وهولندا وألمانيا بظهور منتج في الأسواق يحمل اسم “زيت جنديرس”، نسبة لمدينة جنديرس في عفرين السورية التي سيطرت عليها تركيا في الشمال السوري في شهر آذار/مارس من العام الماضي إثر عملية عسكرية أطلقت عليها حينها اسم “غصن الزيتون”.
ومنذ سيطرة تركيا والفصائل المسلحة السورية التابعة لها على عفرين، شهد محصول الزيتون، الذي يعتبر العمود الفقري لاقتصاد تلك المنطقة، نكسات عدّة، كما تعرض المزارعون لعمليات خنق اقتصادي متواصلة، عن طريق فرض ضرائب كبيرة على المحاصيل، وإجبارهم على تسليم محصولهم للفصائل المسلحة في المنطقة مقابل أسعار بخسة.
المنشار التركي
حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) أصدر في السابع من كانون الأول/ديسمبر الحالي بياناً تفصيلياً حول ما تعرض له موسم الزيتون في عفرين على يد الفصائل المسلحة، والقوات التركية.
وأوضح البيان أن “موسم الزيتون خلال العام الحالي شهد المزيد من السلب والنهب والسرقات، حيث أُلغيت معظم الوكالات التي وكَّل بموجبها الغائبون أقرباء لهم أو أصدقاء في الداخل بإدارة ممتلكاتهم، من قبل الميليشيات المسلحة التي وسَّعت من نطاق استيلائها على ممتلكات السكان الأصليين، بل وقامت مع مجموعات عديدة ممن تم توطينهم بسرقة ثمار أشجار حقول الكثير من السكان أيضاً، إلى جانب فرض أتاوى مختلفة تصل أحياناً إلى 40% من المنتوج، وكذلك حصر بيع الزيتون الأخضر لبعض المراكز والأشخاص المعتمدين من قبل الميليشيات، وفرض قيود على حركة بيع وشراء ونقل زيت الزيتون، وبالتالي ارتفاع التكاليف وانخفاض الأسعار”.
وتعرضت منطقة عفرين في الشمال السوري لعمليات تهجير متعمد للأهالي (غالبيتهم من الأكراد)، ليتم لاحقاً توطين سكان جدد من المسلحين الذين خرجوا من مناطق مختلفة من سوريا (ريف دمشق، ريف حمص وغيرها) بعد الاتفاقيات التي سمحت بخروجهم أثناء سيطرة الجيش السوري على تلك المناطق، الأمر الذي فسّره كثيرون بعملية تغيير ديموغرافية للشمال السوري بشكل عام.
تعرضت عفرين لعمليات تهجير متعمد للأهالي، ليتم لاحقاً توطين سكان جدد
البيان الكردي ركز على نقاط محددة حول آلية سرقة الزيتون السوري، أولها ” قيام فريق تركي حصراً بشراء زيت الزيتون وبإشراف سلطات الاحتلال (التركي)، الذي أسس له مركزاً في معصرة رفعتية قرب مدينة جنديرس- غرب عفرين، حيث أن تجار عفرين المحليين يعملون لصالحه ويدفعون 3% من قيمة المبيعات كضريبة- أتاوة للاحتلال التركي، الذي اعترف وزير خارجيته ونواب حزبه الحاكم بالاستحواذ على شراء زيت الزيتون من عفرين، ويتم تصديره إلى أوروبا كمنتوج تركي”، وفق البيان.
وتابع أن موسم الزيتون عانى أيضاً من “ارتفاع تكاليف الخدمة والقطاف والنقل والشحن، بسبب تهجير الأهالي وقلة الأيدي العاملة المحلية، وفرض أتاوى على النقل والشحن وسرقة نسبة كبيرة من آليات وسيارات أهالي المنطقة من قبل الفصائل المسلحة، وفرض الحصار على المنطقة”.
وبحسب البيان، فقد وصلت “نسبة الضياع (سرقة ثمار الزيتون + أتاوى الميليشيات المسلحة وسلطات الاحتلال + مصادرات الزيتون والزيت + استيلاء على حقول الزيتون + الهدر…) إلى حوالي 70% من إجمالي إنتاج الموسم”، على حد تعبير الحزب الكردي، الذي أضاف أن ” إجمالي خسائر (الضياع وفرق السعر) بلغ حوالي 40 مليون دولار، عدا التكاليف المختلفة، وعدا إنتاج ملايين من أشجار زيتون برية مثمرة، كان يُستفاد منه، ولم يعد بالإمكان الآن”.
