“تصدرنت” في العراق.. الزرفي أم تعويم عبد المهدي؟

أطل مؤخراً مصطلحٌ جديد على الساحة العراقية: "صدرنة السياسة"، نسبة للسيد مقتدى الصدر. البعض يقول أن رفض كتلٍ شيعيةٍ تكليف عدنان الزرفي إنطلق في الأساس من رفضها تكريس "الصدرنة".

حُكِمَ العراق وفق معادلة سياسية مبنية على ثالوث شيعي وكردي وسني. يقول احد المقربين من المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله ان وفداً المانياً برئاسة رئيس اللجنة الخارجية في البرلمان الالماني في عهد المستشار غيرهارد شرودر زار السيد فضل الله في دارته في الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد اشهر من سقوط العاصمة العراقية بيد الاميركيين في 12 نيسان/أبريل 2003، وقال له في نهاية اللقاء:”سماحة السيد، كيف سيتصرف شيعة العراق في المرحلة المقبلة.. أعتقد أنه في ضوء هذا التصرف، يتحدد مصير المنطقة”.

قام ثالوث شيعي سني كردي طوال 11 سنة، وظلّ ثابتاً بفعل تحالف “وهمي” قدّمه المكون الشيعي على انه “استراتيجي” بينه وبين المكون الكردي، لكن اختلال التوازنات أدى في انتخابات العام 2018 الأخيرة إلى تحوله للمرة الأولى إلى ثنائية: “الإصلاح” و”البناء”. كان من المفترض أن تفرز هذه الثنائية معادلة شيعية تقضي بأن يكون بعض الشيعة (نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي في “البناء”) واجهة سياسية للبنادق، وبعضهم الاخر (السيد مقتدى الصدر والسيد عمار الحكيم في “الإصلاح”) واجهة سياسية لما سمي ضمناً محور الاعتدال الذي إنفتح في مرحلة معينة على السعودية ودول الخليج. لكن لم يكتب لهذه الثنائية ان تحكم المعادلة السياسية في العراق. لقد كسر السيد مقتدى الصدر في البداية تحالف الاصلاح، ثم كسر هادي العامري تحالف البناء، وكان أن شهدت البلاد اختلالاً في التوازنات، أفضت في نهاية المطاف إلى تشكيل حكومة عادل عبد المهدي بتوافقات سياسية كان “عرابها” الجنرال قاسم سليماني.

هذه التوافقات كانت مبنية على إصرار الصدر على اخراج رئاسة الوزراء من كنف حزب الدعوة، فأدى ذلك إلى تفجير التناقضات بين الدعويين الموزعين على أكثر من قائمة، من دون إغفال رهان كل واحد من هؤلاء ولا سيما حيدر العبادي ونوري المالكي الذي لم يدرك أن خروج العبادي، يعني خروج الدعوة من الحكم. معادلة أتقن الصدر التعامل معها فكان أن سمّى، حينذاك، عبد الوهاب الساعدي او عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة، وبالفعل، آلت إلى الأخير، وخرج الدعويون من جنة السلطة التنفيذية في العراق للمرة الأولى، منذ العام 2006، تاريخ مجيء إبراهيم الجعفري.

اغتيل الجنرال قاسم سليماني في مطلع العام 2020، وذلك وسط لحظة سياسية عراقية حساسة للغاية، بعد استقالة عادل عبد المهدي. وما بين تشرين الأول/اكتوبر 2019 (الحراك) وكانون الثاني/يناير 2020 (إغتيال سليماني)، تعاظم نفوذ السيد مقتدى الصدر الذي دعم الحراك الشعبي في كل مطالبه، سعيا إلى صياغة توازنات وطنية جديدة مختلفة عن كل ما سبق. غير أن إغتيال الجنرال سليماني أدى إلى خلط الأوراق من جديد. برغم ذلك، ظل السيد مقتدى الصدر متصدرا المشهد الشيعي بطريقة أو بأخرى، لا سيما وأن مواقفه ظلت متناغمة مع مواقف المرجع الديني السيد علي السيستاني.

شعر شيعة “البنادق” أن الامر خرج من يدهم الى ما يمكن وصفه التيار الشيعي المعتدل الأقرب للاصلاحيين منه الى الحرس الثوري الإيراني. “تصدرنت” الأمور فعلاً. فأوكل السيد الصدر المهام بعد فشل اللجنة السباعية إلى رئيس الجمهورية برهم صالح ليقوم بما يلزم

مع تكليف محمد علاوي، بدا أن الاعتراض السني والكردي، ليس وحده المسؤول عن سقوطه، بل انقسام البيت الشيعي حوله أيضاً. ومع فشل علاوي، شُكّلت لجنة سباعية من قيادات الصف الثاني وذلك بعد إخفاق قيادات الصف الأول في التوصل إلى نتيجة. كان من المفترض أن تأتي اللجنة باسم توافقي لرئاسة الحكومة. يقال في الكواليس أنه بعد انقسام اللحظات الاخيرة حول اسم قصي السهيل، طرحت عدة اسماء: مصطفى الكاظمي وعدنان الزرفي وقاسم الاعرجي ونعيم السهيل ومنير السعدي وهو اكاديمي. أبلغ الكاظمي الجميع أنه يرفض أن يطرح اسمه من دون توافق كل الكتل الشيعية عليه. فكان أن جيء بعدنان الزرفي، بناء على إقتراح تقدم به المكونان الكردي (الإتحاد الوطني) والسني وبعدم ممانعة ( أو غض نظر) من كل من مقتدى الصدر وعمار الحكيم اللذين إشترطا نيل قبول أطراف أخرى. وقال له أخرون “حصّل 50 صوتا برلمانيا ونسميك”، على حد تعبير المصادر نفسها، فكان أن جاءهم الرجل بلائحة من 80 نائبا.. فتم التكليف.

شعر شيعة “البنادق” أن الامر خرج من يدهم الى ما يمكن وصفه التيار الشيعي المعتدل الأقرب للاصلاحيين منه الى الحرس الثوري الإيراني. “تصدرنت” الأمور فعلاً. فأوكل السيد الصدر المهام بعد فشل اللجنة السباعية إلى رئيس الجمهورية برهم صالح ليقوم بما يلزم. وهذا ما قام به الرجل.

كل الأمور بعد التكليف كانت مغايرة. اسم عدنان الزرفي كان جدليا بامتياز. اختلف البيت الشيعي حوله مرة أخرى، في ظل موقف ضبابي للقوى السنية، ورفض مسعود البارزاني (الديموقراطي الكردستاني) استقبال الزرفي.

إقرأ على موقع 180  نص أوروبي بين واشنطن وطهران.. الخيارات محدودة

تم اخراج سيرة الزرفي للتأكيد بأنه خيار أميركي بامتياز.. والأنكى أنه خيار جدلي. البعض ممن لم يكن يبالي باراء الحراك، أمسك بحجة رفض الشارع للزرفي حتى يحتج بها على تكليفه. اجتماعاتٌ عدة عقدت في بيت السيد عمار الحكيم، شاركت فيها كل الكتل باستثناء كتلة سائرون التابعة للتيار الصدري، بغية التوصل إلى موقف مشترك، أو الوصول إلى اسم بديل. فسر عدم حضور كتلة سائرون بأن السيد الصدر موافق على الزرفي. بعدها، خرج السيد الصدر بتغريدة لم يؤكد فيها دعمه للزرفي ولم ينف. لكنه قال ان كل ما جرى كان نتيجة الانقسام في البيت الشيعي. موقفه كما هي العادة تناغم مع موقف المرجعية.

أمام الزرفي مهلة اقل من شهر. لكن أمامه أيضا مجموعة ألغام أبرزها تفاهم خمس كتل سياسية على رفض تكليفه، وهي: ائتلاف دولة القانون (26 مقعدا)، تحالف الفتح (48 مقعدا)، كتلة العقد الوطني (18 مقعدا)، كتلة النهج الوطني (8 مقاعد)، وتيار الحكمة (19 مقعداً).

في هذه الأثناء، بدأ فيروس كورونا يشكل عامل ضغط على جميع القوى السياسية من دون إستثناء. ثمة طرح بتفعيل حكومة عادل عبد المهدي التي إستقالت في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2019 وتحويلها إلى حكومة طوارىء للتصدي للمهمة العاجلة المتمثلة بمحاربة كورونا. هذا الطرح جاهر به علناً، قبل يومين، الأمين العام لحركة “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، بتوجيهه رسالة عاجلة للقوى السياسية العراقية، داعياً إياها إلى اتفاق سياسي يحدد استمرار حكومة عبد المهدي كحكومة طوارئ بانتهاء تهديد وباء كورونا واستثمار الوقت في اكمال وتنضيج النقاشات في اختيار رئيس الوزراء البديل. وقال إن الوضع الحالي “يفرض أن تُعطى الحكومة الحالية صلاحيات استثنائية من مجلس النواب لتستطيع معالجة الأزمة والتصدي لهذا الوباء من خلال اعلان حالة الطوارئ او أي حل قانوني اخر”.

ثمة توقعات بأن يلقى الزرفي مصير علاوي نفسه، لا سيما في ظل الحديث عن انتهاك دستوري قام به الرئيس العراقي برهم صالح بتجاوزه رأي الكتلة الأكبر.

الفراغ سيد المشهد. لكن الأخطر من نجاح الزرفي او فشله هو إزدياد تفشي كورونا وإزدياد التفسخ السياسي والأمني، الأمر الذي يمكن أن يجر على العراق والعراقيين ويلات كثيرة. العراق ليس بخير، طالما أن العراقيين لا يضعون نصب أعينهم أولوية بناء الدولة، لا إعتباراتهم الشخصية والطائفية والقومية والمذهبية.. أولاً.

Print Friendly, PDF & Email
ملاك عبدالله

صحافية لبنانية

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  بوتين يُصعّد لإحراج بايدن: إما دخول الحرب أو وقفها!