الإقتصاد الإسرائيلي وكورونا: سيناريو حرب أكتوبر

يتزايد عدد المصابين في اسرائيل بفيروس كورونا بوتيرة متسارعة، وفي الوقت نفسه، يشهد الإقتصاد الإسرائيلي، إسوة بسائر اقتصادات العالم، معاناة حادة جراء انتشار فيروس كورونا من جهة، والإنخفاض الحاد لأسعار النفط، من جهة أخرى.

أشارت تقديرات أولية إلى خسائر تتخطى الخمسة مليارات دولار تكبدها الإقتصاد الإسرائيلي حتى الاسبوع الأول من الشهر الحالي بسبب كورونا، والرقم قابل، وآيل، للتفاقم بطبيعة الحال. وقد ساهمت الإجراءات الحكومية الهادفة إلى مكافحة انتشار الفيروس في تقليص مجالات السوق الإسرائيلية، حيث تضمنت إغلاق المسارح والمقاهي ودور السينما والترفيه والمحاكم ومؤسسات التعليم ورياض الاطفال (إستثني من هذه الإجراءات قطاع المواصلات العامة ومحال بيع المواد الغذائية والصيدليات ومحطات الوقود والمصارف).

الفيروس المنتشر باضطراد ألحق أضراراً بالغة بالقطاعات الإسرائيلية المنتجة وفي مقدمها السياحة التي كان متوقعاً لها أن تشهد انتعاشاً في هذه الفترة. يعلق الإسرائيليون عادة آمالاً سياحية كبيرة على شهر نيسان/أبريل الذي يشهد تزامن عيدي الفصح لدى المسيحيين واليهود. أكثر من ثمانين بالمئة من الحجوزات الفندقية تم إلغاؤها، وقامت الفنادق بتسريح آلاف العاملين في إجازات غير مدفوعة، وقدّر رئيس إتحاد الفنادق أمير حايك خسائر المنشآت الفندقية ودور الضيافة بما يقارب 3.5 مليار دولار أميركي. في حين ذهب خبراء إقتصاديون إلى القول أن حالة القطاع السياحي حالياً أسوأ منها في زمن الحروب التي خاضتها اسرائيل.

وفرضت الحكومة الإسرائيلية شبه حالة طوارىء شملت فقط القطاع العام، وأغلقت منافذها الحدودية مع مصر والأردن، وأصدرت تعليمات تقضي بوقف استقبال السياح، فيما تحول مطار بن غوريون إلى مدينة أشباح، بعد تراجع الحركة فيه بنسبة أكثر من سبعين بالمئة، ليقتصر نشاطه على ترحيل الأجانب المقيمين في الكيان العبري واستقبال الإسرائيليين المتواجدين في الخارج (يوضعون في الحجر الصحي الإحتياطي لمدة 14 يوماً). ومنعت التجمعات لأكثر من عشرة أشخاص.

وفيما تطالب وزارة الصحة، بدعم من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بإعلان حالة طوارئ شاملة، أشارت المحللة الاقتصادية في صحيفة “ذي ماركر”، ميراف أرلوزوروف، إلى أن من شأن المصادقة على ذلك أن يلحق “ضررا اقتصاديا هائلا”. ويقدّر خبراء أنه إذا تم فرض الإغلاق الشامل لمدة 4 إلى 6 أسابيع وتم إحتواء وباء كورونا، فإنه بمقدور الاقتصاد الإسرائيلي امتصاص خسارة 80 – 90 مليار شيكل (أكثر من 20 مليار دولار)، “وسيكون بالإمكان أيضا الانتعاش من ذلك لاحقا”. وتقول أرلوزوروف أن المشكلة تكمن في أنه ليس مؤكدا أن يتم كبح الوباء خلال الفترة المحدودة التي يجري التحدث عنها. والتخوف الكبير هو أن فترة 4 – 6 أسابيع لن تكون كافية، وأنه “ستأتي موجة ثانية للفيروس”. وفي هذه الحالة، ستكون هناك حاجة إلى إغلاق مجدد ولأشهر أطول، ومن دون أن تكون نهايتها معروفا سلفا.

