لبنان: إجتماع أمني برئاسة عون.. وبعض رسائله للحريري

لا يستطيع أحد في لبنان أن ينزع عن الحراك الشعبي الذي بدأ شهره الرابع، طابعه الإجتماعي المحق. غير أن هذا الإقرار بالمشروعية، لا يجعل بعض المؤسسات، وتحديداً الأمنية، تغمض عيونها، لا سيما وأن تجارب بلدان أخرى، مثل لبنان، أبرزت إمكان دخول قوى ومجموعات على خط هكذا أنواع من الحراك، بعضها مشروع في السياسة، وبعضها الآخر، "يستبطن عناوين أمنية تمس الأمن القومي لهذا البلد أو ذاك"؟

السلطة السياسية في لبنان مُدانة عند أغلبية الرأي العام اللبناني، بما في ذلك عند جمهورها، لأنها لا تتعاطى مع الأزمة السياسية ـ الإقتصادية ـ المالية، بمسؤولية وطنية. ثلاثة أشهر إنقضت ولم تولد حكومة اللون الواحد المنتظرة. ثلاثة أشهر ولم تجتمع حكومة تصريف الأعمال. ثلاثة أشهر ولم ينعقد المجلس الأعلى للدفاع. في الوقت نفسه، يستمر حراك الشارع السلمي، لكن هذه المرة مع حضور لافت للإنتباه لمجموعات تدار بـ”الريموت كونترول” (من داخل الحدود وأحياناً من خارجها)، في محاولة لتشويه الحراك الشعبي الذي طرح مطالب تعني الاغلب الاعم من الشعب اللبناني.

هذه القضية تحديداً كانت في صلب الدعوة إلى إجتماع طارىء للمجلس الأعلى للدفاع، وذلك إستناداً إلى تقارير امنية يومية كانت ترد الى رئاسة الجمهورية ووزارتي الداخلية والدفاع “وكلها تؤشّر الى ان جهات معروفة تريد إستغلال الحراك ودفع الامور الى تصعيد امني غير مشهود له منذ سنوات طويلة”، حتى أن وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، وبرغم إنتقاداته لأهل السلطة، دخل على خط التحذير من دماء قد تسقط (هذا الأسبوع)، “وذلك إستناداً إلى معلومات وليس إلى تحليلات”.

جاءت الاحداث المتسارعة في الأيام الأخيرة، لتثبت ان ما يجري في وسط بيروت تجاوز مجموعات الحراك، وخصوصا لجهة الاصطدام المباشر مع القوى العسكرية والامنية كلها، “حيث بلغ تعداد الاصابات بالمئات ناهيك عن الضحايا التي سقطت من جراء قطع الطرق والتي كادت ان تستدرج لبنان الى انفلات امني واسع وخطير لولا عملية الضبط الاقصى والاقسى التي مارستها الجهات المعنية على جمهورها وتحديدا جمهور حركة امل وحزب الله”، على حد تعبير جهات رسمية لبنانية.

لهذه الغاية، تواصل الرئيس اللبناني ميشال عون مع رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، وحاول التفاهم معه على دعوة المجلس الأعلى للدفاع للإنعقاد بشكل عاجل، لحماية المتظاهرين السلميين، من جهة، وتأمين الغطاء السياسي للقوى العسكرية والأمنية ورفع الغطاء عن ما أسميت “مجموعات الشغب المنظم التي راحت تستهدف الأملاك العامة والخاصة”، من جهة ثانية، لكن الحريري رفض حضور هكذا إجتماع، ثلاث مرات.

وقد فسر القصر الجمهوري، موقف الحريري بأنه إستقالة متعمدة من مسؤوليته الدستورية في الاستمرار بتصريف الاعمال لحين تأليف حكومة جديدة، غير أن الحريري، ردّ على هذه الإنتقادات بإبلاغ من راجعوه بأن الحل “ليس بتصريف الأعمال بل بتشكيل حكومة جديدة والحل يكون سياسيا وليس أمنيا، وعلى فريق الأكثرية (8 آذار/مارس) أن يبادر إلى تأليف حكومة بأسرع وقت ممكن، وعندها لا يكون هناك أي مبرر لإنعقاد المجلس الأعلى للدفاع”، وكان جواب رئيس الجمهورية ان هدف الاجتماع “هو البحث حصراً بالوضع الامني وليس في الحلول السياسية”، مستغربا عدم تسهيل الحريري عقد الإجتماع، ومتسائلا: “اذا لم يجتمع المجلس الأعلى في هكذا اوضاع خطيرة، فمتى سيجتمع”؟.

