كوبا المحاصرة تقدّم الكثير للعالم!

Avatar18015/04/2020
منذ انتشار فيروس "كورونا" في العالم، بادرت كوبا إلى إرسال متخصصين في الرعاية الصحية إلى 37 دولة للتعاون في مكافحة الوباء. استقبلت إيطاليا 53 طبيباً كوبياً عملوا سابقاً في غرب إفريقيا، خلال تفشي مرض "إيبولا" القاتل عام 2014. علاوة على ذلك، كانت الجزيرة المحاصرة الدولة الوحيدة التي خرقت الحظر العالمي على سفينة سياحية كانت تنقل أكثر من 600 مسافر بريطاني، وبعضهم مصاب بكورونا، وقد تقطعت بهم السبل لمدة أسبوع، بعد أن منعت الولايات المتحدة والدول المجاورة رسو السفية. سمحت كوبا للمسافرين بدخول أراضيها، وعالجت المرضى، وساعدت في نقلهم إلى وطنهم. تقوم كوبا بدور رائد في معالجة الوباء العالمي. فكيف أمكن لجزيرة صغيرة في منطقة الكاريبي، حملت إرث قرون من الاستعمار والإمبريالية، وعقود من الإجراءات العقابية من جانب الولايات المتحدة، أن تقدم الكثير للعالم؟

في إطار  مواجهة جائحة “كوفيد-19 “، تبنت الحكومات الرأسمالية حالة الطوارئ،  باعتبارها “الملاذ الأخير” في مجتمعات تركت فيها النيوليبرالية جذور اقتصادية وعقائدية عميقة.

قيل لنا، على مدى عقود، أن السوق الحرة فقط هي التي تضمن الكفاءة. الآن تأتي الأزمة الصحية العالمية لتضع المفهوم ذاته في موضع شك. تبرهن المساهمة الكوبية على أن الدولة الاشتراكية يمكن أن تحقق نتائج فعالة تُقاس بالحاجة المجتمعية وليس الربح الخاص.

بعد الثورة الكوبية عام 1959 ، طورت الحكومة الثورية نظام رعاية صحية مجانياً وشاملاً ، حيث فاقت نسبة الأطباء قياساً إلى عدد السكان مثيلاتها من كل دول العالم.

تم تسهيل ذلك من خلال توفير التعليم المجاني للجميع، وقد تم توزيع الفوائد على الصعيد العالمي: عمل حوالي أربعمئة ألفٍ من المهنيين الطبيين الكوبيين في الخارج خلال ستة عقود، وبخاصة في البلدان الفقيرة، حيث وفروا رعاية صحية مجانية.

تحظى كوبا باعتراف عالمي بسبب ضوابطها الخاصة بالأمراض المعدية وتلك المتصلة بالحد من مخاطر الكوارث، لا سيما تلك المتعلقة بالمناخ والكوارث الطبيعية.

اليوم، يتم تسخير هذه التجارب لمكافحة “كوفيد-19”. يسعى نظام الرعاية الصحية الكوبي إلى تأمين الوقاية القصوى من العدوى، من خلال شبكة من الأطباء المسؤولين عن صحة المجتمع.

لمكافحة تفشي المرض، يقوم موظفو الرعاية الصحية بإجراء فحوصات طبية من باب إلى باب،  ويتتبعون انتقال العدوى وإجراءات الحجر الصحي ، كما يقومون بإنشاء سجل خاص لأولئك الذين يعانون من ظروف صحية قد يحتاجون بسببها إلى عناية إضافية.

يترافق ذلك مع حملات تثقيفية عامة وتحديثات يومية من خلال تطبيق جديد (كوفيد-19 إنفو كو) عبر “انفوفيد”، وهي منصة للصحة العامة في البلاد على شبكة الانترنت.

في 23 آذار/مارس ، أغلقت كوبا منافذها أمام جميع الأجانب غير المقيمين من أجل السيطرة على تفشي المرض، وهو قرار صعب بالنظر إلى أهمية عائدات السياحة للدولة.

بعد الثورة الكوبية عام 1959 ، طورت الحكومة الثورية نظام رعاية صحية مجانياً وشاملاً ، حيث فاقت نسبة الأطباء قياساً إلى عدد السكان مثيلاتها من كل دول العالم.

“الإنترفيرونات” كنموذج للتكنولوجيا الحيوية الكوبية

حفز تعامل علماء الطب الكوبيين مع “الإنترفيرونات” (بروتينات صغيرة تنتجها الخلايا اللمفاوية لمقاومة الفيروسات) في أوائل الثمانينيات التطور المبكر والمميز لصناعة التكنولوجيا الحيوية الخاصة بهم.

انطلاقاً من رؤية فيدل كاسترو، ومن خلال التعاون مع علماء الطب في الولايات المتحدة وأوروبا، بادرت كوبا إلى انتاج “الإنترفيرونات” واستخدمتها لمقاومة تفشي فيروس حمى الضنك القاتل في عام 19، وهو ما ساهم في تطوير التكنولوجيا الحيوية في كوبا.

