أوليفر: منذ انضمام القرم إلى روسيا لا تكل الحكومة الأوكرانية من القول إنّ الجيش الروسي – او الحكومة الروسية – هو من اعتدى على أوكرانيا. السلطات العسكرية الأوكرانية تقول إن المظليين، او كما يسمونهم ” المرتزقة”، او المتعاقدين الذين يخدمون في الجيش، دعموا الانفصاليين.
بوتين: في ما يتعلق بالقرم، اريد ان اسأل: ما هي الديمقراطية؟ الديمقراطية هي سياسة تأسست على إرادة الشعب. كيف يتم التعبير عن ارادة الشعب؟ في العالم المعاصر – وبفضل التصويت يذهب الناس الى الاستفتاء، لا احد يمكنه، بالسوط أو بأي سلاح، أن يجبر الناس على ان يخرجوا من بيوتهم للذهاب الى التصويت. الناس في القرم ذهبت إلى التصويت، واكثر من 90% صوتوا لصالح الانضمام الى روسيا.يجب احترام ارادة الناس وخيارهم بدلاً من أن تكون المبادئ العامة للقانون الدولي ومبادئ الديمقراطية مسخّرة لمصالح جيوسياسية.
اوليفر: الولايات المتحدة تكرر دائماً القول انكم تخرقون القوانين والمواثيق الدولية، وكذلك يفعل الاتحاد الاوروبي. وانت قلتم ان الولايات المتحدة فعلت الشيء نفسه في العراق. في نهاية المطاف هذا سؤال عن القدرات العسكرية، اليس كذلك؟
بوتين: نعم صحيح . لقد دخلت القوات العسكرية للولايات المتحدة العراق، ولم تكن هناك اية انتخابات. في ما يخص القرم، نعم… لقد هيأنا الظروف لكي يتمكن الناس من الذهاب إلى الانتخابات، ولكننا لم نقم بأية اعمال حربية. لم يطلق احد النار، ولم يقتل أحدٌ احداً.
اوليفر: في الولايات المتحدة يقولون ان الانتخابات في العراق حصلت في نهاية المطاف.
بوتين: نعم، في النهاية حصلت الانتخابات، ولكن الحرب كانت قائمة. هنا لم تحدث أية حرب. هذا أولا. ثانياً، هم ينتقدون السياسة الروسية باعتبارها مخالفة للقوانين الدولية. لقد تحدثت عن ذلك واريد ان أؤكد مرة اخرى: خلال الاحداث في كوسوفو، لاحظت المحكمة الدولية التابعة للامم المتحدة ما حصل بشكل دقيق ، وتوصلت الى نتائج مفادها أنه انطلاقاً من نص المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة – اذا لم تخنّي الذاكرة – فإن موافقة السلطات المركزية لهذا البلد او ذاك على حق تقرير المصير ليست مسألة أساسية. هذا ما وافق عليه المسؤولون في الولايات المتحدة حينها، ومعهم مسؤولو بعض الدول في الاتحاد الاوروبي ( المانيا، بريطانيا)، حين اكدوا أن لا قيمة لموقف بلغراد (من استقلال كوسوفو). لماذا هذا الأمر كان مسموحاً به للكوسوفيين، ومحّرماً على الروس والاوكران والتتار في القرم؟ لا اجد أية اسباب . وعلاوة على ذلك، فإنّ قرار استقلال كوسوفو اتخذ فقط من قبل البرلمان. أما في القرم، فقد حدث ذلك من خلال التصويت في البرلمان والاستفتاء الشعبي، وقد أعلن الشعب عن رغبته في الانضمام الى روسيا. كل خطوة جرت من قبلنا كانت مبنية على هذا الأساس.
يجب احترام ارادة الناس وخيارهم بدلاً من أن تكون المبادئ العامة للقانون الدولي ومبادئ الديمقراطية مسخّرة لمصالح جيوسياسية
اوليفر: هل صدرت ادانة من الامم المتحدة لانضمام القرم؟
بوتين: كلا، في المطلق لا اعلم عن ذلك.
اوليفر: هل من الممكن ان نتحدث عن الطائرة الماليزية التي انفجرت في العام 2014.
بوتين: بالطبع.
