مع مضي خمسة عشر يوما على تأسيس اللجنة السباعية للاتفاق على تسمية مرشح جديد لرئاسة الوزراء في العراق، وقبل انتهاء المهلة الدستورية للتسمية، كلف الرئيس العراقي برهم صالح النائب ورئيس كتلة ائتلاف النصر النيابية عدنان الزرفي بمهمة تشكيل الحكومة.
قبل يوم واحد من طرح اسم عدنان الزرفي، كان اسم نعيم السهيل بتردد بقوة. فجر الأحد ـ الإثنين الماضي، أجهض مشروع التوافق حول إسم السهيل. انسحب ممثلو كتلتي سائرون برئاسة السيد مقتدى الصدر والحكمة برئاسة السيد عمار الحكيم، من اللجنة السباعية إحتجاجا على رفض الزرفي. ضم المعسكر الرافض لتكليف الزرفي منظمة “بدر” بزعامة هادي العامري و”عصائب أهل الحق” (صادقون) بزعامة قيس الخزعلي.
خلال النقاشات التي سبقت التكليف، صرح بعضهم بأن من بات يمتلك إمبراطوريات اقتصادية لن يتخلّٰى عنها وسيوافق على اي إسم أو يرفضه انطلاقاً من مصالحه. آخرون أبدوا رغبة بتوسيع صلاحيات رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، للخروج من مأزق المرشح البديل، لكن المرجعية الدينية رفضت هذا الاقتراح، حسب قول البعض، علماً أن المرجعية قررت أن تنأى بنفسها عن تفاصيل الملف، مكتفية منذ اللحظة الأولى بدعوتها إلى تكليف شخصية غير جدلية.
كان الموقف الأكثر نفورا وربما تعبيراً عن موقف طهران، هو موقف “عصائب أهل الحق” بلسان جواد الطليباوي، برفضها تمرير أي شخص لرئاسة الوزراء “خلافاً لإرادة الشعب”، مشيرةً إلى أن “هناك مؤامرة تحاك في الظلام لكي تمرر بعض الأسماء ومنها الزرفي، وهذه خيانة لدماء الشهداء وتضحيات المجاهدين”. وكان لافتاً للإنتباه أن موقف الطليباوي تم تذييله بتوقيع “مجاهدي المقاومة الإسلامية” (في العراق).
من هو عدنان الزرفي؟
هو نائب حالي في البرلمان العراقي. رئيس كتلة النصر برئاسة حيدر العبادي. انتمى إلى حزب الدعوة الاسلامية في العام 1983، ثم اعتقل وسجن مؤبداً مدى الحياة في سجن ابو غريب عام 1988، إلا أنه تمكن من الفرار منه في العام 1991. أقام في السعودية وعمل فيها لمدة ثلاث سنوات، ثم إنتقل من هناك إلى الولايات المتحدة الأميركية. عاد إلى بغداد مع العائدين السياسيين، غداة الإحتلال الأميركي للعراق. أسس حركة الوفاء العراقية في العام ٢٠٠٤. كان عضوا في فريق هيئة الإعمار العراقي، ثم محافظا لمدينة النجف، فرئيسا لكتلة الوفاء للنجف، قبل أن يصبح وكيل مساعد شؤون الاستخبارات في وزارة الداخلية (يتردد أن الحاكم العسكري الأميركي بول بريمر كان وراء تنصيبه وكيلاً للاستخبارات العسكرية العامة)، ثم عاد إلى منصبه كمحافظ للنجف الأشرف حتى العام 2015.
أطلق مواقف داعمة للحراك الشعبي العراقي منذ انطلاقته في تشرين/أكتوبر الماضي، وهو يقول عن نفسه: “أنا وطني ديمقراطي أؤْمِن باستقلال العراق من كل التبعيات الأجنبية”، ويدعو الى عراق موحد “تلغى فيه الفوارق المذهبية والقومية ويقوم على أساس المواطنة”، ويؤْمِن بان العراق “بلد عربي إسلامي يلعب دورا مهما في استقرار وبناء المنطقة العربية والإسلامية ويكون نقطة توازن لحفظ مصالح المنطقة”.
من يعرف الزرفي يدرك أنه سيعمل على قاعدة أن هذه الحكومة عمرها أقل من سنة واحدة، وبالتالي لن يكبلها بمهام من نوع مصير قوات التحالف والأميركيين في العراق، حيث سيحيل هذا الملف، على الأرجح، الى الحكومة العراقية القادمة
تداعيات التكليف
تقول مصادر عراقية إنه كان من المفترض تكليف عدنان الزرفي فجر الثلاثاء، لكن تضارب الآراء حوله حال دون ذلك، فتم تأجيل التكليف إلى ظهر اليوم. صباحاً، إستدعى رئيس الجمهورية برهم صالح، رسميا، عدنان الزرفي إلى القصر الرئاسي وكلفه بتشكيل الحكومة، بحضور نواب من مختلف الكتل السياسية الذين حضروا مراسم التكليف. صالح تمنى على الزرفي أن يعمل من أجل إجراء انتخابات مبكرة ونزيهة، وأن يلبي مطالب المتظاهرين السلميين المشروعة من خلال إنجاز الإصلاحات المطلوبة، وأن يحافظ على سيادة واستقرار وأمن العراق .
أعنف المواقف صدرت عن تحالف الفتح الذي إتهم الرئيس العراقي بالقيام بخطوة غير دستورية ومن خارج السياقات الدستورية، وفي الوقت نفسه عدم الإلتزام بمبدأ التوافق بين القوى السياسية، محملا “رئيس الجمهورية كامل المسؤولية عن تداعيات هذه الخطوات الاستفزازية”. أما الحزب الديموقراطي الكردستاني، فقد حذّر الزرفي من الوقوع في المطبات التي وقع فيها سلفه محمد توفيق علاوي.
ولعل التعليق الأكثر تعبيرا عما ينتظر الزرفي هو ما صدر عن محمد علاوي نفسه بقوله إن الرجل “امام امتحان صعب، فإما ان يرضى بالمحاصصة وتقسيم الوزارات بين احزاب الطبقة السياسية انطلاقاً من مبدأ المحاصصة السياسية وبالتالي تستمر عملية حلب الوزارات والفساد من دون تحقيق انجاز ملموس، والذي قد يؤدي الى انهيار اقتصاد البلد خلال فترة لا تتجاوز سنة، إن بقيت اسعار النفط على ما هي عليه الآن، وفي هذه الحالة، سيتمكن من تمرير كابينته الوزارية؛ وإما أن يعين وزراء اكفاء ونزيهين من دون تدخل الاطراف السياسية والحزبية، وفي هذه الحالة، سيدخل في صراع مع الطبقة السياسية والتي قد ترفض تمرير كابينته الوزارية؛ فهل هناك طريق ثالث”؟
تحديات تواجه الزرفي
وحتى لا يكون مصيره كمصير علاوي، فإن أولى التحديات تكمن في قدرة الزرفي على إقناع الكتل السياسية والشارع العراقي في آن واحد بخياراته الوزارية (محاصصة لكن محاولة إلزام المكونات بتسمية وزراء من فئة التكنوقراط أو المستقلين). ثاني التحديات كيفية الحد من انتشار وباء كورونا وصولا إلى إحتوائه فهذا هو التحدي الكبير في هذه اللحظة العراقية والعالمية. ثالث التحديات هو إقتصادي ومالي، لا سيما في ظل تراجع أسعار النفط، وخصوصا في ظل إطلاق تحذيرات من عدم قدرة الدولة على تأمين رواتب الموظفين في القطاع العام خلال سنة واحدة. رابع التحديات وأهمها كيفية التعامل مع البند الأكثر تفجرا على الساحة العراقية حالياً ألا وهو بند اخراج القوات الأجنبية من العراق.
من يعرف الزرفي يدرك أنه سيعمل على قاعدة أن هذه الحكومة عمرها أقل من سنة واحدة، وبالتالي لن يكبلها بمهام من نوع مصير قوات التحالف والأميركيين في العراق، حيث سيحيل هذا الملف، على الأرجح، الى الحكومة العراقية القادمة (2021)، علماً أنه لا يخفي موقفه بشأن جدولة خروج القوات الأجنبية وليس إنهاء وجودها بالكامل.
ومن وجهة نظر الزرفي، فإن أي ملف من الملفات الكبيرة سيتم ترحيله للحكومة ما بعد حكومته الانتقالية/ مثل جولات التراخيص النفطية والمناطق المتنازع عليها مع كردستان والتعداد السكاني وغيرها.
يعني ذلك أن أولوية الزرفي ستكون التحضير لإنتخابات نيابية مبكرة قبل نهاية العام الحالي (سيحدد موعدها في برنامجه الوزاري)، مواجهة كورونا.. والباقي مجرد إدارة أزمة حتى ينتهي عمر حكومته.
صحيح أن عدنان الزرفي قد كلف، لكن من يتابع الملف العراقي يدرك أن ثمة جهات سياسية لم توقف رحلة البحث عن بديل للزرفي!