أرلوزوروف: تعطيل المرافق الاقتصادية لعدة أشهر، ومن دون سقف زمني، “سيقودنا إلى سيناريوهات حرب يوم الغفران (1973)، عندما تراجع النمو الاقتصادي من 12% سنويا إلى 1.5%، وجاء بعدها العقد الضائع”

ونقلت أرلوزوروف عن مصادر اقتصادية رفيعة قولها، إن “تعطيل المرافق الاقتصادية لعدة أشهر، ومن دون سقف زمني، سيقودنا إلى سيناريوهات حرب يوم الغفران (1973)، عندما تراجع النمو الاقتصادي من 12% سنويا إلى 1.5%، وجاء بعدها العقد الضائع”.

وسجل 180 ألف شخص أسماءهم للحصول على مخصصات البطالة، منذ بداية الشهر الحالي وحتى الخامس عشر منه، 66 ألفا منهم تسجلوا في يوم واحد (بمعدل 5000 في كل ساعة من ساعات العمل).

وتتوقع دائرة التوظيف دخول 400,000 شخص إلى دائرة البطالة في نهاية شهر آذار/مارس. ومن المتوقع أن تصل تكلفة مخصصات البطالة في شهر نيسان/أبريل إلى 2 مليار شيكل (532 مليون دولار)،أي أكبر بسبع مرات من التكلفة الحالية، التي تبلغ ما بين 800 مليون- 900 مليون شيكل (209 مليون- 235 مليون دولار) شهريا. وتوقعت مؤسسة التأمين الوطني أن ترى ما بين نصف مليون و1.2 مليون إسرائيلي عاطلين عن العمل بسبب الأزمة، بحسب قول مدير التأمين الوطني، مئير شبيغلر، يوم الأربعاء الماضي. وذكرت مواقع إسرائيلية أن 11% من المتسجلين للحصول على مخصصات البطالة تم فصلهم من العمل، و2% استقالوا من العمل و84% منهم خرجوا من أعمالهم في إجازة غير مدفوعة الأجر، وذلك إثر الإغلاق شبه الكامل للاقتصاد الإسرائيلي، بينما ذكرت نسبة 3% منهم أسباباً أخرى.

على الصعيد النقدي، سجل تراجع للشيكل الإسرائيلي أمام الدولار الأميركي الذي بلغت قيمته 3.652 شيكل بعد أن كان 3.430 قبل حصول أزمة كورونا. كما شهدت أسعار أسهم الشركات الإسرائيلية تراجعاً حاداً، حيث أبدى مؤشر “تل أبيب 35” إنخفاضاً بلغت نسبته 18.66 %، في حين أدرك مؤشر “تل أبيب 125” مستوى تراجعياً قدر بنحو 19.25%، وهو ما وصفه محللو البورصة بـ”بداية الانهيار”، متوقعين أن يزداد الوضع تفاقماً.

وتوقعت وزارة المالية انخفاض دخل الضرائب الحكومية بما يصل إلى 50 مليار شيكل (13 مليار دولار) من دخلها المتوقع قبل الأزمة والمقدر بنحو 330 مليار شيكل (86.6 مليار دولار)، وفقا لصحيفة “كلكاليست” الاقتصادية.

إقرأ على موقع 180  واشنطن – الرياض.. "المصالح" تتقدم على "الصداقة"!

من جهته، توقع المحلل الإقتصادي في جريدة “يديعوت أحرنوت” سيفر بلوتسكر مزيداً من التراجع في أسعار أسهم الكثير من الشركات الإسرائيلية، لكنه أعاد بعض أسباب الإنخفاض إلى حالة الهلع والفزع، مشيراً إلى هيمنة حالة من “اللاعقلانية المفتقدة للتوازن” على سلوك السوق، مبرراً ما حصل من تآكل لربحية الشركات المعتمدة على الطاقة والسياحة والطيران والترفيه والموضة والمواصلات، وذلك بفعل التزامن بين انتشار الكورونا وانخفاض اسعار النفط.

