“كورونا” في بعده السياسي… تسويات معطلة وازمات مؤجلة
A health worker wearing a protective mask holds a placard during a protest in front of a government hospital in Manila on February 7, 2020. - The new coronavirus that emerged in the Chinese city of Hubei to date has killed more than 630 people, infected more than 31,000 people and spread around the world, with the Philippines on February 2 reporting the first death from the new coronavirus outside mainland China. (Photo by Ted ALJIBE / AFP) (Photo by TED ALJIBE/AFP via Getty Images)

Avatar18001/04/2020
صار فيروس "كوفيد-19" أمراً واقعاً. هذا ما تعكسه على الأقل الأرقام المتصاعدة للمصابين به، والتي تقترب يومياً من سقف المليون. وبجانب التحديات الخطيرة التي تمثلها الجائحة الوبائية على الصحة العامة، وفي نطاق أكثر اتساعاً على الاقتصاد العالمي، فإنّ التكهنات بدأت تثار حول عواقبها السياسية، في المديين القصير والطويل، والتي ما زالت معالمها غير واضحة بشكل كافٍ. ولكنّ ثمة حقيقة يمكن الانطلاق منها لرصد ملامح المتغيرات المقبلة، وهي أن الفيروس يمتلك القدرة على إحداث الفوضى في الدول الهشة، وإثارة الاضطرابات على نطاق واسع في العالم، واختبار أنظمة إدارة الأزمات الدولية بشدة.

التداعيات الأكثر خطورة لفيروس “كوفيد-19” يمكن أن تشمل بشكل خاص المجتمعات التي تشهد بالفعل صراعات عسكرية وسياسية واجتماعية سابقة لتفشي الفيروس  نفسه.

التداعيات المباشرة، والأكثر إلحاحاً  التي يمكن أن تلحق بتلك المجتمعات تكمن في بروز المعوقات أمام تدفق المساعدات الإنسانية، وتكبيل جهود احلال السلام، وغياب الجهود الدبلوماسية لحل النزاعات، أو على الأقل تراجعها لصالح مسائل سياسية واقتصادية واجتماعية أكثر إلحاحاً.

ومع ذلك، فإنّ الكوارث الطبيعية أدّت في بعض الأحيان إلى الحد من الصراعات، حيث فرضت على الأطراف المتنافسة العمل بشكل مشترك، أو على الأقل الحفاظ على الهدوء، للتركيز على الحفاظ مهمات داخلية.

في أحدث تقاريرها، تناولت “مجموعة الأزمات الدولية” المحاور التي يمكن أن يتقاطع فيها التحدي الصحي العالمي مع الحروب أو الظروف السياسية التي قد تولد أزمات جديدة أو تفاقم أزمات قائمة.

1- ضعف “مناعة” السكان المتضررين من النزاعات

من المرجح أن يكون سكان البلدان المتأثرة بالصراعات – سواء كانوا في حالة حرب أو يعانون من آثارها اللاحقة – عرضة بشكل خاص لتفشي الأمراض.

في الكثير من الحالات، تركت الحرب أو الاضطرابات المطولة، خاصة تلك المتفاقمة بسبب سوء الإدارة أو الفساد أو العقوبات الأجنبية، الأنظمة الصحية الوطنية غير مهيأة بشدة للفيروس المستجد.

في ليبيا، على سبيل المثال، تعهدت الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس بحوالي 350 مليون دولار لمواجهة “كورونا”، ولكن إلى أي حد يمكن لهذه الأموال أن تكون كافية بعدما انهار النظام الصحي في البلاد؟

في فنزويلا، أدت الأزمة السياسية بين الرئيس نيكولاس مادورو ومعارضيه إلى استنزاف الخدمات الصحية.

في إيران، أدى التعامل الحكومي البطيء مع فيروس كورونا، بجانب العقوبات الغربية، إلى مرحلة بات فيها الفيروس يصيب ما يقرب من 50 ويتسبب خمسة إلى ستة أشخاص في الدقيقة الواحدة.

في غزة، ونتيجة للحصار المستمر منذ سنوات، يبدو النظام الصحي غير مهيأ لمواجهة احتمال تفشي الوباء في منطقة تعد الأكبر من حيث الكثافة السكانية في العالم.

