“شهدت الأيام الأخيرة نقاشات حساسة قبل سفر رئيس الأركان ووزير الدفاع إلى الخارج، بمشاركة رئيس الحكومة يائير لبيد ووزير الدفاع بني غانتس ورئيس الأركان أفيف كوخافي وآخرين، وتتعلق هذه النقاشات باحتمالات الردّ على حزب الله، ولاحقاً الردّ المحتمل لإسرائيل التي تعاملت، حتى اليوم، بضبط للنفس حيال إطلاق المسيّرات. حالياً، تُسمع أصوات مختلفة تدّعي أنه لن يكون من الصائب الاستمرار في ضبط النفس، حتى ولو أن المسيّرات التي أُطلقت هي لجمع المعلومات، وليست مسلحة.
لقد اتخذ نصرالله قراراً لتحويل الانتقادات الداخلية بشأن الموضوعات الاقتصادية، وفي الأساس في مجال الطاقة، في اتجاه إسرائيل – وبهذه الطريقة يصوّر نفسه كأنه الحامي للبنان. وكنا شاهدنا صوراً قاسية في لبنان لمواجهات على محطات الوقود واضطرار اللبنانيين إلى البقاء ساعات طويلة من دون كهرباء. بدأ هذا بتصريحات عدائية تبعها إطلاق 3 مسيّرات، الغرض منها جمع معلومات والتأثير في الوعي، لكنها فشلت بعد أن أسقطتها طائرة حربية وصواريخ باراك من سفن سلاح البحر. بالإضافة إلى ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي قبل عدة أيام أنه أسقط مسيّرة أُخرى بوسائل أُخرى.
نصرالله فشل في عملية ثانية للتأثير في الوعي، عندما نشر صوراً لمنصة كاريش سبق أن نشرتها القناة الإخبارية 12. وأول أمس، فشل في عملية أُخرى، عندما نشر خبراً عن إسقاط مسيّرة إسرائيلية، ولقد أحرجه الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، عندما أوضح عدم إسقاط أي مسيّرة إسرائيلية. في الأيام الأخيرة، وبعد تحليق رئيس الحكومة لبيد فوق منصة كاريش، أبدى نصرالله المزيد من التصلب في مواقفه، معلناً أنه “لن يتم استخراج الغاز والنفط في كل الكيان الصهيوني، إذا لم يحصل لبنان على حقوقه”.
تعتقد جهات رفيعة المستوى في الجيش أنه لن يكون من الصائب ضبط النفس والاكتفاء بإسقاط المسيّرة، بل هناك حاجة إلى القيام بعملية انتقامية. المعضلة أن أي عملية يجري اختيارها يجب ألا تدفع الطرفين إلى الانجرار إلى القتال وإلى تدهور
بهذه الطريقة، يحاول نصرالله تحميل إسرائيل مسؤولية أزمة الطاقة الشديدة التي يعانيها لبنان، وهو مستعد للمخاطرة بخوض القتال.. يوجد أمام نصرالله عدد من الاحتمالات، من مهاجمة منصة الغاز بمسيّرات متفجرة، مروراً باستخدام غواصات، أو بحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، احتمال كبير لإطلاق مسيّرة لجمع المعلومات كي لا يخاطر بالمسّ بالمدنيين.
إذا حدث هذا السيناريو، تعتقد جهات رفيعة المستوى في الجيش أنه لن يكون من الصائب ضبط النفس والاكتفاء بإسقاط المسيّرة، بل هناك حاجة إلى القيام بعملية انتقامية. المعضلة أن أي عملية يجري اختيارها يجب ألا تدفع الطرفين إلى الانجرار إلى القتال وإلى تدهور. أحد الاحتمالات، اختيار أهداف تابعة لحزب الله في سوريا، موجودة في بنك الأهداف لدى الجيش الإسرائيلي. هناك احتمال ثانٍ، هو مهاجمة أهداف في لبنان تابعة للبنية التحتية، مثل مخازن للصواريخ الدقيقة، كما طُرحت أيضاً أهداف أُخرى، مثل أهداف جديدة للحزب – من الأفضل أن تكون فارغة، على الحدود الإسرائيلية – اللبنانية.
يدركون في إسرائيل أن نصرالله تسلق شجرة عالية، ومن الصعب عليه النزول عنها من دون أن يحصل على مقابل ما. لذلك، هناك حالة عالية من الحذر في كل منظومات الجيش الإسرائيلي. هناك مَن يعتقد أن أي اتفاق بين إسرائيل ولبنان هو، بالنسبة إلى نصرالله، اعتراف بالكيان الإسرائيلي، ولذلك هو يعارضه؛ ففي رأيه، أي تطبيع مع إسرائيل أمر سيئ. وإذا جرى تحسين الاتفاق، فإنه يستطيع القول إن هذا جرى بفضل معارضته ـ وأنه استطاع تحقيقه من دون مواجهة مسلحة. في إسرائيل يدّعون أنه لا توجد نية للتراجع عن الاتفاقات، وكما قال رئيس الحكومة أول أمس “مخزون الغاز في إسرائيل يمكنه المساهمة في تقديم حل لأزمة الطاقة العالمية. وفي إمكان لبنان أيضاً الاستفادة من تطوير مخزونه في مياهه الاقتصادية عن طريق المفاوضات التي يجب إنهاؤها في أقرب وقت”.
صحيح أن نصرالله يهدد بالحرب، ويعتقد أنه سيحقق هدفه بواسطة تهديداته، لكن من الواضح تماماً أنه لا يريد حرباً، وهو يدرك ثمنها الباهظ، وفي الأساس يتذكر الأخطاء التي ارتكبها قبل 16 عاماً، والتي أدت إلى حرب لم يكن يرغب فيها. التخوف المركزي هو من دينامية التصعيد التي لا يرغب فيها الطرفان.
وبعكس التقرير الذي نُشر في الأيام الأخيرة، يقول مسؤولون رفيعو المستوى في الجيش الإسرائيلي إنهم لا يفكرون في تحريك المنصة، وأن هذا الأمر غير مطروح. إلى جانب ذلك، كما أوضح المستوى السياسي في الأيام الأخيرة، إسرائيل مستعدة للدفع قدماً بالمفاوضات، بوساطة أميركية، بصورة تخدم مصلحة لبنان أيضاً”.
(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية