جمهورية نوّاف سلام.. مخيمات ومحميات!

يفتتح الدكتور نواف سلام، رئيس الحكومة راهناً، كتابه "لبنان بين الأمس واليوم"، بآيات لأنطونيو غرامشي، من "دفاتر السجن"، تنص على الآتي: "تكمن الأزمة تحديداً في أن القديم يحتضر بينما الجديد لا يستطيع أن يولد بعد. وفي فترة الالتباس هذه بين العتمة والنور، تظهر شتى أنواع الأمراض".

فوراً، ينتقل الدكتور سلام إلى عبارة “مأساة اللبنانيين”. أف. إذا كانت البداية مأساة، فماذا ينتظر “اللبنانيين” (أو من يُقيم في لبنان من دون انتماء). يقول: “مواطنيتهم مُقيّدة – ودولتهم غير مكتملة، وهي مأساة”.. حملت في طياتها عنفاً ودماء.

العنوان الأول في فاتحة الكتاب، “من أجل جمهورية ثالثة”. من جهتي؛ لا أعرف الأولى ولا الثانية. كل ما أعرفه أن هناك تفوقاً في الجمهورية الأولى وتخلفاً وبشاعة في الثانية.. أما الثالثة الموعودة، فمصابة بالخصاء الوطني والإنساني.

والبداية أيضاً من “الطوائف المُهيمنة”، التي حظيت بدعم “فكري” من قبل الأشاوس من المفكرين. بحثوا عن الشخصية اللبنانية، فلم يجدوا أثراً لها. هناك استحالة تفاهم ديني أو طائفي. الجماعات اللبنانية لا تُشكل مجتمعاً أبداً. هي التي تقود لبنان إلى العجز ثم العجز.

***

سؤال: هل المواطن موجود في لبنان حقيقة؟

ليته. لبنان ميشال شيحا هو “جمهورية تجارية”. جمهورية تحمل رسالة خاصة في الحرية. يُمكننا القول إن لبنان ولد من الحرية ولأجلها. هل كان شيحا لبنانياً أم مسيحياً؟ لبنان يتميز بـ”شخصيته”، أي لا شخصية وحيدة له. إنّه مئات، ولو كانت أناشيد العصبية المسيحية تُردّد ما قاله جواد بولس: “حب الحرية هو ما يُميّز الشعب اللبناني [العمى: ما في نظر؟]، إلى حد أن تعدد الجماعات الطائفية في لبنان هو من تأثير وجود هذه الحرية ماضياً وحاضراً”!

إذاً لا بد من اعتبار “الكوجيتو” (عبارة لاتينية معناها “أنا أفكر”) السياسي هو الآتي: “أنا طائفي إذاً أنا حر”. وعليه؛ لا بد من تقديس البهورة عند ميشال شيحا. “كل لبناني هو جمهورية قائمة بذاته”.

ثم، على اللبناني أن يُفاخر، وفي الهواء الطلق، بأن كل اللبنانيين سواء أمام القانون.. باستثناء ما له علاقة بالحياة العائلية والشخصية. “الأمر يتبدل على مستوى الأحوال الشخصية”. فاختلاف نظام الأحوال الشخصية سببه أن الانتماء الحياتي – العائلي، هو من نتائج الركيزة الطائفية والمذهبية.

لا اعتراف بالعلمانيين أبداً.

ومن إبداعات التشكيلات الطائفية الراسخة والعميقة، ما جاء في بيان صادر عن حزب طائفي عن جد، نصّ على ما يلي: “الدستور يجب ألا يمس. والطائفية ضرورة للمحافظة على صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني، وعلى المسلمين ألا يطالبوا بالمساواة التامة في الحقوق، لأن المسيحيين لا يثقون بولائهم اللبناني، وسلطة الأكثرية العددية يجب ألا تؤثر. كي لا يستلم المسلمون الحكم، فيصبح المسيحيون من الأقليات”.

***

بعد المذابح اللبنانية، والمآسي السياسية، واستفحال المذهبية، أصبح لكل طائفة أو مذهب حق “الفيتو” وإلا.. الطائف. قيلَ عنهُ إنّه المنقذ. يا حرام. من نص “حول جمهورية ثالثة” يُمكن أن نستقرئ النتائج والسمات: “اتركوا الطائفية لأيام أفضل”. الاستعصاء الطائفي مرض “لذيذ”. يُضفي الشرعية على العنف بأشكاله السلمية البذيئة والعسكرية القاتلة.. ثم.. ثم.. إلى أن سكتت المدافع بانتظار السلم، ولكنه لم يحضر ولن…

الطائف هو السند. كرّس البنية الطائفية في النظام. لم تعد تقليداً. صارت واجباً.. وإلا.. إعطاء حقوق لرؤساء الطوائف. تحذيرٌ دائمٌ من غلبة الديموغرافيا. الأمرُ غريبٌ. العالم يتقدم ونحن نندفع نحو الهاوية.