من بين مناطق النزاع النشط المعرضة لخطر تفشي “كوفيد-19” يمكن الحديث عن اليمن وسوريا، ولا سيما محافظة إدلب. وقد شهد كلا البلدين بالفعل أزمات صحية خلال سنوات الحرب، حيث أعاقت أعمال العنف الاستجابة الدولية لتفشي مرض شلل الأطفال في سوريا في 2013-2014 والكوليرا في اليمن منذ عام 2016.

ومن دواعي القلق أيضاً مخيمات الروهينجا للاجئين في بنغلاديش، حيث يعيش أكثر من مليون شخص في ظروف مزدحمة، وتقتصر لديهم مرافق الصرف الصحي وخدمات الرعاية الصحية على الحد الأدنى.

في هذه الحالات – كما هي الحال بالنسبة للمجتمعات النازحة في سوريا العراق وأماكن أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا – ثمة خطر إضافي يتمثل في أن اللاجئين الذين يواجهون تفشياً واسع النطاق لفيروس “كوفيدـ19″في المخيمات التي يقيمون فيها قد يسعون إلى الفرار مرة أخرى من أجل سلامتهم، ما قد يدفع السكان أو السلطات المحلية إلى الرد بقوة لاحتوائهم، وبالتالي إيجاد أرضية جديدة لتصعيد العنف.

أعاقت أعمال العنف الاستجابة الدولية لتفشي مرض شلل الأطفال في سوريا في العامين 2013-2014 والكوليرا في اليمن منذ العام 2016.

كما يمكن أن تؤدي حالة الطوارئ المتصلة بـ”كوفيد-19″ إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في أميركا الوسطى، والمرتبطة جزئياً بسياسات إدارة ترامب للهجرة، فضلاً عن المستويات المرتفعة للجريمة

2- الأضرار اللاحقة بآليات إدارة الأزمات الدولية وحل النزاعات

من شأن تفشي فيروس “كورونا” أن يضعف بشدة قدرة المؤسسات الدولية على خدمة المناطق المتضررة من النزاع. وتخشى منظمة الصحة العالمية ومسؤولون دوليون آخرون من أن القيود المرتبطة بالمرض ستعيق سلاسل الإمدادات الإنسانية.

لكن الوكالات الإنسانية ليست من بين الأجزاء الوحيدة من النظام المتعدد الأطراف التي تتعرض لضغوط بسبب الوباء، الذي من المرجح أن يحد من فرص صنع السلام.

بدأت قيود السفر تلقي بثقلها على جهود الوساطة الدولية، وقد منع مبعوثو الأمم المتحدة العاملون في الشرق الأوسط من السفر إلى المنطقة وداخلها، بسبب إغلاق المطارات. كما أوقفت المنظمات الإقليمية المبادرات الدبلوماسية في مجالات يتراوح نطاقها الجغرافي من جنوب القوقاز إلى غرب أفريقيا، بينما اضطر مبعوث مجموعة الاتصال الدولية حول فنزويلا – وهي مجموعة من الدول الأوروبية والأميركية اللاتينية تبحث عن حل دبلوماسي للأزمة الفنزويلية – إلى إلغاء رحلة طويلة بالفعل إلى كاراكاس في أوائل آذار/مارس لأسباب تتعلق بـ”كورونا”.

كذلك، يمكن أن يؤثر “كورونا” على محادثات السلام الحاسمة في أفغانستان، المخطط لها كمتابعة لاتفاق شباط/فبراير التمهيدي بين الولايات المتحدة وحركة طالبان.

وعلى نطاق أوسع، يعني تفشي الوباء أن القادة الدوليين، الذين باتوا يركزون جهودهم على القضايا المحلية، لن يكون لديهم وقت قليل، أو على الأقل وقت كافٍ، لمعالجة الصراعات.

وعلى سبيل المثال، يقول المسؤولون الأوروبيون إن الجهود المبذولة لضمان وقف إطلاق النار في ليبيا، والتي كانت تمثل أولوية لبرلين وبروكسل في شباط/فبراير الماضي، لم تعد تحظى باهتمام رفيع المستوى.

