اوليفر: علاقة الولايات المتحدة الاميركية بالاتحاد السوفياتي منذ لحظة الثورة عام 1917 كانت عدائية. تم ارسال القوات العسكرية الاميركية الى سيبيريا بالاضافة الى الجيش السادس عشر من اجل خنق الثورة. ارسل هذه القوات ووردو ويلسون الذي كان ليبرالياً. منذ تلك اللحظة كان من الصعوبة على الاتحاد السوفياتي تقبّل فكرة أن الولايات المتحدة ليست عدواً.
ابتداءً من تلك اللحظة، وبالرغم من أن فرانكلين روزفلت اعترف بالاتحاد السوفياتي عام 1933، لم تفعل الولايات المتحدة والحلفاء شيئاً لمساعدة الاتحاد السوفياتي، حتى حين حذر العالم من تهديدات الفاشية في اسبانيا وكل اوروبا. في الواقع فإنّ الكثير من السياسيين الاميركيين بمن فيهم هاري ترومان في لحظات محددة قالوا: فلندع الالمان والروس يقتلون بعضهم بعضاً. ستالين لم يشعر يوماً بأن تشرشل وروزفلت يساندانه. الاتحاد السوفياتي دفع الكثير من الدم في الصراع مع الآلة الالمانية الضخمة. الولايات المتحدة وانكلترا بدأتا المشاركة في الحرب ضد المانيا متأخرتين – لا بل متأخرتين جداً – وعملياً لم ترسلا قوات كبيرة الّا في العام 1944 .
في المحصلة، وبحسب الاعترافات الشخصية لتشرشل فإن الاتحاد السوفياتي تحديداً هو من حطم جبروت الآلة العسكرية الالمانية. خمسة من اصل ستة جنود ألمان كانوا امواتاً على الجبهة الشرقية.
بعد الحرب كانت روسيا شبه منهكة ومدمرة. روزفلت وبريطانيا وعدا روسيا بما قيمته 20 مليار دولار على ان تقدم مناصفةً.
رحل روزفلت في نيسان/ ابريل 1945 وحل مكانه ترومان. كانت لدى الأخير وجهة نظر مختلفة تجاه الاتحاد السوفياتي. في هذه المرحلة بدأت الحرب الباردة. في الكتب الغربية والاميركية يقال أن ما حصل كان سببه روسيا، اي ان الاتهامات كانت توجه إلى روسيا.كما قلتم لقد استعملوا الستالينية كمبرر او ذريعة.
القواعد العسكرية الاميركية تتوسع اليوم في كل العالم .كم هي من حيث التعداد التقريبي؟ لا نعرف – بين 800 و1000 ومن الممكن ان تكون اكثر. القوات العسكرية الاميركية تتواجد في اكثر من 130 دولة او اكثر، ومن ضمنها البعثات العسكرية، وفي بعض الاحيان هناك اتفاقات عسكرية موقعة. هل من نهاية لذلك؟ هل من الممكن ان تغير الولايات المتحدة سياساتها تجاه روسيا كعدو؟ هل هي الشيوعية؟ هل هي البوتينية؟ او اي شيء آخر لا يحمل اي معنى- انه بكل بساطة مفهوم العداء.
بوتين: حسناً، اعتقد ان كل شيء يسيل وكل شيء يتغير. بعد الحرب العالمية الثانية ظهر نظام القطبين. اعتقد ان ذلك كان في المبدأ خطأ استراتيجياً من جانب الاتحاد السوفياتي. بالطبع من الحسن ان يكون لديك حلفاء، ولكن لا يمكن ان يكون هؤلاء حلفاء غب الطلب أو أن تفرض التحالف فرضاً. لدينا الكثير من النماذج حول بناء العلاقات مع اوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى. القوات السوفياتية خرجت من النمسا، وقد بقيت دولة محايدة. نفس الشيء حدث مع فنلندا. في الواقع، لو ان هذه التركيبة من العلاقات مع هذه الدول قد تم الحفاظ عليها، لانتجت تأثيراً حضارياً كبيراً، ولما كان من الضروري ان تضيع موارد كبيرة من اجل دعم اقتصاديات منهكة. كان من الممكن ان تعقد معهم حتى اتفاقات عسكرية.