من يحسب أضرار الطائفية؟ أنت كمواطن غير موجود. وجودك يتحدد بطائفتك، أي أنت مستحيل أن تكون مواطناً. الأغلب. ستكون “مواطفاً”. ولكن الطائفية الشهية ليست فضيلة مؤقتة.. إنها مجرد منصة للقفز إلى السلطة. إلى المناصب. وليس جديداً، أن الدولة، جيشاً وشعباً واقتصاداً وعلماً، موزعة على… أما الطوائف الصغرى، فيُمكن اعتبارها ضحية الجشع الطائفي الرباني، الماروني، السني، الشيعي، الدرزي. البقية، ابحث عنهم في دفتر الأرقام الهاتفية.

عليَّ أن أوقف الندبية الطائفية. أولاً، ثم عملياً، يستحيل الإصلاح. يستحيل كلياً، لأن الإصلاح، يبدأ من فوق وليس من البؤساء.. لبنان، لم يكن ضحية شعبه أبداً، بل إنّ شعب لبنان هو ضحية هذا الكيان وهذه البنى الطائفية، أو الوباء السياسي القاتل. لبنان ليس دولة ولن يكون.. هو مخيم فخم للأثرياء.. ومخيمات ومحميات.

***

صحيح جداً، ما كتبه نوّاف سلام: “حكومات الوحدة الوطنية، هي حكومات الشلل الوطني”.

الترويكا: قدس أقداس النظام. كارثة وفضيحة. تكاذب وتناتش. الشأن العام كذبة. تطهير الإدارة خرافة وكذبة بلقاء. الفساد هو الدين السياسي للإدارة وفروعها. هل تؤمنون بأن لدينا قضاء أم أنه القضاء والقدر. هل يمكن أن يكتفي لبنان بلبنانيته؟ عبث. اللبنانية رتبة متدنية سياسياً وإقليمياً.

الشأن العام كذبة.

حضور الخارج بلغ حد الوقاحة. الإمرة في لبنان، مرة كانت ناصرية، ثم سورية، ثم أميركية، ثم.. مرّت قوافل الأعداء على لبنان. وكل عدو وجد في لبنان سنداً له.. عملياً، كان لبنان وما يزال، سوق دعارة سياسية.

راهناً، الأذرع اللبنانية مفتوحة للخارج. الخارج حضر وبات مُقيماً في رأس السلطة. أيها اللبنانيون تعلّموا كيف تُطيعون وتحنون رقابكم، وإذا كنتم رافضين، ليس أمامكم غير الصمت مع ابتسامة رثة.

إقرأ على موقع 180  تدمير بيروت ليس إهمالاً.. إنه إرهاب السلطة

العجز سمة لبنانية. لبنان وطن مستحيل. الحكومات: “قفا نبكِ من ذكرى دستور وحقوق”.

***

يُشدّد رئيس الحكومة نواف سلام على أهمية الحاجة إلى التعديل الدستوري والقيام بالإصلاحات التي أقرها الطائف أصلاً ولم يتم تنفيذها بعد. ولا سيما تلك المتعلقة بالتجاوز التدريجي للطائفية.. وانشاء مجلس شيوخ ينحصر فيه التمثيل الطائفي.. ويلزم انتخاب مجلس النواب على أساس وطني لا طائفي.

يا عزيزي؛

هذا حصرم رأيته في حلب.

وعليه، فإن مكان إقامتنا هو في قاع القاع.. الاستبداد الطائفي يحرس النظام والفساد والفاسدين.

أخيراً؛

عندما تصبح ثقافة الولاء هي السائدة، تلغى الحرية، يلغى الشعب، تلغى الديموقراطية.

يكون في النهاية قد تم تحويل الشعب إلى قطعان تمتثل لزعماء الطوائف والملل والسفارات.

ما العمل؟

لا شيء. انتظار الجنازات للخيارات الحيوية والوطنية والإنسانية.

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  مصر من "السلطنة" إلى الحماية الفرنسية والبريطانية