يمكن أن يؤثر تفشي المرض أيضا على جهود حفظ السلام المتعددة الجنسيات والمساعدة الأمنية.

 

3- المخاطر القائمة على النظام الاجتماعي

من شأن تفشي فيروس “كوفيد-19” أن يفرض ضغوطاً جديدة على المجتمعات والأنظمة السياسية، ما يعزز إمكانية اندلاع أعمال عنف جديدة في عدد من دول العالم.

على المدى القصير، من المرجح أن يكون خطر المرض بمثابة رادع للاضطرابات الشعبية، حيث يتجنب المتظاهرون التجمعات الكبيرة.

على سبيل المثال، أدى ظهور”كوفيد-19″ في الصين إلى تراجع في الاحتجاجات المناهضة لبكين في هونغ كونغ، كما انخفض عدد المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع في الجزائر لتحدي الفساد الحكومي، وكذلك الحال في لبنان والعراق، فيما أذعنت المعارضة الروسية للإجراءات التي اتخذتها السلطات للحد من التجمعات بسبب “كورونا”، بعدما كانت تعد لحملة احتجاجات ضد قرار الرئيس فلاديمير بوتين تعديل الدستور لتمديد ولايته.

إقرأ على موقع 180  ترامب والاستقطاب في زمن كورونا..عندما يتحول الوباء إلى دعاية انتخابية!

حدث استثناء واحد على الأقل من هذا التحذير العام في النيجر، حيث نزل المتظاهرون إلى الشوارع ضد القواعد التي تمنع الاحتجاج”.

لكن الهدوء في الشوارع قد يكون ظاهرة مؤقتة ومضللة، فالإجراءات المتصلة بالصحة العامة والعواقب الاقتصادية للوباء أن تؤدي إلى توتير العلاقات بين الحكومات والمواطنين.

الهدوء في الشوارع قد يكون ظاهرة مؤقتة ومضللة

يمكن بالفعل رؤية العلامات المبكرة للاضطراب الاجتماعي. في أوكرانيا، هاجم المتظاهرون حافلات تقل الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من أوكرانيا من ووهان، بعد ورود مزاعم بأن بعضهم كانوا يحملون المرض. تم الإبلاغ عن حالات تمرد في السجون في فنزويلا والبرازيل وكولومبيا وإيطاليا.

في كولومبيا أيضاً، هاجم اللصوص شاحنات الطعام المتجهة إلى فنزويلا، في أحد مظاهر التعبير عن الاحتجاج على الآثار الاقتصادية للقرار الذي اتخذته كل من بوغوتا وكاراكاس بإغلاق الحدود المشتركة بسبب “كورونا”.

على نطاق أوسع، يمكن أن يؤدي التأثير الاقتصادي الكارثي للمرض إلى زرع بذور الاضطراب، سواء كانت البلدان المعنية قد شهدت تفشي المرض بشكل كبير أم لا.

هناك ركود عالمي لا يزال غير معروف النطاق ينتظرنا، وستعوق قيود النقل المتعلقة بالجائحة الوبائية التجارة والإمدادات الغذائية، وسيضطر عدد لا يحصى من الشركات إلى الإغلاق، ومن المرجح أن ترتفع مستويات البطالة.

هناك سبب آخر يدعو للقلق وهو إمكانية أن يُطلق “كوفيد-19” مشاعر الكراهية ضد الأجانب، وبخاصة في البلدان التي فيها تجمعات كبيرة من المهاجرين.

 

4- الاستغلال السياسي لأزمة “كورونا”

في ظل هذه الخلفية من الضغوط الاجتماعية، ثمة مساحة واسعة للقادة السياسيين لاستغلال “كوفيد-19″، إما لترسيخ سلطتهم في الداخل أو متابعة مصالحهم في الخارج. على المدى القصير، يبدو أن العديد من الحكومات مرتبكة بسبب سرعة انتشار المرض وخطورته وخطر انتشاره، ومع ذلك، ومع استمرار الأزمة، يمكن لبعض القادة أن يأمروا بتدابير تقييدية تجعل الصحة العامة أولية منطقية، ثم تمدها على أمل القضاء على المعارضة بمجرد تلاشي المرض. يمكن أن تشمل هذه الإجراءات حظراً إلى أجل غير مسمى على التجمعات العامة الكبيرة.

