شكّل الملف النفطي في سوريا، منذ بداية الحرب قبل نحو تسع سنوات، واحداً من أبرز الملفات المعقدة على الصعيدين العسكري والاقتصادي، فقد جذب “الذهب الأسود” الفصائل “الجهادية” التي تصارعت للسيطرة عليه، بعدما خرجت معظم الحقول النفطية عن سيطرة الحكومة السورية، قبل أن تستعيد بعضها، وتسيطر الولايات المتحدة الأميركية وقوات “قسد” على أبرز الحقول في الشرق السوري، ليأخذ بذلك الملف النفطي أبعاداً سياسية جديدة مع إصرار الولايات المتحدة الأميركية على استثمار هذا النفط، بالتزامن مع تشديد العقوبات الاقتصادية على سوريا.
“الإدارة الذاتية” الكردية، وفي أرقام تكشف عنها للمرة الأولى حول الملف النفطي، ذكرت أن عائدات النفط تجاوزت مبلغ 155 مليار ليرة سورية (حوالي 155 مليون دولار، على اعتبار سعر صرف الدولار يبلغ نحو ألف ليرة سورية وفق تصريحات رئيس مجلس الوزراء السوري عماد خميس).
ويأتي كشف “الإدارة الذاتية” الكردية عن هذه الأرقام في وقت تتابع فيه الولايات المتحدة تعزيز حضورها ونشر قواتها في المواقع النفطية في الشرق السوري، بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب صراحة أن الولايات المتحدة “ستأخذ حصتها من النفط السوري”.
وتشير التقديرات الروسية إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تحقق عائدات تصل إلى نحو 30 مليون دولار شهرياً من استثماراتها النفطية المتنوعة في الشرق السوري، في الوقت الحالي، وهو رقم قابل للزيادة مع استقدام الولايات المتحدة آليات جديدة، وتوقيع عقود غير شرعية مع شركات نفطية، وهو ما أعلن الرئيس الأميركي عمل إدارته عليه.
وبينما تسيطر الحكومة السورية على معظم آبار الغاز، تقع أكبر الآبار النفطية في مناطق سيطرة “قسد” والولايات المتحدة الأميركية، وأبرزها حقلي العمر في دير الزور والرميلان في الحسكة.
أعباء مضاعفة
بشكل عام، لا تقتصر على الخسائر في قطاع النفط السوري على الأضرار التي طالت ال التي لحقت بالمنشآت النفطية جراء الأعمال القتالية، أو على المردود الاقتصادي الضائع لهذا النفط، إنما تتجاوز ذلك إلى مقدار التكاليف الإضافية التي تترتب على سوريا جراء عمليات استيراد النفط لتغطية النقص الحاصل في قطاع الطاقة، والمبالغ الطائلة التي يتم دفعها بحثاً عن طرق إيصاله إلى سوريا في ظل العقوبات الأميركية والأوروبية الاقتصادية.
وتقدر وزارة النفط السورية حجم الخسائر التي لحقت بالقطاع النفطي بنحو 74.2 مليار دولار أميركي منذ اندلاع الحرب في العام 2011، حيث كان يبلغ انتاج سوريا من النفط نحو 400 ألف برميل يومياً، إضافة إلى نحو 21 مليون متر مكعب من الغاز، تساهم بنحو 35 في المئة من عائدات التصدير و20 في المئة من الإيرادات العامة.
وفي ظل الظروف الحالية، تشير وزارة النفط السورية إلى أن إنتاج سوريا من النفط يبلغ نحو 24 ألف برميل يومياً، إضافة إلى نحو 17 مليون متر مكعب من الغاز، وهي كميات لا تغطي إلا نحو 20 في المئة من حاجة سوريا النفطية، ونحو 70 في المئة من حاجتها من الغاز، وفق وزير النفط السوري علي غانم، الأمر الذي خلق فجوة كبيرة تتطلب استيراد النفط، لتصل التكاليف الشهرية إلى نحو 200 مليون دولار، وفق ما ذكرت صحيفة “الوطن” السورية، ما يعني أن على سوريا دفع 2.6 مليار دولار سنوياً لاستيراد النفط.
وبينما ذكرت وسائل إعلام سورية معارضة أن دمشق تشتري بعض حاجتها من النفط من “الإدارة الذاتية” الكردية، وهي معلومات لم تؤكدها الحكومة السورية، تستقبل الموانئ السورية بين وقت وآخر حمولات نفطية، تسلك طرقاً طويلة، ويتطلب إيصالها دفع مبالغ مالية كبيرة للالتفاف على العقوبات الأميركية، الأمر الذي يساهم بدوره برفع تكاليف الاستيراد، وزيادة العبء المالي، بالإضافة إلى المبالغ التي يتم دفعها للوسطاء للالتفاف على العقوبات الأميركية، التي زادت حدتها بشكل كبير، حيث تلاحق السلطات الأميركية جميع السفن التي تقوم بنقل النفط إلى سوريا، كذلك ساهمت العقوبات الأميركية على إيران، التي كانت تعتمد عليها سوريا لتأمين النفط، من الأزمة السورية والتي من المتوقع أن تزداد حدتها مع بدء تطبيق “قانون قيصر” الأميركي الذي يشدد العقوبات على سوريا.
أمام هذا الواقع، وفي ظل إصرار الولايات المتحدة الأميركية على بقائها في المناطق النفطية السورية، وانحياز “قسد” إلى واشنطن، والعقوبات المفروضة، لا يبدو أن الواقع النفطي سيشهد انفراجاً في المدى المنظور، كذلك، ساهم تراجع قيمة الليرة السورية إلى مضاعفة الأعباء المترتبة على استيراد المشتقات النفطية، في ظل الأزمة التي يعاني منها قطاعي الزراعة والصناعة في الوقت الحالي، سواء بسبب الأضرار التي لحقت بهذين القطاعين، أو بسبب صعوبة وصول البضائع السورية إلى الأسواق في الدول المجاورة (العراق – لبنان) أو حتى تصديرها إلى أسواق عالمية، الأمر الذي يتطلب تحركاً جدياً لتنشيط هذين القطاعين ودعمها لدفع حركة الإنتاج، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في تخفيف الأعباء المالية المتراكمة.