لقد قام السوفيات بكل شيء لتقديم الحجج للدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة من اجل انشاء حلف “الناتو”، وهكذا بدأت الحرب الباردة. في الواقع بدأت الحرب الباردة بطريقة اخرى من العلاقات حيث ان الاتحاد السوفياتي شرع في تصنيع سلاحه النووي وقد فعل ذلك بسرعة كبيرة.
اعتقد انه عندما شعرت الولايات المتحدة بأنها تتزعم ما يسمى العالم الحر بعد سقوط الاتحاد السوفياتي برزت بعض الاوهام، وأهمها أن الولايات المتحدة قادرة على كل شيء، ولا يهمها احد، ولن يتعرض لها أحد. هذا فخ كبير، فمن الخطأ الاعتقاد بأن شخصاً ما أو بلداً ما لا يمكن أن يرتكب الأخطاء. هذا ما يقود إلى وهم مفاده بأن لا داعي لتحليل الوضع، أو التفكير في النتائج، وأن لا داعي للاقتصاد في الموارد. اعتقد أن الولايات المتحدة وقعت في هذا الفخ حالياً. كان مفهومها أنه يمكن السيطرة على الجميع واعطاء الاوامر للجميع، وهذا أمر ثبت أنه غير ممكن.
ثمة حاجة إلى أن يتجه الوعي المجتمعي نحو هذا المفهوم بالذات، فإذا ما سيطرت الأفكار الامبراطورية على المجتمع، عندئذٍ يصبح من الطبيعي ان يختار هذا المجتمع قائداً سياسياً يعمل وفق المنطق ذاته، والذي سيحكم النظام السياسي برمّته.
اوليفر: هل حدث ذلك في الولايات المتحدة؟
بوتين: طبعاً. فقد سيطرت على المجتمع مثل هذه الافكار الامبراطورية، وقادته بنجاح. في هذه الحالة، بات من المؤكد أن القيادة السياسية للبلاد ستكون مجبرة على العمل وفق هذا المنطق.
اوليفر: لدينا في الولايات المتحدة الاميركية نظام الحزبين في السياسة الخارجية – سياسة بناء القواعد العسكرية في كل مكان، والتدخل في شؤون البلاد الاخرى. اليوم لدينا مشكلة معقدة مع الصين وايران وروسيا. الكل يتحدث دائماً عن هذه الثلاثية. اريد ان اشكرك على حديثك عن اميركا ونزعة السيطرة التي تعيشها. ولكن ما هي الاجراءات لمقاومة ذلك؟ وما هي تحديداً الاجراءات التي تتخذها روسيا على هذا الصعيد؟
بوتين: تعال نتفق اولاً. انا اعرف موقفك النقدي تجاه سياسة الولايات المتحدة، ولذلك لا تجرني إلى نزعة معادية لأميركا.
اوليفر: كلا لن افعل ذلك، وانما اتحدث عن عوامل محددة، وما يمكن أن يحصل. لا اريد ان افعل ذلك صدقاً. المستشارون القدامى نظروا بواقعية الى السياسة الاميركية، وحاولوا دائماً ان يفهموا اتجاهات السياسة الاميركية. لا اعرف، هل هناك ادمغة مركزية؟
بوتين: هذا صحيح تماماً، ونحن ندرك ذلك فعلاً. اريد ان اقول من وجهة نظري ان الاعتراف بوجود امبراطورية عالمية واحدة تسيطر على عقول الملايين من البشر وبشكل استثنائي، مع انتشار لهذه الافكار في المجتمع، كل ذلك يتطلب تطابقاً في السياسة الخارجية التي ينتظرها المجتمع، وهنا قيادة اميركا تكون مجبرة على العمل وفق هذا المنطق. وفي الممارسة يحصل التطابق مع مصالح الشعب الاميركي. وفي المحصلة، فإنّ ذلك يؤدي الى التناحر والمشاكل، قبل أن تخرج الامور عن السيطرة.
ترجمة: فؤاد خشيش