وبحسب شهادات عدة، فإن الفصائل المسلحة، بإشراف تركي، تجبر الأهالي على بيع تنكة الزيت (16 ليتر) بمبلغ يتراوح بين 24 و30 دولاراً فقط، في حين يتم بيع الزيت ذاته بعد تهريبه إلى تركيا وتغليفه ضمن عبوات تحتوي على 8 ليترات وتصديره إلى أوروبا بمبلغ يصل إلى 55 يورو (خمسة أضعاف سعره تقريباً).
ووصف أهالٍ من عفرين ما يجري مع محصولهم بأن “المنشار التركي” لم ترك شيئاً، ضرائب وأتوات مرتفعة من جهة، وعمليات خطف وطلب للفدية من جهة أخرى، قبل أن يجبروا على بيع ما استطاعوا جنيه من محصولهم بـ “تراب المصاري”.
اعتراف تركي
شهد البرلمان التركي، خلافات ومشادات بين نواب “حزب العدالة والتنمية” الحاكم وأحزاب المعارضة، بسبب الزيتون المهرب من مدينة عفرين شمال سوريا، الشهر الماضي وفق موقع “زمان” التركي.
وبحسب الموقع، انتقد نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، أونال تشافيك أوز، سياسات تركيا تجاه سوريا، خلال اجتماعات مناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة الخاصة بعام 2020، مشيرا إلى أن زيت الزيتون المنتج من زيتون مدينة عفرين في شمال سوريا، يتم تصديره للعالم عبر تركيا “بعد سرقته من قبل قوات الجيش السوري الحر”، وشدد على أن هذا الوضع ضد تحقيق وحدة الأراضي السورية.
أقرّ “حزب العدالة والتنمية” الحاكم بأنّ تركيا تحصل على زيت عفرين وتبيعه
وذكر الموقع أن نائب “حزب العدالة والتنمية” أوغور آي دمير، رد على هذه الانتقادات قائلًا: “هل يأتي الزيتون وزيت الزيتون من عفرين أو من سوريا إلى تركيا؟ نعم يأتي. من يعيشون هناك يقومون بإنتاج الزيتون، وزيت الزيتون. إن لم نقم نحن بالحصول عليه من سيحصل عليه؟ من سيشتريه ومن سيبيعه؟”.
وواجهت الحكومة التركية مطلع العام الحالي اتهامات من برلمانيين أوروبيين من سويسرا واسبانيا بسرقة الزيتون السوري وتهريبه وبيعه، دون أن تمنع الاتهامات تركيا من متابعة عمليات تصدير الزيت المسروق.
وفي ما يبدو أنه عملية التفاف على أي جدل قد يحدثه تصدير الزيت السوري المسروق، لم تقم الجهات التي تقوم بتهريبه بتغيير منشأه كما حصل العام الماضي عندما تم تصدير الزيت السوري على انه تركي، حيث حمل الزيت السوري اسم منطقة زراعته ومنشأه الحقيقي، الأمر الذي ساهم أيضاً بتسويقه بشكل أفضل كون الزيت السوري عموماً، و “العفريني” على وجه التحديد يتمتع بسمعة جيدة.
وتبلغ مساحة عفرين نحو 3850 كيلومترا مربعاً، أي ما يعادل 2% من إجمالي مساحة سوريا، وتعتبر من المناطق المعروفة بجودة زراعتها، وهي مصدر رئيسي لدخل معظم سكانها، حيث تشتهر بالزيتون على وجه الخصوص، ويعتبر الزيت “العفريني” من أفخر أنواع الزيوت. وبحسب عملية إحصاء أجرتها “الإدارة الذاتية” الكردية العام 2017 (قبل سيطرة تركيا على المنطقة) بلغ عدد أشجار الزيتون حوالي 18 مليون شجرة، ووصلت كمية إنتاج الزيت إلى 270 ألف طن في الأعوام المثمرة.