%10 يملكون 70% من ثروات أميركا.. و10% جائعون

يرث جو بايدن من سلفه دونالد ترامب بلداً منقسماً على نفسه، معادياً لنصف الكرة الأرضية، وإقتصاداً يعاني ركوداً حالياً هو الأسوأ منذ أزمة 2009 بفعل أزمة كورونا، وفقراً يزداد حدةً، وتفاوتاً طبقياً ببونات شاسعة مهددة للتوازن الاجتماعي وربما السلم الأهلي أيضاً.

تدخل الولايات المتحدة الأميركية العام 2021 منهكة بعدما سجلت وفيات كورونا أرقاماً تجاوزت ما فقدته أميركا في الحرب العالمية الثانية. بلد يلفه الحزن ويتلحف بالعزاء مع بلوغ الوفيات أكثر من 425 ألف مواطن ومقيم، وهذه الحصيلة الأكثر مأساوية على الكوكب تزداد بمعدل 3 آلاف حالة وفاة إضافية يومياً، وهي مرشحة لبلوغ رقم الـ 600 ألف حالة وفاة، “على أبعد حد”، وفق تقديرات الرئيس الأميركي.

جزء من هذه الفاجعة الجائحة، التي أصاب فيروسها أكثر من 25 مليون أميركي حتى الآن، حسب موقع ورلد ميترز دوت كوم، ليل الجمعة ـ السبت الماضي، يعود إلى سوء إدارة ترامب للأزمة الصحية، وعدم الاعتراف بخطورتها كما يجب وضعف مواجهتها بما يلزم. وعندما أراد استدراك الأخطاء القاتلة كانت شعبيته بدأت بالتراجع، ففقد بمرارة ونكران فوزه بولاية ثانية.

ولأن الاقتصاد همه الأول دفع ترامب في آذار/ مارس 2020 إلى اقرار حزمة مساعدات وبرامج دعم للأفراد والأسر والشركات وعدد من القطاعات الأخرى بقيمة 2000 مليار دولار، هي الأكبر من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة، وعندما تبخر أثر الأموال واحتاجت أميركا جرعة اضافية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عاند قليلاً ظناً أو يقيناً منه ان منافسه بايدن سيستفيد منها، لكنه اضطر بنهاية الأمر لتوقيع حزمة قيمتها 900 مليار دولار.

ولأن المصل المالي هو العلاج الوحيد لمواجهة تداعيات كورونا على الأكثر فقراً، وعد بايدن ببرنامج اضافي بنحو 2000 مليار دولار، فالاقتصاد المريض في 2020 استهلك الدفعة الأولى من ذلك المصل ولم يتعاف.

واختار بايدن لهذه المهمة الإسعافية فريقاً على رأسه وزيرة الخزانة جانيت يلين التي شغلت سابقاً مواقع عدة مع الرئيسين بيل كلينتون وباراك أوباما أبرزها رئاسة البنك الاحتياطي الفدرالي بين 2014 و2018 وكانت راعية الفائدة المنخفضة والتضخم الملجوم.

ووعدت يلين، أمام الكونغرس، بسخاء كبير مهما كلف الثمن، غير عابئة بعجز الموازنة المتضاعف في 2020 مقارنةً بـ 2019، ولا بالمستوى الحصيف المطلوب للدين العام الذي ارتفع إلى أعلى مستوى قياسا بالناتج  منذ الحرب العالمية الثانية قبل 74 عاماً.

تملك نسبة الواحد في المائة الأكثر غنى 30.5 في المائة من مجموع ثروات الأميركيين. وتملك نسبة الـ 10 في المائة الأكثر غنى 69 في المائة من الثروات. ولا تملك نسبة الـ 50 في المائة الأكثر فقراً إلا 1.9 في المائة من مجموع الثروات

تعوّل يلين أولاً على طبع الدولار، ثم على انخفاض معدلات الفوائد للاستدانة أكثر. وفذلكتها “أن الانفاق السخي بلا سؤال أفضل السبل للحؤول دون ركود طويل وقاس يترك ندوباً في الاقتصاد للمدى الطويل”. كما تعوّل على زيادة بعض الضرائب لا سيما على الأثرياء والشركات الكبيرة والمتعددة الجنسيات. فالخفض الضريبي الذي أقره ترامب من معدل 35 الى 21 في المائة، أفاد الأثرياء بالدرجة الأولى، فحصد 1 في المائة فقط من المكلفين نسبة 27 في المائة من نتائج تلك التخفيضات السخية التي منحها ترامب لمجتمع الاعمال فامتلأت بها جيوب الأثرياء وحققت بسببها “وول ستريت” ارتفاعات تاريخية قياسية ذهب معظم ريعها لأصحاب الرساميل والاستثمارات الضخمة.

وبالتالي تفاقمت الفروقات بين الأغنياء والفقراء على نحو خطير في الولايات المتحدة، وجاء فيروس كورونا ليجعل تلك الحقيقة التاريخية المرة أكثر مرارة.

