الحكومة اللبنانية إلى “مضارب” الحسابات المتناقضة

دخل تأليف الحكومة اللبنانية في نفق الإنتظار السياسي الثقيل، خصوصاً مع تعاظم وتصاعد الإشتباك الإيراني ـ الأميركي، إثر إغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس قرب بغداد الأسبوع الماضي.  

عكس كل من الرئيس  اللبناني ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة حسان دياب أجواء إيجابية بشأن إجتماعهما الأخير، أمس (الثلاثاء)، لكن في ظل تضارب المعطيات بشأن طبيعة العراقيل التي تعترض تأليف الحكومة الجديدة، فيما كان لافتاً للإنتباه قول رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري اليوم (الأربعاء) إن المطلوب “حكومة لم شمل وطني جامعة، تطمئن الناس وتبدد الهواجس”، وأكد أن الوقت “ليس وقت إلقاء مسؤوليات والتلهي بشكل الحكومة”، وإعتبر أن أن المفروض بحكومة تصريف الأعمال “ممارسة صلاحياتها”. أما حزب الله، فقد إعتصم بالصمت، في إنتظار الموقف الذي سيعلنه أمينه العام السيد حسن نصرالله الأحد المقبل.

الأكيد حتى الآن أن ثمة معطيات جديدة دخلت على خط التأليف الحكومي، جعلت الأمور تعود إلى الوراء، لكن في المقابل، ثمة من لا يريد أن يتحمل مسؤولية تعطيل الولادة الحكومية، عبر محاولة كل المكونات إشاعة أجواء إيجابية، الأمر الذي يوحي “وكأن حسان دياب بات يعطل نفسه”، على حد تعبير أحد زواره..

وفيما قالت أوساط مقربة من قصر بعبدا أنه تم الإتفاق بين الرئيسين عون ودياب على عدم توزير أية شخصية شغلت منصباً وزارياً في أية حكومة سابقة، قالت أوساط متابعة لمسار التأليف إن دياب إلتزم بعدم توزير أي من وزراء الحكومة السابقة، ولكنه لم يلتزم بقاعدة عدم توزير من كانوا في كل الحكومات السابقة.

وبينما توحي إشارة “الفيتو” على كل الوزراء السابقين أن عقدة دميانوس قطار قد أزيلت نهائيا، طالما أنها هي العقدة التي منعت الى الان ولادة الحكومة، فإن حصر “الفيتو” بمن كانوا وزراء في الحكومة السابقة فقط، يعني أن قطار ما زال مرشح حسان دياب ولكن هذه المرة لحقيبة الإقتصاد لا الخارجية التي ستكون من نصيب التيار الوطني الحر.

وفي المعلومات أن دياب قدم أمس (الأربعاء) إلى عون تصوره لتوزيع الحقائب الحكومية على حكومة من 18 وزيراً، على أن يتم اسقاط الاسماء المناسبة على الحقائب الوزارية، وإتفق كل من عون ودياب على تحويل مرحلة ما بعد الثاني من كانون الثاني/يناير إقليمياً (ما بعد إغتيال سليماني)  الى حافز للاسراع في عملية التأليف.

ثمة تقدير في القصر الجمهوري أن دياب سيزور قصر بعبدا قبل نهاية الأسبوع الحالي ويحمل الى عون مسودة شبه أخيرة تمهيدا لولادة الحكومة في الاسبوع المقبل “لان المهم، لا بل الاكثر اهمية، هو ولادة الحكومة وعدم بقاء الوضع الحكومي على ما هو عليه”

كيف بدا المشهد في الساعات الأخيرة؟

كل الحقائب التي كانت عرضة للإشتباك والإشكاليات تم توضيحها في لقاء بعبدا الاخير، بحيث اعيد تصويب اتجاه بوصلة التأليف، ومجددا تمكن الوزير جبران باسيل من اخراج ورقة غيّرت كل المعايير التي كان يعمل عليها، “فلقد اتفقنا على عدم توزير اي وزير سابق واي استثناء يفترض بالمقابل استثناءات اخرى، اما استبعاد كل السابقين واما لا صيف وشتاء تحت سقف واحد”، بينما كانت أجواء حسان دياب تشي بأن الإتفاق حصري بعدم توزير اي من وزراء الحكومة السابقة وليس كل الحكومات السابقة.

وثمة تقدير في القصر الجمهوري أن دياب سيزور قصر بعبدا قبل نهاية الأسبوع الحالي ويحمل الى عون مسودة شبه أخيرة تمهيدا لولادة الحكومة في الاسبوع المقبل “لان المهم، لا بل الاكثر اهمية، هو ولادة الحكومة وعدم بقاء الوضع الحكومي على ما هو عليه”.