يجمع المحللون على التشاؤم من أداء الحكومة الإسرائيلية المقبلة، أياً يكن الفريق الذي سيتولى تشكيلها، ذلك أن ازياد حالات الإفلاس المتوقعة، وإرتفاع نسبة البطالة، وانحسار مظلة الأمان الإجتماعي ستبث كلها شعوراً بالفزع في أوصال السلطة

تزامنت أزمة كورونا مع تأزم إقتصادي ناجم عن تعثر تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة منذ سنة حتى الآن، وذلك بعد أن شهدت الفترة الماضية ثلاث جولات انتخابية لم تسفر عن امتلاك أحد الأفرقاء المتنافسين لأغلبية حاسمة تخوله تشكيل إئتلاف يمكنه من الإمساك بالسلطة، وقد أدى ذلك إلى غياب الموازنة السنوية المفروض إقرارها لعام 2019 واعتماد القاعدة الإثني عشرية للصرف في العام الحالي، ما يعني عدم إعتماد الميزانية وفقاً لقاعدة التزايد السكاني، وتجميد أية زيادة في المستحقات، والتوقف عن تنفيذ المشاريع باستثناء المقررة مسبقاً. وقد فاقم من الأزمة اضطرار الحكومة لتخصيص 2.74 مليار دولار، لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، وهي مترتبات يتوقع ارتفاعها مع مرور الوقت وتفاقم الوضع. حيث سيكون على الحكومة دفع مبالغ إضافية لتعويض المتضررين الذين تزداد أعدادهم باستمرار، في حين كانت تجهد لضبط مصاريفها سعياً للجم العجز المتفاقم قبل الأزمة الصحية المستجدة.

من جهة أخرى، يشير بلوتسكر إلى بعض الإيجابيات الممكن توقعها جراء تراجع اسعار النفط كون إسرائيل مستوردة للسلعة الحيوية، كذلك هو يتوقع ربحاً سياسياً لبلاده بفعل عملية الإضعاف الإقتصادي التي تتعرض لها عدوتها الأبرز إيران. كذلك هو يراهن على إزياد القوى الشرائية لمتلقي الأجور الإسرائيليين جراء التضخم السلبي المتوقع بفعل الحالة القائمة، إضافة للإنخفاض المرتقب لأسعار الفائدة، ما يعني تراجعاً في قيمة القروض السكنية الأمر الذي سيحسن جدوى الإستثمار العقاري، أما تدني سعر العملة فيسعه، برأي بلوتسكر، أن يكون عاملاً إيجابياً لشركات التصدير التي سيمكنها امتلاك ميزة تنافسية في الأسواق الخارجية.

على صعيد مواز، يجمع المحللون على التشاؤم من أداء الحكومة الإسرائيلية المقبلة، أياً يكن الفريق الذي سيتولى تشكيلها، ذلك أن ازياد حالات الإفلاس المتوقعة، وإرتفاع نسبة البطالة، وانحسار مظلة الأمان الإجتماعي ستبث كلها شعوراً بالفزع في أوصال السلطة، وستدفعها لإتخاذ قرارات متسرعة ومكلفة، وهذا سيناريو مفتوح على الأسوأ. وفي المقابل، فإن الفشل في تشكيل حكومة والذهاب نحو إنتخابات تشريعية رابعة، سيكون ضرره أكبر بكثير.

يذكر أن حكومة نتنياهو وافقت بالإجماع يوم الثلاثاء الماضي على إجراء يسمح للأجهزة الأمنية الإسرائيلية للمرة الأولى بتوظيف أدوات مراقبة رقمية متطورة في محاولة تعقب حاملي فيروس كورونا (عادة تكون هذه المراقبة متاحة في مواجهة ما يسميه الإسرائيليون “الأعمال الإرهابية”). وتسمح تقنية التعقب لجهاز “الشاباك” باستخدام بيانات الهاتف الخلوي، ولا سيما الأبراج الخلوية التي يتصل بها الجهاز، من أجل تتبع بأثر رجعي تحركات أولئك الذين تبين أنهم يحملون الفيروس من أجل معرفة من تفاعل معهم في الأيام والأسابيع التي سبقت تشخيص اصابتهم وذلك من أجل وضع هؤلاء الأشخاص في الحجر الصحي. وسينقل الشاباك المعلومات إلى وزارة الصحة، التي سترسل رسالة إلى أولئك الذين كانوا على بعد مترين من الشخص المصاب لمدة 10 دقائق أو أكثر، ويطلب منهم الدخول في الحجر الصحي.

Print Friendly, PDF & Email
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  ثمان عجاف على إغتيال شكري بلعيد.. إلا من قمع وإفقار