ففي الوقت الذي تضاعفت فيه معدلات البطالة لترمي 14 مليون أميركي على قارعة الاقتصاد، منهم 6 الى 8 ملايين عند حد الفقر، كانت مؤشرات “وول ستريت” تعوّض خسائرها التي منيت بها الربيع الماضي، غداة غزو الفيروس لاميركا، وتراكم المكاسب تلو المكاسب لاحقاً في 2020 حتى ارتفع مؤشر “ناسداك”، على سبيل المثال، السنة الماضية 44 في المائة، مُعبّراً بالدرجة الأولى عن صعود أسهم عمالقة شركات الانترنت والتكنولوجيا التي استفادت من الاقفال لتنفجر خدمات الأونلاين، كما أن انفاق نحو الفي مليار دولار جعل الاستهلاك والاستثمار يتماسكان نسبياً ويذهب ريعهما الأساسي الى الشركات والمصانع لا سيما الكبيرة منها، اما الصغيرة فعانت الأمرين مثلها مثل العمال والموظفين. واذا كان الناتج تراجع 4.3 في المائة أي نحو 660 مليار دولار، فان “وول ستريت” ربحت 10 آلاف مليار في القيمة السوقية للشركات المدرجة فيها، ما يشي بسوء هائل لتوزيع الثروة.

ففي تشرين الأول/ اكتوبر الماضي، بلغت ثروات الأغنياء الأميركيين 3880 مليار دولار، بزيادة 913 ملياراً قياساً بآذار/ مارس 2020. وانعكس التيسير الكمي الهائل (توزيع المليارات ذات اليمين وذات اليسار لانعاش الاقتصاد) بالدرجة الأولى في تشكيل قمم جديدة لمؤشرات البورصة التي فيها ثروات الأغنياء.

ووفقاً لاحصاءات الاحتياطي الفدرالي، تملك نسبة الواحد في المائة الأكثر غنى 30.5 في المائة من مجموع ثروات الأميركيين. وتملك نسبة الـ 10 في المائة الأكثر غنى 69 في المائة من الثروات. ولا تملك نسبة الـ 50 في المائة الأكثر فقراً إلا 1.9 في المائة من مجموع الثروات.

إقرأ على موقع 180  إسرائيل تسأل.. هل عاد الفدائيون إلى مخيمات لبنان؟

وكرّست أزمة كورونا الفوارق لا بل زادتها بقوة، بعدما دفعت قطاعات كثيرة أثماناً باهظة لا سيما المطاعم والمقاهي والفنادق وقطاعات الترفيه. وارتفع الشهر الماضي عدد طالبي الإعانات الى أعلى مستوى منذ آب/أغسطس الماضي، ووصل عدد الذين افصحوا عن نقص ما في الغذاء لديهم، كما الخائفين من نقص مستقبلي قريب إلى 50 مليون أميركي. وبات أميركي من كل 8 يعيش بهذا الهاجس الغذائي حالياً، وذلك على الرغم من انفاق الألفي مليار دولار التي ذهب منها شيكات إلى 80 في المائة من الأسر والأفراد، علما أن التقديرات الرسمية تتحدث عن 30 مليون أميركي (10% من الشعب الأميركي تقريباً) يحتاجون إلى وجبات غذائية يومياً، بينهم 12 مليون طفل يعاني من نقص في الطعام.

ووعد بايدن بألفي مليار دولار اضافية ستذهب حسب فريقه الاقتصادي الى مكافحة كورونا والفقر، إذ يخطط لتلقيح 100 مليون أميركي في أول 100 يوم من ولايته، ما سيفرض عليه تحدياً لوجستياً هائلاً يحتاج الى بسط 100 ألف عامل في القطاع الصحي على امتداد الولايات، في وقت أخفق فيه سلفه في تحقيق وعد تطعيم 20 مليوناً قبل نهاية 2020 ولم يزد الرقم المحقق على نصف ذلك.

ومن المليارات ما سيذهب الى العمال والشركات الصغيرة الأكثر تأثراً بالأزمة وإلى مخصصات البطالة ورعاية أطفال الفقراء والمساعدات الغذائية والحضانات والمدارس، بحيث يصل لكل فرد محتاج 1400 دولار. كما وعد بزيادة الحد الأدنى للأجور من 7.5 دولارات للساعة الى 15 دولاراً برغم اعتراض جمهوريين يؤكدون ان الزيادة ستؤدي الى تسريح ما بين 1.3 و3.7 ملايين من وظائفهم. وتعوّل ادارة بايدن على تلك الزيادة لانعاش الاستهلاك الذي سجل في 2020 ادنى مستوى منذ 2009.

إلى ذلك، هناك حزمة انفاق هائلة على البنى التحتية، مثل الطرق والجسور والمدارس، سيذهب معظمها الى مناطق صوتت لدونالد ترامب في بادرة تعتبر التفاتة من الديمقراطيين الى جمهور غاضب لعله يرضى ولا يمعن في نكء جراح الديموقراطية الأميركية التي وصفها بايدن نفسه بـ”الهشة”.

Print Friendly, PDF & Email
منير يونس

صحافي وكاتب لبناني

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  إسرائيل تسأل.. هل عاد الفدائيون إلى مخيمات لبنان؟