اوليفر: شكراً. لقد استمعت الى بيانات كلا الطرفين. لدي تأكيد من الاستخبارات الروسية يشير الى انه كانت توجد طائرتان في المجال الجوي على الاقل، او طائرات حربية ، ومن الممكن ان تكون الطائرة الماليزية قد اصطدمت بطائرة اخرى. هل هذا ممكن؟
بوتين: توجد فرضيتان. الاولى، أن الطائرة الماليزية سقطت بواسطة صاروخ مضاد للطائرات (“بوك”) من قبل القوات الاوكرانية. والفرضية الثانية تتلخص في ان النظام الصاروخي (“بوك”) او غيره من انتاج روسي وقد تم استعماله من قبل الانفصاليين، وان الطائرة قد سقطت بهذا النظام الصاروخي . قبل كل شيء، اريد ان اقول أن هذا الحدث المأساوي والكارثة الهجينة كان يمكن الا يحصل لو ان القيادة في اوكرانيا استمعت الينا، ولم تقم بعمليات عسكرية واسعة النطاق. تحديداً القيادة الاوكرانية بدأت الحرب في دونيتسك، مع تقديم كل التسهيلات العسكرية للانغماس في الصراع المسلح. في ما يخص المحاكمات الجارية في القضية، كما بات معرفاً بالنسبة إلي، فإنه مباشرة بعد تلك الحادثة المأساوية ، قال احد المراقبين الجويين الاوكران، وهو يحمل أيضاً الجنسية الاسبانية، أنه رأى إحدى الطائرات الحربية تحلق ضمن في الممر المخصص للطائرات المدنية. في الواقع، لم تكن هنالك أية طائرات حربية في سماء المنطقة سوى الطائرات الاوكرانية، وهذا بالطبع يتطلب المزيد من التوضيحات. انا لا اؤكد ان طائرة حربية أوكرانية قد اسقطت تلك الطائرة المدنية، ولكن السؤال هو ماذا كانت تفعل هناك، في هذا الممر المدني؟ هذا أمر ممنوع على صعيد القوانين الدولية. وفي ما يتعلق بنظام الصواريخ ” بوك” الذي يطلق من الارض وبحسب المعطيات من الاختصاصيين ومحللينا، فان الضربة كانت من الخلف، اي أنها اصابت ذيل الطائرة . بشكل عام من غير المفهوم، ماذا كانوا يفعلون هناك، ولماذا كانوا هناك، ولماذا بتلك السرعة تم نقلهم من هناك؟ في كل الاحوال من المؤكد انه يجب ان يحصل تحقيق دقيق .
اوليفر: هل تعتقدون ان لدى الاستخبارات الاميركية معلومات عما جرى، خصوصاً أنها كانوا على اطلاع على الوضع الاوكراني عن كثب بعد الانقلاب؟
بوتين: أنا متأكد من ذلك، ولكن للأسف لم نتسلم معلومات مؤكدة من الشركاء.
اوليفر: ألم يتحدثوا عن أي شيء؟
بوتين: لم يتحدثوا. وهذا غير مفهوم، لان موقفهم من اوكرانيا مفهوم. وطبعا يراد في هذه الحالة اتهام روسيا، لانها تدعم الانفصاليين.
اوليفر: أو ربما لديهم معلومات متناقضة ولا يريدون تقديمها…
بوتين: اذا كان هناك نفي للمعلومات، فهم لن يقدمونها ولن يعرضونها.
اوليفر: نحن نعلم الكثير عن المنظمات غير الحكومية العاملة في اوكرانيا. ونعلم ان السيدة فيكتوريا نولاند، التي تشغل منصب مساعدة وزير الخارجية لشؤون شرق أوروبا كانت تدعم بشكل حثيث وفعال عملية تغيير السلطة في كييف . نعلم أيضاً ان السيناتور جون ماكين شوهد اكثر من مرة مع المتشددين وقياداتهم، بما في ذلك النازيون الجدد. كما نعلم ان المؤسسة الأميركية لدعم الديموقراطية لعبت دوراً مؤثراً وفعالاً في ما جرى. بول غيرشمان، رئيسها، كان قد اعلن بشكل واضح أنه يريد “أوكرانيا مستقلة”، كما أن الملياردير جوج ساوروس دعم بشكل فعال العديد من المجموعات في اوكرانيا.
بوتين: نعم هذه حقيقة. لا استطيع أن افهم منطق شركائنا. لقد قلت في السابق ان شعوراً يتراكم لديّ مفاده أنه يسعون دائماً لخلق عدو خارجي .
اوليفر: بكلمات اخرى، الولايات المتحدة تعمل من اجل توحيد الصف مع الأوربيين والحلف الأطلسي، وبالتالي لا بد من وجود عدو خارجي، وهو روسيا؟
بوتين: يمكنني أن أقول بثقة أن هذا الأمر صحيح، وأنا أعلمه جيداً، أو على الأقل أشعر به. هذا هو النظام الحاكم للعلاقات بين ضفتي الأطلسي. بالرغم من اننا تجاوزنا حقبة الحرب الباردة، إلا أن بعض القادة الأوروبيين قالوا لي إن “اصدقاءنا الاميركيين يخيفوننا منك، و لكننا في الواقع لسنا خائفين، بل ندرك ان العالم قد تغيّر”. من دون المخاوف الخارجية لن يكون هناك اي نظام داخل الحلف الأطلسي. ولكن باعتقادي، هذا منطق خاطئ، لأن جذوره تعود إلى الماضي، في الوقت الذي ينبغي أن نتطلع فيه إلى المستقبل. يجب ان نفهم ان العالم قد تغير، وأن تهديدات جديدة ظهرت، ولا يمكن مواجهتها بأساليب جامدة كتلك التي كانت سائدة في مرحلة الحرب الباردة.