ومع أن شركات الأدوية الرأسمالية الكبرى قد طوّرت عقار “انترفيريون ألفا 2ب”  المضاد للفيروسات انطلاقاً  انطلاقاً من التكنولوجيا الحيوية ذاتها، إلا أن كوبا أظهرت تطوّراً أكبر في هذا المجال، ما جعل نسختها الخاصة من “انترفيريون ألفا 2ب” منتجاً فريداً من نوعه.

كان الكوبيون أيضاً أول من استخدم الدواء كجزء من حملة شاملة للصحة العامة ضد الفيروسات.

التكنولوجيا الحيوية الرأسمالية: الربح من خلال المضاربة

تم إطلاق قطاع التكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة برأس مال استثماري. تأسست أول مؤسسة للتكنولوجيا الحيوية في العالم (جينيتيك) في سان فرانسيسكو عام 1976 ، وتلتها (أي أم جين) في لوس أنجلوس عام 1980.

لم يحقق قطاع التكنولوجيا الحيوية أرباحاً من مبيعات المنتجات على الصعيد الدولي حتى عام 2009، ومع ذلك  فقد تدفقت إليه مليارات الدولارات.

هنا يبرز السؤال: لماذا تتدفق الأموال من رأس المال الاستثماري إلى صناعة يصعب فيها تحقيق الأرباح؟ الجواب هو دور الآليات المالية مثل الاكتتابات العامة الأولية والكيانات ذات الأغراض الخاصة والشركات ذات الأغراض الخاصة (SPCs) وتراخيص براءات الاختراع ، في السماح بتحقيق الأرباح من قطاع التكنولوجيا العالية ذات الإنتاجية المنخفضة.

عادةً ما تعتمد الشركات المبتدئة على رأس المال الاستثماري لضمان تكاليفها الأولية. وبمجرد تطوير بعض المنتجات الواعدة، يسعى أصحاب رأس المال المغامر والمستثمرون الآخرون في مرحلة مبكرة إلى استرداد استثماراتهم من خلال طرح أسهم الشركات في اكتتاب أولي.

انطلاقاً مما سبق، تقوم شركات التكنولوجيا الحيوية بإجراء أبحاثها فقط في المنتجات التي يمكن ضمان وجود سوق مربحة لها، وتتخلى عن تطويرها واستخدامها إذا لم يتحقق لها الربح، أو في حال فقدت دعم المستثمرين، أو انخفضت أسعار الأسهم ، وما إلى ذلك.

يمكن أن يستغرق تسويق منتجات التكنولوجيا الحيوية ما يصل إلى 20 عاماً، ولن يصل الكثير منها إلى هذه النقطة التسويقية. بحلول عام 2002 ، وصل إلى السوق فقط حوالي 100 دواء مرتبط بالتكنولوجيا الحيوية، وكان العشرة الأوائل منها تمثل جميع المبيعات تقريباً.

وبشكل عام، فإنّ جميع شركات الأدوية الحيوية التي تعمل وفق الاكتتابات العامة عديمة الإنتاج، ومع ذلك ، تسمح المضاربات المالية للمستثمرين في سوق الأسهم بجني مكاسب ضخمة من خلال تداول الأسهم الصيدلانية الحيوية حتى في حالة عدم وجود منتج تجاري.

انطلاقاً من ذلك، يمكن اعتبار التكنولوجيا الحيوية الكوبية استثنائية، ينبع من كونها تتلقى الدعم الحكومي والتمويل العام، ضمن الاقتصاد المركزي المخطط الذي تسيطر عليه الدولة، واستراتيجية التنمية التي أعطت، منذ أوائل الستينيات، الأولوية للرعاية الصحية والتعليم والبحوث في مجال العلوم والتكنولوجيا.

إقرأ على موقع 180  الجولاني للإمساك بـ"معبر الحمران".. نفط ومال وخيارات!

خصائص التكنولوجيا الحيوية الكوبية

في العام 1981 ، تم إنشاء الجبهة البيولوجية، وهي منتدى مهني متعدد التخصصات، لتطوير صناعة التكنولوجيا الحيوية في كوبا، وذلك بعد خمس سنوات فقط من تأسيس شركة “جينيتيك” في الولايات المتحدة.

حينها لم يكن لدى معظم البلدان النامية سوى القليل من إمكانات الوصول إلى التقنيات الجديدة (الحمض النووي المؤتلف، والعلاج الجيني البشري، والسلامة البيولوجية). ومع ذلك، توسعت التكنولوجيا الحيوية الكوبية وأخذت دوراً استراتيجياً متزايداً في كل من قطاع الصحة العامة وخطة التنمية الاقتصادية الوطنية، وقد فعلت ذلك بالرغم من الحصار الأميركي الذي عرقل الوصول إلى التقنيات والمعدات والمواد والتمويل وحتى تبادل المعرفة.

الجدير بالذكر أن قطاع الأدوية الحيوية الكوبي، الذي تأسس فقط من خلال استثمارات حكومية – مع تمويل مضمون من خلال ميزانية الدولة  – هو مملوك للدولة بالكامل، وليست له مصالح خاصة أو استثمارات مضاربة.

في هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى ما قاله اغوستين لاج دافيلا مدير مركز علم المناعة الجزيئية في كوبا لرئيس شركة أدوية متعددة الجنسيات حين تفاخر أمامه بعدد المستثمرين. لقد ردّ عليه ببساطة: “المساهمون لدينا هم 11 مليون كوبي!”.

بهذا باتت الأدوية الحيوية الكوبية مدفوعة بالطلب على الصحة العامة ، بدلاً من عامل الربح، ويصبح هذا القطاع متكاملاً تماماً مع نظام الرعاية الصحية الحكومي.

يتميز قطاع التكنولوجيا الحيوية في كوبا بمساره السريع، من البحث والابتكار إلى التجارب والتطبيق: يجب إنتاج الأدوية التي لا تستطيع كوبا تحمل تكلفتها، أو لا تستطيع الوصول إليها بسبب الحصار الأميركي.

اليوم، يتم إنتاج ما يقرب من 70 في المئة من الأدوية المستخدمة في كوبا محلياً.

وضمن هذا التوجه، يسود التعاون على المنافسة، حيث يتم تبادل البحوث والابتكارات بين المؤسسات المختلفة: يتم إنشاء فرق من العلماء للشروع في مشروع من العلوم الأساسية، ومن ثم البحث الموجه نحو المنتج، وصولاً إلى التصنيع والتسويق.

سلط الدكتور كيلفن لي، مدير علم المناعة في معهد “روزويل بارك للسرطان” في نيويورك، الضوء على هذه الخصائص “الفريدة” لقطاع التكنولوجيا الحيوية الكوبية “يبدأون بتحديد الحاجة، ثم يكتشفون العلوم لتطوير ذلك في مختبر، ويصنعون المنتج، ثم يختبرونه، ثم يشرعون في تسويقه وبيعه في الخارج”.

الجدير بالذكر، أنه بموجب ترخيص صادر عن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يجري “روزويل بارك” تجارب سريرية على لقاح “سيمافاكس-اي جي أف” ضد سرطان الرئة،و هو  مبتكر في كوبا.

يتم إنتاج ما يقرب من 70 في المئة من الأدوية المستخدمة في كوبا محلياً

العلاج الكوبي

ماذا كانت ثمار هذا النظام الكوبي المميز؟ حصل المهنيون الكوبيون على عشر ميداليات ذهبية من المنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) على مدار 26 سنة. كان الأول في عام 1989، عن أول لقاح عالمي لاتهاب السحايا؛ وآخرٌ عن لقاح للنزلة النزفية؛  آخر عن لقاح لتقرحات القدم السكرية التي تؤثر على حوالي 422 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، والذي يحد من الحاجة إلى البتر بنسبة 71 في المئة؛ جائزة أخرى من “ويبو” كانت لعقار مخصص لعلاج الصدفية استفاد منه أكثر من 100.000 شخص في جميع أنحاء العالم.

في عام 2015، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن كوبا كانت الأولى في العالم في القضاء على انتقال فيروس نقص المناعة البشرية من الأم إلى الطفل. لقد حدّت كوبا من انتشار “الإيدز” عن طريق الأدوية المضادة للفيروسات المنتجة محلياً، ولا يزال منحنى الوفيات لديها آخذٌ في الانخفاض.

علاوة على ذلك، فإنّ الاستخدام العالمي للقاح كوبي لالتهاب الكبد B  عند الأطفال حديثي الولادة (100 مليون جرعة حول الحالم)، جعلت كوبا من بين البلدان الأولى الخالية من هذا المرض.

بالإضافة إلى ذلك، حققت كوبا برنامجاً كاملاً لفحص قصور الغدة الدرقية الخلقي، وسبقت بذلك الولايات المتحدة، إذ طور مركز المناعية في الجزيرة معداته الخاصة بنظام التحليل فوق الصوتي لتشخيص التشوهات الخلقية قبل الولادة.

وفي الوقت الحالي، يعمل مركز كوبا لعلم الأعصاب على تطوير اختبارات معرفية ومؤشرات حيوية للفحص المبكر لمرض “الزهايمر”.

يوجد في قطاع التكنولوجيا الحيوية الكوبية ما يقرب من 200 اختراع ومنتج يتم تسويقها في 49 دولة، ويمتلك قدرة على إنتاج كميات كبيرة من الأدوية الكوبية للتصدير بثمن بخس إلى البلدان النامية، بجانب دخوله في شراكات في تسع دول في جنوب العالم.

هكذا يتبدى الفرق بين التكنولوجيا الحيوية الموجهة نحو الصحة العامة، وبين المضاربة التي تسعى لتحقيق الربح للشركات الرأسمالية في زمن الوباء العالمي… تقدم كوبا درساً لنا جميعا.

هيلين يافي  – ترجمة “180”

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  الموصل المنكوبة تصارع كورونا.. فقر وبطالة وموت