ثمة سوابق مماثلة شهدها العالم في أزمة “إيبولا” في غرب أفريقيا، حيث تدعي مجموعات المجتمع المدني المحلية وأحزاب المعارضة أن السلطات حظرت الاجتماعات لفترة أطول من اللازم كوسيلة لقمع الاحتجاجات المشروعة.

من جهة أخرى، قد تمنح أزمة كورونا هامشاً للجماعات الجهادية لشن هجمات جديدة ضد الحكومات الضعيفة في إفريقيا والشرق الأوسط. حتى الآن، لم يُظهر “داعش” ولا أي من فروع تنظيم “القاعدة” رؤية استراتيجية واضحة تتعلق بالوباء (على الرغم من أن “داعش” وزع إرشادات صحية على مقاتليه حول كيفية تجنب المرض).

ومع ذلك، من المعروف أن القوى الجهادية تميل إلى “استغلال الفوضى” لكسب الأراضي والأتباع حيث توجد بالفعل صراعات أو تواجه الدول الضعيفة اضطراباً اجتماعياً.

 

5- نقطة تحول في علاقات القوى الكبرى؟

اللحظة الحالية تختلف عن الأزمات الدولية الأخرى، فعندما دفع الانهيار المالي إلى انكماش اقتصادي عالمي في العام 2008، كانت الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بما يكفي من النفوذ لتشكيل الاستجابة الدولية من خلال مجموعة العشرين.

وفي العام 2014 ، تولت الولايات المتحدة مسؤولية الاستجابة المتعددة الأطراف المتأخرة لأزمة فيروس إيبولا في غرب إفريقيا بمساعدة دول تتراوح من المملكة المتحدة وفرنسا إلى الصين وكوبا.

اليوم، يفرض سوء إدارة الولايات المتحدة لأزمة كورونا نفسه على نمط العلاقات الدولية، وعلى النقيض من ذلك، حققت الصين بعض النقاط لصالحها في معركة كسب النفوذ من خلال الإيماءات الإنسانية.

من المرجح أن يكون للفيروس التاجي وكيفية التعامل معه تأثير عميق على شكل النظام المتعدد الأطراف الذي سيظهر في أعقابه، وإن كان من السابق لأوانه تقييم تلك الآثار.

وتمثل الأزمة أيضاً اختباراً صارخاً للتنافس بين الدول الليبرالية وغير الليبرالية في إدارة محنة اجتماعية شديدة بشكل أفضل.

 

6- بصيص أمل…

في حين أن علامات التحذير المرتبطة بفيروس “كوفيد-19” مهمة، إلا أن ثمة بصيص أمل، فتفشي الوباء يفسح المجال للإيماءات الإنسانية بين المتنافسين. قامت الإمارات، على سبيل المثال، بنقل أكثر من 30 طناً من المساعدات الإنسانية لإيران للتعامل مع المرض (في المقابل ، اغتنمت البحرين الفرصة لاتهام الجمهورية الإسلامية بـ “العدوان البيولوجي”). كما عرضت الدول ذات العلاقات الوثيقة مع إيران، بما في ذلك الكويت وقطر، المساعدة. كتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، معرباً عن رغبته في مساعدة بيونغ يانغ ، فردّ الأخير برسالة شكر. وعلى الرغم من إغلاق حدودها مع فنزويلا، أجرت الحكومة الكولومبية أيضًا أول اتصال رسمي لها مع كاراكاس منذ أكثر من عام لمناقشة سبل الاستجابة المشتركة للرعاية الصحية في المناطق الحدودية.

هذه ليست سوى خطوات إيجابية صغيرة نسبيا. ولكن مع انتشار الدمار وتقلص الاقتصادات، قد تتزايد الضغوط على الدول من جهة، وعلى الحكومات والمعارضات الداخلية من جهة أخرى، لإيجاد أرضية مشتركة إذا كان ذلك شرطًا للاستقرار.

 

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free online course
إقرأ على موقع 180  توسيع "بريكس".. نحو نظام عالمي أكثر توازناً