اوليفر: مدهش! انا أنظر دائماً بكثير من الاحترام الى اجهزة الاستخبارات الروسية والى معرفتها القوية بالغرب. لكن ما يلفتني كان غياب المعلومات حول ما جرى في اوكرانيا. يقال أنكم فوجئتم شخصياً بما حدث، حتى أنكم كنتم منشغلين كثيراً في الالعاب الاولمبية في مدينة سوتشي ولم تلاحظوا الاحداث التي كانت تجري في اوكرانيا. ما الذي حصل مع خدمة القوات الامنية- الاستخبارات؟
بوتين: كلا، ما تقوله لا يتطابق مع الواقع. لكن كنا على دراية جيدة بالموقف، انطلاقاً من التحولات التي كان يشهدها المجتمع الأوكراني. لم يكن يراودنا أيّ شك في أن الانقلاب سيحدث منذ نهاية حكم (ليونيد) كوتشما.
اوليفر: لدي سؤال محدد عن اوكرانيا . عندما تم اطلاق النار في الميدان، هل كانت لديكم معلومات عما كان يحصل؟ لقد حصل اطلاق نار غريب، ولقد كان هناك اصابات في صفوف الشرطة والمدنيين، والشرطة لم تطلق النار رداً ، ولم يكونوا من جماعة يانوكوفيتش، لقد كان هناك مجموعة من القناصة اطلقت النار على الشرطة وعلى المتظاهرين ، من اجل احداث الفوضى، واحكام السيطرة.
بوتين: نعم هذا واضح بشكل جيد. يانوكوفيتش لم يعط الاوامر باستعمال السلاح ضد المتظاهرين. والجدير ذكره، أن الشركاء الغربيين بما فيهم الاميركيون ، طلبوا مني الضغط عليه من اجل عدم ألا يعطي الاوامر بذلك. قال يانوكوفيتش:” لا يمكنني ان افعل ذلك، لا يمكن ليداي ان تكتب مثل تلك الاوامر، أو أن تطلب استعمال السلاح”. اما في ما يتعلق باطلاق النار باتجاه الشرطة والمتظاهرين ، فقد كان الهدف خلق الفوضى. ما قلته صحيح، وانا أوافقك الرأ].لم يكن يانوكوفيتش مهتماً في ان تنتشر الفوضى. بل بالعكس، كان مهتماً ان يعم الهدوء وتهدأ الاوضاع. لكن من الواجب القول ان المتظاهرين كانوا قد استعملوا العنف.
اوليفر: نعم بعضهم كان عنيفاً.
بوتين: لقد دخل بعضهم الى مكتب حزب الاقاليم الذي يتزعمه يانوكوفيتش ، وتم احراقه، لقد خرج بعض العمال التقنيين وقالوا انهم ليسوا من القيادات الحزبية، وانهم عمال كهرباء او ما شابه. لقد تم اعدامهم ، ووضعوهم في الاقبية وتم احراقهم . لقد حصل ذلك قبل فترة الانقلاب . ولهذا كان يانوكوفيتش غير معني بحصول الفوضى. لقد كان من الواجب عليه ان يفعل؟، ولقد فعل الكثير من اجل تهدئة الاوضاع .
اوليفر: ومن اين ظهر القناصون؟
بوتين: من اين ظهروا؟ من ارسلهم؟ ثمة من كان مهتماً بأن تعم الفوضى، وباشعال الوضع. ليست لدي معطيات ، من قام بذلك تحديداً. لكن التفكير المنطقي يكشف ذلك.
اوليفر: هل سمعتم عن التحضيرات التي كانت تقوم بها مجموعات من قبل ” القطاع اليميني” سواء من مينسك او غيرها؟ لقد قالوا لي إن مجموعات تتألف من مئة شخص في تلك المدينة وقد وصلوا إلى كييف قبل بضعة ايام من بدء اطلاق النار في الميدان…
بوتين: من مينسك كلا، كانت لدينا معلومات عن تحضير تلك المجموعات في الجزء الغربي من اوكرانيا، أو في بولونيا، وغيرها من الاماكن.
اوليفر: هل سمعتم عن كتيبة” آزوف”؟
بوتين: كلا بالطبع. لقد كانت هناك العديد من الوحدات، التي لم تكن تتلقى اوامر من اي شخص، وبما في ذلك السلطات المركزية في كييف. وهذا من بين الاسباب التي لم حالت دون الاعمال الحربية. بكل بساطة اعتقد انهم يخافون من عودة هؤلاء الى المدينة، كونهم لا يخضعون لأمرة احد.
ترجمة فؤاد خشيش