على مستوى ثنائي حزب الله وحركة أمل، كل التطمينات أعطيت للرئيس المكلف ومعها تسهيلات كبيرة، فالرئيس نبيه بري سلمه إسم مرشحه لوزارة المال (د.غازي وزني)، واحتفظ باسم الوزير الشيعي الثاني من نصيب حركة أمل بحيث يسلمه للرئيس المكلف قبل صدور المراسيم من القصر الجمهوري. وكذلك فعل حزب الله الذي لم يودع اسمي وزيريه “وهما من أصحاب الإختصاص وتنطبق عليهما المعايير التيح حددها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة”.  كما حسم إسم ليلى يمين الدويهي للاشغال من حصة المردة، ولا صحة لكل ما يشاع عن أن تيار المردة طلب تسمية وزير ثانٍ (في بداية موسم التأليف طلب أن يسمي وزيرين لكنه تراجع عن موقفه لاحقاً). أما بالنسبة للأسماء المتداولة للتوزير فهي بمعظمها صحيحة، باستثناء الوزارء السابقين، واسماء وزراء الدفاع والعدل والطاقة والخارجية من حصة المكون المسيحي متفق عليهم بالتشاور بين عون ودياب، والاسم الدرزي حسم لمصلحة الدكتور رمزي مشرفية المدعّم بحقيبتين وزاريتين.

ما يجدر التوقف عنده، وهو مؤشر سلبي، ان عدم المزج بين حقيبتين ما زال قيد الأخذ والرد، في ظل ميل التيار الوطني الحر للفصل وليس الدمج حتى لو إستوجب الأمر الإتيان بحكومة من 24 وزيرا بدل حكومة الـ 18 وزيراً التي بقي حسان دياب متمسكاً فيها أيضا.

كان تأكيد متجدد من رئيس الجمهورية على سلامة كل أجنبي موجود على الأراضي اللبنانية، وفي ذلك إشارة واضحة من أنه ليس لدى أي طرف لبناني نية أو رغبة للذهاب إلى سلوكيات من شأنها أن تعيد لبنان إلى أجواء سادت في ثمانينيات القرن الماضي

وبين دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري حكومة سعد الحريري إلى تصريف الأعمال، وتضارب المواقف حول إجتماع بعبدا الأخير بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، ثمة مسافة كبيرة من الحذر، تستوجب من المراقبين التدقيق في ما يمكن أن يكون قد إستجد من معطيات في الساعات الأخيرة، لغير مصلحة التاليف.

إقرأ على موقع 180  ميشال عون.. المجازف الأكبر في الكيان الأصعب  

الأكيد أن مشاورات سياسية مكثفة حصلت في الساعات الثماني والأربعين الماضية، على أكثر من خط، وبدا خلالها التناغم واضحاً بين بعبدا وعين التينة، فيما حافظ الرئيس المكلف على صمته. فهل هناك محاولة فرض أمر واقع معين أم أن ظروف ولادة الحكومة لم تنضج برغم كل المؤشرات الإقتصادية والمالية السلبية؟

في موازاة هذا الواقع، تصر الرئاسة الأولى على أولوية تأليف الحكومة وعدم إضاعة المزيد من الوقت. عامل التحفيز الإضافي هو تهافت رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة في لبنان لمقابلة رئيس الجمهورية، وخصوصاً الدول التي لها مصالح حيوية وحضور ومشاركة في قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان، وكل من زار بعبدا من السفراء وخصوصاً سفراء الدول الكبرى، شدد على أهمية وجود حكومة لبنانية عاملة وفاعلة تتحمل مسؤولياتها، لا بل تمنى هؤلاء على عون أن يمسك شخصياً بملف الاستقرار الامني وسط خشية من تعرض أجانب موجودين في لبنان للخطر، وكان تأكيد متجدد من رئيس الجمهورية على سلامة كل أجنبي موجود على الأراضي اللبنانية، وفي ذلك إشارة واضحة من أنه ليس لدى أي طرف لبناني نية أو رغبة للذهاب إلى سلوكيات من شأنها أن تعيد لبنان إلى أجواء سادت في ثمانينيات القرن الماضي.

Print Friendly, PDF & Email
داود رمال

صحافي لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "فورين أفيرز": غزة تلغي الإنقسامات المذهبية.. وتحاصر الغرب