صحيح ان المجلس الاعلى للدفاع في لبنان لا يلتئم الا برئاسة رئيسه (رئيس الجمهورية)، وصحيح ان حضور نائب رئيس المجلس (رئيس الحكومة) ليس شرطا لانعقاده، الا ان عون، تحفظ على الدعوة لانعقاد هكذا اجتماع في ظل الظروف الراهنة، من دون وجود سعد الحريري، وذلك “حرصاً منه على عدم استغلال الوضع ضد رئيس حكومة تصريف الأعمال وبالتالي التباكي على إتفاق الطائف والصلاحيات الدستورية”.

امام هذا الواقع، “وانطلاقا من مسؤوليته الدستورية”، ترأس الرئيس اللبناني إجتماعاً عسكرياً ـ أمنياً حضره وزيرا الدفاع (الياس بو صعب) والداخلية (ريا الحسن) في حكومة تصريف الاعمال وباقي القادة العسكريين والأمنيين ومعاونيهم، الذين عرضوا تقارير تفصيلية عن التطورات الميدانية منذ بدء الاحداث، وتقرر اتخاذ التدابير الآتية:

اولاً، المحافظة على سلامة المتظاهرين السلميين وحمايتهم.

ثانياً، اتخاذ تدابير لحماية الاملاك العامة والخاصة على مساحة لبنان ولا سيما العاصمة بيروت وردع المجموعات التخريبية.

ثالثا، تفعيل غرفة العمليات المشتركة لتصبح كل مهمات الاجهزة العسكرية والامنية منسقة خصوصا مع الاجهزة القضائية المختصة.

عون: هذه المبادرة ستكتشف لرئيس حكومة تصريف الاعمال ان بعض المجموعات التخريبية تستبطن من خلال التدمير والحرق والتكسير في وسط بيروت تحديداً، تصفية حسابات شخصية وانتقامية ضد رئيس تيار المستقبل

وعرضت خلال الاجتماع الامني، معلومات تفصيلية عن الجهات التي تنظم وتموّل وتنقل مجموعات الشغب من المناطق الى وسط بيروت وبمهمات محددة وهي التخريب والحرق والاعتداء على القوى العسكرية والامنية، وقد تم تحديد ثلاث جهات خارجية ممولة، “بعضها يتخذ من بعض أحزاب وجمعيات المجتمع المدني واجهة للتحشيد ضد القوى العسكرية والأمنية”.

وقالت مصادر المجتمعين “إنه اذا كان عون قد بادر حيث احجم الحريري، فان هذه المبادرة ستكتشف لرئيس حكومة تصريف الاعمال ان بعض المجموعات التخريبية تستبطن من خلال التدمير والحرق والتكسير في وسط بيروت تحديداً، تصفية حسابات شخصية وانتقامية ضد رئيس تيار المستقبل، امعانا منها في تصفير اية امكانية له حتى يعيد التقاط انفاسه وبالتالي التأسيس لمرحلة سياسية جديدة، لا يكون الحريري جزءا منها”.

إقرأ على موقع 180  ليبيا... "الخطوط الحمراء" كبديل للصدام المباشر

يذكر أن الحريري غرد عبر “تويتر” بالتزامن مع الإجتماع قائلا “الاستمرار في دوامة الأمن في مواجهة الناس تعني المراوحة في الأزمة وإصرارا على إنكار الواقع السياسي المستجد”، وأضاف “‏حكومتنا استقالت في سبيل الانتقال إلى حكومة جديدة تتعامل مع المتغيرات الشعبية لكن التعطيل مستمر منذ تسعين يوما فيما البلاد تتحرك نحو المجهول والفريق المعني بتشكيل حكومة يأخذ وقته في البحث عن جنس الوزارة”، وختم “‏المطلوب حكومة جديدة على وجه السرعة تحقق في الحد الأدنى ثغرة في الجدار المسدود وتوقف مسلسل الانهيار والتداعيات الاقتصادية والامنية الذي يتفاقم يوما بعد يوم”.

Print Friendly, PDF & Email
داود رمال

صحافي لبناني

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  الوطن العربي.. بين الانتفاضة والانقلابات